في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بعد أكثر من خمسة عقود من إغلاق الحدود بين سوريا والأراضي المحتلة في إسرائيل في أعقاب حرب عام 1973؛ دخل عشرات من رجال الدين من طائفة الدروز السوريين إسرائيل يوم الجمعة الماضي 14 مارس/آذار، لأول مرة، في زيارة لما يعتقدون أنه مقام النبي شعيب الذي يقع في بلدة جولس بالقرب من طبريا داخل الأراضي المحتلة، والذي يُعتبر أحد أهم المواقع الدينية المقدسة عند الدروز.
على متن ثلاث حافلات ترافقها مركبات عسكرية، عبر رجال الدين خط الهدنة في مجدل شمس في مرتفعات الجولان ، وكانت الحافلات الثلاث قد انطلقت من داخل الجولان السوري المحتل إلى بلدة حضر السورية عند الحدود لنقل مشايخ الدروز، وسلكت طريقا عسكريا كان قد أقامه جيش الاحتلال بعد سقوط نظام الأسد.
جاءت الزيارة بناءً على دعوة من الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، وبدا في تفاصيلها أنها جرت بتنسيق وحفاوة بالغة من قبل سلطات الاحتلال.
ومع أن الزيارة قد قوبلت بردود غاضبة من قبل أصوات درزية، داخل سوريا وخارجها، فإنها جاءت ضمن سياق محاولات إسرائيلية أوسع لاستقطاب الطائفة الدرزية والتعاون معها ضد سلطة دمشق الجديدة؛ مما يعطيها بعدا غاية في الأهمية.
وكان تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قد قال مؤخرا، إن إسرائيل تسعى إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة في دمشق والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فدرالي، وإنها تخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذه الغاية.
إذن؛ تبدو سوريا، شرقا وجنوبا وغربا، طافية على توترات ليس من السهل احتواؤها، حيث تواجه قدرها التاريخي الذي يجمع تناقضات المشرق العربي داخل حيز جغرافي ضيق لم تصنعه تفاعلات تاريخية واجتماعية طبيعية، فإلى أي وجهة سوف يحسم الدروز طريقهم في هذا المزيج المعقد؟
في منطقة جبلية صغيرة من بلاد الشام، تمتد جنوب غرب سوريا وجنوب لبنان وشمال إسرائيل، يعيش حوالي مليون ونصف مليون درزي، يُطلقون على أنفسهم اسم "الموحدون".
هذه الطائفة الدينية والاجتماعية، التي لا يعرفها الغرباء، ولا يفهم معتقدها حتى أغلب أتباعها، تُشكل أقلية صغيرة وإن كانت ذات أهمية سياسية بالغة، حيث شاركت بفعالية وحضور في كافة محطات تأسيس المشرق العربي الحديث.
يتبع الدروز ديانة باطنية غامضة، لا يتحدث مشايخها ومعتنقوها في تفاصيلها الدقيقة، لكن أغلب المصادر السنية تؤرخ لها باعتبارها أحد امتدادات الطائفة الإسماعيلية التي حكمت مصر تحت اسم الدولة الفاطمية وبنت مدينة القاهرة عاصمة لها، وتعود نشأتهم إلى عهد الخليفة السادس للدولة الفاطمية الحاكم بأمر الله -الذي امتدت فترة حكمه من عام 996 إلى 1021م- على يد محمد بن إسماعيل الدرزي الذي هاجر إلى الشام، واشتهرت الطائفة باسمه، مع أن الكثيرين منهم يرفضون نسبتهم إليه وتسميتهم بالدروز!
كما أن ثمة مراجع أخرى تذكر أن المؤسس الفعلي للطائفة هو حمزة بن علي بن محمد الزوزني، الذي بدأ الدعوة التوحيدية منذ عصر الحاكم بأمر الله، وهو من أصول فارسية.
وتقوم دعوة التوحيد، على تفسير باطني مختلف للنص القرآني يستند إلى خليط فلسفي معقد، يمزج الفلسفة اليونانية والديانات الفارسية، والمسيحية.
هذا النتاج الفلسفي، تجسّد لاحقا فيما سيُعرف برسائل الحكمة، وهي عبارة عن عشرات من الرسائل التبشيرية السرية، كتبها الدعاة ونشروها بين القبائل العربية في مناطق نفوذ الدولة الفاطمية.
لم تستمر الدعوة إلى الديانة الجديدة سوى بضعة عقود ثم أغلقوا باب الدعوة في منتصف القرن الحادي عشر، خاصة بعد الهجوم العنيف الذي قاده ضدهم الخليفة الفاطمي أبو حسن علي الظاهر، ليقتصر أتباع المذهب على من بقي من معتنقيه الأوائل وأبنائهم ومن يولد منهم، وصار ممنوعا على من لم يولد درزيًّا الانضمام إلى الطائفة الدرزية.
