بينما تدرس موسكو وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، تواصل آليتها العسكرية استغلال وضعها القوي، على الجبهة الأمامية، وقد تكون المفاوضات الدبلوماسية بطيئة وصعبة، ولكن يمكن قياس ذلك بالأرواح المفقودة، في ساحة المعركة.
في مستشفى عسكري في شرق أوكرانيا، يصل الجرحى في سيارات الإسعاف،، بشكل متكرر، فهناك انفصال واضح بين الدبلوماسية، التي تجري بعيداً عن القتال ووحشية المعركة، حيث لا تزال الأجساد البشرية تُحطم وتُمزق وتُشوه، بالقنابل والرصاص.
نشاهد أربعة وعشرين جندياً أوكرانياً مصاباً، يجري تحميلهم في حافلة، لنقلهم إلى مستشفى في مدينة دنيبرو الأوكرانية، بعضهم كانوا يمشون على أقدامهم، والبعض الآخر كان محمولاً على نقالات.
وجُهزت الحافلة بمعدات طبية، لمراقبة الجرحى، أثناء نقلهم بسرعة، على الطرقات المليئة بالحفر.
الرجال الذين على متن الطائرة، هم الأقل إصابة، وقد أصيب معظم الجرحى بشظايا. وغالبًا ما يكون السبب وراء الإصابات، هو السلاح الذي أصبح الآن الأكثر انتشاراً ورعباً على الجبهة: الطائرات بدون طيار.
لا أحد ممن تحدثنا معهم يعتقد أن هذه الحرب ستنتهي قريباً.
يرقد ماكسيم، البالغ 30 عاماً، على نقالة، ويضع حقنة وريدية، لتخفيف بعض الآلام، الناجمة عن عدة شظايا في جسده. يقول ماكسيم إنه سمع الحديث عن وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، لكنه يضيف: "أنا أعتبر بوتين قاتل، والقتلة لا يوافقون على الاتفاقيات بسهولة".
ويقول فوفا، الذي كان يجلس بالقرب من المكان: "لا أصدق ذلك". وأضاف أنهم يواجهون هجمات روسية عاصفة يومياً، قرب مدينة بوكروفسك المحاصرة. ويقول فوفا: "أشك في أن تكون هناك هدنة".
ويقول جندي آخر يدعى ماكسيم إن هذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها للإصابة. ويضيف: "لا أعتقد أنه سيكون هناك وقفاً لإطلاق النار". ويتابع: "كان لدي الكثير من الأصدقاء، الذين لم يعودوا معنا بعد الآن".
وأضاف: "أود أن أصدق، أن كل شيء سيكون على ما يرام. لكن لا يمكنك أن تثق بروسيا، أبداً".
وتتولى الكتيبة الطبية التطوعية في الجيش الأوكراني، المعروفة باسم "هوسبيتاليرز"، نقل عشرات الجنود المصابين يومياً عبر حافلة طبية كبيرة.
وتعمل صوفيا، طالبة الطب البالغة 22 عاماً، مع الكتيبة منذ 18 شهراً، وهي أيضاً متشككة، بشأن فرص وقف إطلاق النار: تقول صوفيا: "لا أستطيع تصديق ذلك، ولكنني أتمنى حقاً أن يحدث ذلك".
وتخبرني أنها عندما سمعت، لأول مرة، خبر اتفاق الولايات المتحدة وأوكرانيا على الضغط من أجل وقف إطلاق النار، كانت الطائرات بدون طيار الروسية تحلق فوق قاعدتهم، وتشتبك معها الدفاعات الجوية الأوكرانية، بالنسبة لها؛ الحديث عن السلام هو "حديث من عالمٍ موازٍ".
تقول صوفيا: "على الأقل، من الجيد أن أوكرانيا وأمريكا، تتحدثان مجدداً". ولكن بالنسبة لآمال وقف إطلاق النار، تشير صوفيا إلى الماضي القريب. وتتساءل: "بالنظر إلى فشل جميع دعوات وقف إطلاق النار، التي كانت لدينا في الماضي. لا بد أن نتساءل كيف ستنجح هذه المرة؟".
وقد انضم زميلها الطبيب دانيال إلى الكتيبة الطبية قادماً من السويد، حيث قال إنه "يفهم كيف يكون الأمر، عندما تتعرض دولة أصغر لهجوم من جارتها العملاقة"، فقد حارب جده من أجل فنلندا ضد روسيا خلال الحرب العالمية الثانية، فالتاريخ له أهمية.
عندما وصل دانيال لأول مرة إلى أوكرانيا، اعتاد أن يسأل الجنود المصابين عما سيفعلونه بعد الحرب، ولكنه لم يعد يفعل ذلك. ويقول دانيال: "لا أحد يريد أن يجيب على هذا السؤال، لأنهم لا يريدون أن يخيب أملهم، إنهم لا يجرؤون على الأمل".
لا يستبعد دانيال وقف إطلاق النار، لكنه يضيف: "لا يُمكنك أن تثق في أن بوتين سيفعل أي شيء لا يعود بالنفع عليه".
ولدى أوكرانيا الكثير من الخبرة المريرة في التفاوض مع روسيا، فقد توسطت فرنسا وألمانيا في وقف إطلاق النار، خلال عامي 2014 و2015، عندما استولت القوات المدعومة من روسيا، على أجزاء من شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ولم تنجح تلك الاتفاقات، كما أنها لم تمنع روسيا، من تنفيذ غزوها الشامل لأوكرانيا، بعد ثماني سنوات.
قد يكون هناك حديث عن السلام، لكن رجال اللواء جايجر 68 الأوكراني ما زالوا يستعدون للحرب. نشاهدهم وهم يتدربون، على إجلاء جندي مصاب، تحت النيران. وقد اضطر معظمهم إلى القيام بذلك، في الواقع.
يمكننا سماع أصوات المدفعية، من بعيد، إنها على بعد 10 أميال فقط من خط المواجهة، حيث سيعودون قريباً.
لقد سمعوا القليل من الأخبار الإيجابية في الأيام الأخيرة، لكن القوات الأوكرانية تتعرض للنيران، في مدينة كورسك الروسية.
وبدا ذلك الهجوم المفاجئ على الأراضي الروسية، في أغسطس/آب من العام الماضي، كحركة تكتيكية ماهرة، لرفع الروح المعنوية، لكنها الآن مهددة، بأن تصبح نكسة استراتيجية هائلة.
قد لا تظل مدينة كورسك الروسية ورقة مساومة، للمفاوضات المستقبلية، بل عبئاً ثقيلاً مع خسارة المعدات والأرواح الأوكرانية الثمينة.
إحدى الإيجابيات القليلة هي استئناف الولايات المتحدة دعمها العسكري، وهو أمر مهم بالنسبة للواء 67، الذي يعمل من خلال معدات أمريكية الصنع، حيث يجرون تدريباتهم، بمركبة مدرعة من طراز ماكس برو، التي زودتهم بها الولايات المتحدة.
يقول إيفان، السائق، الذي يضع شارة أمريكية صغيرة على زيه العسكري، إنه يشعر بالارتياح، لأن إدارة ترامب وافقت الآن على إلغاء الحظر، وتحتاج مركبته إلى إصلاحات منتظمة. ويقول: "أود أن يستمروا في تقديم المساعدة".
لكن إيفان لا يزال غير متأكد من إمكانية الوثوق بالرئيس ترامب. ويقول: "لدي شكوك"، أما فيما يتعلق بالثقة بالرئيس بوتين، فيجيب: "لا، أبداً، هنا، حتى وقف إطلاق النار المؤقت يبدو بعيد المنال".