قالت مجلة إيكونوميست البريطانية إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وضع أوكرانيا أمام خيارين أحلاهما مر، مضيفة أن المسؤولين الأوكرانيين منخرطون في محادثات مع أميركا التي تسلك سياسة حافة الهاوية الخطيرة حتى بمعايير ترامب نفسه.
وذكرت أن ترامب وممثليه يطالبون بالتوقيع على أرباح التعدين والموانئ وغيرها من الصناعات مقابل أي دعم من واشنطن. وقد رفض الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي أمس الشروط الأميركية التي وصفها بأنها غير عادلة وأصر على أن يشمل أي اتفاق دعما عسكريا. ولا تزال المحادثات مستمرة.
وتقول المجلة إن أحد الأسئلة حول المفاوضات هو مدى الضرر الذي تتعرض له أوكرانيا إذا كان هناك اتفاق. ونسبت إلى أحد المسؤولين الأوكرانيين القول إن هذا "ليس تفاوضا، بل ابتزازا".
وإذا لم يكن هناك اتفاق، سيكون الخيار الآخر هو الانتقام الذي سيلحقه ترامب بأوكرانيا إذا رفضت التوقيع. وهناك مخاوف متزايدة في كييف من أن ترامب قد يحاول خنق تدفق الدعم العسكري، أو قطع الوصول إلى خدمة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في ستارلينك، أو تسريع محادثات السلام الثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقدمت المجلة سردا للقاءات الأوكرانيين مع فرق ترامب ووصفتها بالمربكة. وأشارت إلى أن فكرة التوصل إلى صفقة نشأت في سبتمبر/أيلول الماضي عندما عرض زيلينسكي منح حقوق التعدين مقابل مساعدة أمنية مستقبلية ودعوة للانضمام إلى حلف الناتو. لكن ترامب قلب المفهوم رأسا على عقب، مدعيا أن موارد أوكرانيا وبنيتها التحتية هي تعويض عن المساعدات التي تبرعت بها أميركا بالفعل.
وبموجب أحدث نسخة "كارثية "، كما يقول المسؤولون الأوكرانيون، سيُطلب من أوكرانيا تحويل 50% من أرباح الدولة المستقبلية من الموارد الطبيعية والبنية التحتية مثل الموانئ إلى صندوق استثمار جديد تملكه حكومة الولايات المتحدة. وستستمر المساهمات حتى يصل الصندوق إلى 500 مليار دولار، وهو رقم يتوافق مع مزاعم ترامب المتضخمة حول المبلغ الذي أنفقته أميركا على المساعدات لأوكرانيا منذ بداية الحرب.
وقالت إيكونوميست إن سداد هذا المبلغ، بالمعدلات الحالية لدخل أوكرانيا، سيستغرق مئات السنين. ونقلت عن مسؤول أوكراني قوله: "إذا وقعنا على هذا كما هو، فسنُطرد غدا من مناصبنا، ونُعدم من قبل الحشود الغاضبة".
وأوردت أن فريق ترامب كان يزيد من ضغطه باطراد منذ أسابيع. فالعرض الأول لم يتضمن أي وعد بمساعدة دفاع لأوكرانيا، باستثناء بند حول حماية الموارد الفعلية المستخرجة. ويوم الخميس الماضي، صُدمت أوكرانيا بتلقي عرض آخر "كارثي".
وتقول أميركا إن مساعداتها العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا تصل حتى الآن إلى 500 مليار دولار. في الواقع، تقول إيكونوميست، إن واشنطن قامت بتحويل أقل من ربع هذا المبلغ في شكل أسلحة ودعم مباشر للميزانية. ولم يقدم فريق ترامب بعد تفسيرا لهذا الرقم وربما يكون قد اخترعه لإرضاء رئيسه.
وعلقت المجلة بأن هذا المبلغ سيكون عبئا هائلا على بلد صغير فقير، إذ إنه يشكل أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا بالكامل. وأصر زيلينسكي على أنه يحتاج إلى شيء ملموس مقابل التخلي عن الثروة المعدنية. وقال يوم الأربعاء الماضي: "أنا أدافع عن أوكرانيا، ولا يمكننا بيع بلدنا".
وقالت إيكونوميست إن إحدى التفسيرات للضغوط التي تتزايد باستمرار، هو عدم استسلام القيادة الأوكرانية وقبولها على الفور بعرض ترامب، إذ أثار الرد الأوكراني الأولي غضب الرئيس الأميركي.
ونسبت الصحيفة لمصدر أوكراني قوله في هذا الصدد: "بمجرد أن رأى أننا لم نوقع مع فريقه الأول الذي يقوده جيه دي فانس نائب الرئيس، أرسل رجلا كبيرا جدا، وهو وزير التجارة هاوارد ليتنوك الذي يتحدث فقط بالأرقام ولا عواطف ولا تعاطف ولا شيء، كانت هناك تهديدات ضمنية وكانت اللهجة تنم عما يشبه الإملاءات".
وتوقعت المجلة أن يتفاعل ترامب بغضب مع رفض زيلينسكي أمس الأحد شروطه، مضيفة أن هناك خوفا من أن تلجأ إدارة ترامب إلى مصادر نفوذ أكثر قسوة، مثل قطع الوصول إلى أقمار ستارلينك التابعة لـ إيلون ماسك، وهي شريان الحياة لاتصالات الخطوط الأمامية الأوكرانية.
وختمت المجلة بأن مثل هذه الإجراءات الصارمة قد لا تترك لأوكرانيا خيارا سوى التوقيع على صفقة لا تحظى بشعبية.