في مطلع القرن الثامن عشر، اندلع اقتتال داخلي بين الدروز الذين كانوا يقطنون مناطق ضمن ما يعرف الآن بدولة لبنان، نزحت على إثره أعداد منهم لتستوطن جبل العرب شرقًا (الذي يعرف الآن بجبل الدروز)، في المنطقة التي ستصبح لاحقا محافظة السويداء في سوريا الحديثة.
طوال المرحلة العثمانية؛ شكّل الدروز في السويداء ما يشبه الحكم الذاتي في إطار اتفاق ضمني مقابل حمايتهم لدمشق من غزوات القبائل البدوية من الجنوب، ورفض الدروز بشكل صارم محاولات الدولة العثمانية في فتراتها الأخيرة إجبارهم على الالتحاق بالتجنيد، وخاصة في فترة سيطرة الأسرة العلوية على بلاد الشام تحت سلطة إبراهيم باشا بن محمد علي.
انحاز الدروز، بقيادة أحد أهم شخصياتهم التاريخية، وهو سلطان الأطرش ، إلى الثورة العربية الكبر ى التي قادها الهاشميون ضد الدولة العثمانية بقيادة الشريف حسين 1916 – 1918، ودعموا فكرة الانضمام للدولة العربية المزمع تأسيسها.
وأدت قوات الدروز دورا حاسما في الثورة، إذ تذكر المصادر أنهم دخلوا دمشق قبل وصول قوات الشريف حسين، وطردوا منها القوات العثمانية.
لم تنشأ الدولة العربية كما حلم بها قادة الثورة، وسرعان ما فرضت بريطانيا وفرنسا الانتداب في شرق المتوسط، وتقاسمتا المنطقة لاحقا وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916، لتولد بذلك سوريا الحديثة بحدودها الحالية.
كانت السويداء ضمن حصة فرنسا، وحظي الدروز تحت الانتداب الفرنسي بدولة مستقلة باسم دولة جبل الدروز 1921-1936، وسميت أيضا عدة سنوات باسم دولة السويداء، ضمن عدة دول أخرى داخل جغرافيا سوريا الحالية من بينها دولة العلويين في الساحل السوري.
لكن الحقيقة التاريخية أن المشاعر القومية لدى الدروز دفعتهم إلى مقاومة الانتداب الفرنسي رغم منحهم دولة مستقلة، ودشن الدروز الثورة السورية على سلطات الانتداب الفرنسي عام 1925، وخاضوا سلسلة معارك انتهت بهزيمتهم عسكريًّا.
وفي عام 1936، وحّدت فرنسا سوريا على صورتها الحالية، ودمجت فيها دولة جبل الدروز، بموجب ما يعرف بمعاهدة الاستقلال. لكن الانتداب الفرنسي استمر في سوريا فعليًّا حتى أبريل/نيسان 1946.
في عام 1954، شنّ الزعيم السوري أديب الشيشكلي ، الذي استولى على السلطة بانقلاب عام 1949، حملة دموية ضد الدروز متهما إياهم بتلقي أسلحة ودعم عسكري من الهاشميين في العراق والأردن.
لكن الدروز واجهوا قمع سلطة الشيشكلي بتمرد واسع، امتد إلى أنحاء أخرى في سوريا، واضطرت السلطة لإعلان حالة الطوارئ في خمس محافظات سورية هي دمشق، وحلب، والسويداء، وحمص، وحماة، واعتقال أعداد كبيرة من المعارضين السياسيين البارزين، وانتهت الأحداث بإعلان انقلاب عسكري على العقيد الشيشكلي دفعه إلى الاستقالة في 25 فبراير/شباط 1954، ليسهم الدروز بذلك مرة أخرى في تشكل المشهد السياسي السوري.
في عام 1966 أوصل انقلاب ناجح ثلاثة ضباط -اثنان منهم علويان والآخر درزي- إلى السلطة. وقبل نهاية العام، قام العلويان -قائد القوات الجوية البعثي اليميني حافظ الأس د، والجنرال البعثي اليساري صلاح جديد – بإقصاء الضابط الدرزي سليم الحاطوم في انقلاب آخر.
أصبح الأسد وزيرًا للدفاع، بينما استقال جديد من الجيش ليصبح عضوًا قويًّا في الحكومة السورية، وفي عام 1970 أطاح الأسد بجديد، وبعد عام ترشح للرئاسة السورية دون منافس، وحصل على 99.99٪ من الأصوات، وفقًا للنتائج الرسمية. حوّل الأسد سوريا إلى دولة يحكمها العلويون، حيث شكّلوا 90% من سلك الضباط في عهده.
لم يثق حافظ الأسد بالدروز؛ مما أدى إلى تقليص مساحة محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية من 11 ألف كيلومتر مربع إلى 6 آلاف كيلومتر مربع، وعزلها عن العالم الخارجي، ودخل الدروز بشكل عام في علاقة مع دولة الأسد مفادها حماية الطائفة مقابل الإذعان لسلطة الدولة.
وفي العام الأخير من حكم بشار الأسد، بدأ الدروز انتفاضة ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وبعد تدشين فصائل إدلب معركة ردع العدوان ، شاركت فصائل السويداء، وفقا لوكالة الأناضول، في تأسيس غرفات عمليات الجنوب التي ضمت فصائل درزية وأخرى من محافظات درعا والقنيطرة، واستطاعت طرد قوات الأسد من المحافظات الثلاث، ثم الانطلاق إلى دمشق حيث دخلتها فصائل غرفة عمليات الجنوب قبل أن تصل إليها الفصائل التي كان يقودها أحمد الشرع.
مع أن السؤال المطروح على الدروز حاليا بشأن العلاقة مع السلطة المركزية في سوريا يبدو سؤلا جديدا؛ فإن الحقيقة أن الدروز بوصفهم طائفة أقلية، لا يزال هذا أحد أسئلتهم المركزية منذ نشأة المشرق الحديث.
يعيش الدروز اليوم ضمن حدود ثلاث دول، سوريا ولبنان والأراضي المحتلة، إلى جانب أعداد قليلة في الأردن هاجرت إليه بعد نشوب الصراع بين الدروز في السويداء وسلطات الانتداب الفرنسي مطلع القرن العشرين.
ويقدر عددهم بمن فيهم أولئك الذين هاجروا إلى أوروبا أو أميركا أو غرب أفريقيا، بنحو مليون ونصف مليون شخص. منهم 700 ألف يعيشون في السويداء ويمثلون 90٪ من مجمل سكان المحافظة.
بعد صعود القومية العربية واستقرار وضع الدول الناشئة في بلاد المشرق، أصبحت ثمة ثلاثة تيارات كبرى ولدت داخل مجتمع الدروز يقودها ثلاثة زعماء تاريخيين، كان لكل منهم إجابة مختلفة عن سؤال العلاقة مع الدول التي يعيش فيها الدروز ومع المحيط العربي بشكل عام.
في لبنان خطت أسرة جنبلاط التي تتزعم الطائفة سياسيا منذ عقدين على الأقل خطا اندماجيا في الهوية القومية العربية الجامعة، وأسست لمدرسة خاصة حاولت دمج المقولات السياسية اليسارية في المعتقد الديني الدرزي، بما يحوّل الطائفة نفسها إلى حزب سياسي يساري تقدمي، لوضعها في سياق وطني أوسع من مفهوم الطائفة الدينية، وتبنت مفاهيم مناهضة للاستعمار والاحتلال الإسرائيلي.
أما في إسرائيل فقد سلكت الطائفة مسلكا آخر، حيث قادها زعيمها الروحي موفق طريف إلى صيغة إذعانية لدولة الاحتلال، باعتبارها السلطة الغالبة التي على الطائفة أن تتعامل معها صيانة لمصالحها، وقد قبلت الطائفة في وقت مبكر بالالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية منذ عام 1957 وأظهرت الولاء الكامل لإسرائيل في كافة المناسبات.
ومع ذلك فإن ادعاء نجاح هذه الصيغة يتعرض لتحديات بعد إقرار قانون "القومية" في إسرائيل ووصفها بأنها دولة يهودية، بما يضع الدروز في موقع مهمش ويحرمهم من كثير من الامتيازات المدنية رغم تحملهم أعباء الخدمة العسكرية.
والجدير بالذكر أن الدروز في منطقة الجولان المحتل كانت لهم مواقف مختلفة حيث رفضوا التجنس بالجنسية الإسرائيلية، مدفوعين بشعور انتمائهم لسوريا؛ مما عرضهم لتهميش وحرمان بالغ لقراهم من خطط التنمية وعوائدها.
وفي سوريا نحا الزعيم الدرزي سلطان الأطرش منحًى أكثر انتماء للدولة ورفضا للتدخلات الخارجية منذ عشرينيات القرن الماضي، وطوال قرابة قرن كامل هو عمر الدولة السورية الحالية كانت غالبية مواقف الدروز السوريين مؤيدة للوحدة ولم تسُدْ فيهم نزعات انفصالية، ولكن في الوقت نفسه كان الدروز مدافعين شرسين عن أمن الطائفة وأفرادها.
خلال اليومين الماضيين، صرح يوسف جربوع أحد شيوخ طائفة الموحدين الدروز في سوريا، قائلا: "قادرون على حماية أنفسنا بأنفسنا، ولا يوجد ما يجعلنا نطلب الحماية من أي جهة"، قد يشعر البعض بأن هذه مجرد مبالغة في سياق خطابي، لكن استقراء التجربة التاريخية للدروز في سوريا يقول إنهم فعلا لم ينتظروا قوة خارجية يومًا ما لحمايتهم!
أظهرت تداعيات ما بعد سقوط الأسد انقسامات داخل مجتمع الدروز في السويداء بين مؤيدي الفدرالية والمطالبين بوحدة سوريا، وهو انقسام شمل المرجعيات الدينية والتيارات السياسية والفصائل المسلحة.
تُعد "حركة رجال الكرامة" الفصيل الأبرز في السويداء، وقد تأسست عام 2013 بقيادة الشيخ وحيد البلعوس، في إطار معارضة تجنيد الشبان الدروز ورفض مشاركتهم في الحرب السورية، ورفع مؤسس الحركة حينها شعار "دم السوري على السوري حرام"، إضافة إلى حماية الدروز من الاعتقالات، والضغط لأجل الإفراج عن المعتقلين.
ورغم اغتياله عام 2015، استمرت الحركة في دورها الرافض للهيمنة الأمنية لنظام الأسد، وقامت تحت قيادة الشيخ يحيى الحجار بعد 2017 بتعزيز نفوذها في المنطقة، متبنيةً خطابًا يركز على الدفاع عن الهوية الدرزية والاستقلالية المحلية.
ووفقا لدراسة أعدها مركز حرمون السوري؛ تزايد نفوذ الحركة فيما بين 2018 و2022، مع توسعها في عمليات التصدي لعصابات التهريب والمجموعات الأمنية التابعة للنظام السوري، كما رفضت الحركة التدخلات الإيرانية، ودخلت في مواجهات مباشرة مع المجموعات المدعومة من حزب الله، ورفضت أي شكل من أشكال الارتباط بالمشروع الإيراني في سوريا.
وقد شهدت الحركة عدة انشقاقات، حيث برزت "قوات شيخ الكرامة" بقيادة أبناء وحيد البلعوس، واتخذت موقفًا أكثر حدة اتجاه النظام السوري وروسيا. وظهر "تجمع أحرار جبل العرب" بقيادة الشيخ سليمان عبد الباقي، الذي أدى دورًا في تنظيم الحراك الشعبي وتنسيق الاحتجاجات ضد نظام الأسد عامي 2022 و2023.
وفي 2024، ومع اقتراب سقوط النظام، ظهرت تشكيلات عسكرية جديدة مثل "درع السويداء"، الذي ركز على منع أي فراغ أمني في الجبل، و"كتيبة الفجر" التي تبنّت عمليات أمنية ضد المجموعات المدعومة من إيران وحزب الله في المنطقة.
وحاليا تتراوح مواقف الفصائل في السويداء من الحكومة الجديدة بين ثلاثة توجهات رئيسية. الأول، هو الرفض القاطع لسلطة الحكومة والسعي إلى إعادة هيكلة الحكم في سوريا وفق نظام فدرالي يمنح السويداء استقلالًا إداريًّا واسعًا.
ويعد "المجلس العسكري في السويداء" أحد أبرز الفصائل التي تبنت هذا التوجه، وقد تأسس في يناير/كانون الثاني 2025 بقيادة طارق الشوفي، وهو ناشط سياسي معروف بمواقفه الداعمة للفدرالية، ومعه العميد سامر الشعراني، الذي كان سابقًا أحد ضباط الجيش السوري قبل انشقاقه في 2018.
ويرى "المجلس العسكري" أن النظام المركزي لم يعد قادرًا على تلبية تطلعات المحافظة، ولقي هذا التوجه دعمًا سريعًا من " قوات سوريا الديمقراطية " (قسد)، التي أعلنت مساندتها للمجلس منذ لحظة تأسيسه.
أما الموقف الثاني، فقد تبنته الفصائل التي ترى ضرورة التعامل بحذر مع الحكومة الجديدة، مع وضع شروط تضمن عدم تكرار هيمنة دمشق على السويداء.
ومن بين هذه الفصائل "رجال الكرامة"، حيث تتبنى الحركة موقفًا يعتمد على الحفاظ على خصوصية المحافظة مع قبول التنسيق الأمني والعسكري مع دمشق، بشرط أن يكون تحت إدارة أبناء السويداء أنفسهم.
وينطبق الأمر ذاته على حركة "أحرار جبل العرب"، التي تأسست عام 2017 على أنها حركة مناهضة للتدخلات الخارجية، لكنها لا تتبنى موقفًا عدائيًّا صريحًا من النظام.
والثالث؛ هو القبول بسلطة دمشق بشرط أن لا يجري تسليم السلاح إلا بعد الاطمئنان لهيكلة وزارة الدفاع الجديدة، والدستور الجديد الذي يضمن مدنية الدولة وحقوق الأقليات، فضلا عن استبعاد العناصر الأجنبية من الوزارة، مثل موقف لواء الجبل.
وقد أفضت المفاوضات بين غرفة العمليات المشتركة في السويداء والحكومة إلى اتفاق يسمح بانضمام أبناء المحافظة إلى قوى الأمن الداخلي، على أن يكونوا من غير أصحاب السوابق الجنائية. وبناءً على ذلك، أرسلت وزارة الداخلية تسع سيارات شرطة إلى السويداء في السادس من مارس/آذار 2025، إلا أن "المجلس العسكري" حال دون دخولها.
وجاء ذلك بالتزامن مع مظاهرات دعا إليها "تيار سوريا الفدرالي"، رفعت شعارات تطالب بإسقاط النظام، وأعلنت دعمها للشيخ حكمت الهجري والشيخ موفق طريف، وهو ما زاد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في المدينة.
وإلى جانب الفصائل العسكرية؛ تباينت مواقف المرجعيات الدينية الثلاث الأبرز في السويداء ( حكمت الهجري ، حمود الحناوي، ويوسف الجربوع)، ليس فقط من سلطة الشرع، بل من سلطة الأسد قبل ذلك منذ عام 2022، حيث ظهر اختلاف واضح في درجة المواجهة أو التقارب مع السلطة.
كان الشيخ حكمت الهجري أكثر المرجعيات نشاطًا، من حيث التصريحات السياسية المواكبة للأحداث بعد سقوط الأسد، إذ اعتبر أن حل الفصائل وتسليم سلاحها مرتبط بإقرار الدستور وإنشاء الجيش، كما ألمح إلى أن البلاد تحتاج إلى التدخل الدولي لضمان أن تسفر العملية السياسية عن دولة مدنية.
في حين كانت مواقف كلّ من يوسف وحمود تتركز على رفض أي مشاريع انفصالية في المحافظة. وأبدى الشيخ حمود الحناوي معارضة كاملة لكل التشكيلات العسكرية والسياسية الداعية إلى الانفصال في السويداء.
بالعودة إلى تقييم فرص إسرائيل في الوصول إلى تفاهم مع الدروز، فمن المرجح أن هذا قد لا يكون متاحا أمام إسرائيل في المدى القريب على الأقل.
السبت الماضي، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس بأنهما أمرا الجيش بالاستعداد للدفاع عن مدينة جرمانا السورية، موطن عدد كبير من الدروز. وفي وقت آخر من نفس الأسبوع قالت الخارجية الإسرائيلية إنها سلمت 10 آلاف حزمة مساعدات إنسانية للدروز في مناطق الاشتباك في سوريا، تضم سلعا غذائية.
وفي سياق أوسع، يبدو أن إسرائيل قد أقرت مشروعا طويل المدى لنسج علاقات قوية مع المجتمع الدرزي في السويداء، ليمثل معها أداة لمنع سيطرة قوات الحكومة السورية الجديدة على مناطق الحدود مع إسرائيل.
لكن الواقع أن التباينات داخل مجتمع الدروز، فضلا عن التجربة الطويلة للممارسات الإسرائيلية العنصرية والدموية في المنطقة قد لا تحفز مجتمع الدروز للتعاون مع إسرائيل.
وعلى الجانب الآخر؛ فإن أمام سلطة دمشق اختبار تاريخي لجمع شتات البلد الذي لم يكن تاريخه الحديث مستقرا في أغلب أوقاته.
وبعيدا عن الترتيبات الإدارية والاتفاقات السياسية التي قد يكون عمرها قصيرا؛ فإن التحدي الأكبر هو مدى قدرة السوريين على بناء عقد اجتماعي وترسيخ هوية وطنية تجمع هذا المزيج المعقد الذي يمثل الدروز واحدا من تكويناته التاريخية، بما يمثل ضمانة للأمن المجتمعي وإغلاقاً لفرص التدخلات الخارجية.