بدأت مصر في شحذ قواها السياسية والدبلوماسية لوقف خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتمثلة في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، كما أشار معلّقون عسكريون في قنوات مصرية مختلفة إلى أن الجيش "بدأ في تعزيز قواته العسكرية" في سيناء.
وطالب وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد المجيد صقر، يوم الثلاثاء، قوات الجيش الثالث الميداني "بالحفاظ على أعلى درجات الجاهزية القتالية، لتظل القوات المسلحة قادرة على الوفاء بالمهام والمسؤوليات المكلفة بها تحت مختلف الظروف"، وفق بيان للمتحدث باسم الجيش المصري العميد غريب عبد الحافظ.
ولوح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الإثنين، بوقف المساعدات التي تقدمها بلاده للأردن ومصر، إذا لم يستقبلا الفلسطينيين، وذلك بعد رفض كلا الدولتين مقترحات ترامب بشأن تهجير سكان غزة، وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وفقا لتصريحاته.
ولم يكتف ترامب بهذه التصريحات، بل كشف عن خطة جديدة تتمثل في "شراء غزة وامتلاكها بالكامل"، وقال في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، نُشرت يوم الإثنين، إن "الفلسطينيين لن يكون لهم حق العودة، لأنهم سيحصلون على مساكن أفضل بكثير".
وصرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يوم الثلاثاء، بضرورة إعادة إعمار قطاع غزة "دون تهجير سكانه الفلسطينيين"، بحسب بيان لرئاسة الجمهورية المصرية، تناول تفاصيل اتصال هاتفي بين الرئيس المصري، ورئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن.
وجاء في البيان أن السيسي أكد لرئيسة وزراء الدنمارك، على "ضرورة بدء عمليات إعادة إعمار قطاع غزة، بهدف جعله قابلاً للحياة، دون تهجير سكانه الفلسطينيين، وبما يضمن الحفاظ على حقوقهم ومقدراتهم في العيش على أرضه".
كما أبلغ وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي نظيره الأمريكي ماركو روبيو في واشنطن، يوم الاثنين، تأييد الدول العربية الفلسطينيين في رفضهم خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لتهجيرهم من غزة والسيطرة على القطاع، وفقا لما نقلته وكالة رويترز.
وأكد الوزير المصري على ضرورة تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني "المشروعة"، وعلى رأسها "إقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني".
وقالت الخارجية المصرية في بيان، يوم الثلاثاء، إن الوزير عبد العاطي أكد خلال زيارته إلى واشنطن على أهمية "التعاون المصري-الأمريكي لتحقيق السلام العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك وفقا لمقررات الشرعية الدولية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة استنادا لحل الدولتين.. وتبادل الرهائن والأسرى بمراحله الثلاث، وضرورة البدء في عملية التعافى المبكر وإعادة الإعمار".
وقال بهاء الدين محمود، الباحث المشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لبي بي سي، إن ترامب "لن يستطع تنفيذ أي خطط له في غزة أو الشرق بدون موافقة مصر، ولن تجدي ضغوطه على مصر بالمساعدات، سواء العسكرية أو الاقتصادية".
وقال محمود لبي بي سي: "جزء كبير من هذه المساعدات يعود للولايات المتحدة من خلال الاستعانة بالخبراء والمدربين الأمريكيين، وحجم هذه المساعدات، كما هو واضح، ضئيل جداً، وليس محورياً في الاقتصاد المصري، ولن يمثل معضلة؛ خاصة إذا تدخلت الدول العربية الأخرى لتعويض مصر".
وبالإضافة إلى الجهود المصرية الرسمية والدبلوماسية لوقف مخططات ترامب لتهجير سكان غزة، قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إن مسؤولين مصريين أبلغوا مدير المخابرات الأمريكية، وليام بيرنز، أن القاهرة سوف "تلغي اتفاقية السلام مع إسرائيل"، إذا واصلت الولايات المتحدة الضغط لتهجير سكان غزة، أو حتى أوقفت المساعدات الأمريكية.
وأضاف بهاء الدين محمود لبي بي سي نيوز عربي أن اتفاقية السلام تمثل "ورقة قوية" في يد مصر للتفاوض مع ترامب حول مستقبل غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام.
وقال محمود إن الإسرائيليين "لا يريدون بالتأكيد إنهاء السلام مع مصر، خاصة في ظل القلق من عودة الحرب في غزة".
وأضاف أن هذا القلق الشعبي في إسرائيل "تجلى في مظاهرات يوم الثلاثاء في تل أبيب لرفض تعليق اتفاق وقف إطلاق النار أو تجميد صفقة تبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس".
وتحدثت تقارير إسرائيلية عن تأثير الأزمة الحالية على اتفاقية السلام بين البلدين، وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن مسؤولين مصريين أوضحوا لإدارة ترامب أن اتفاق السلام مع إسرائيل، "معرض للخطر".
ونقلت عن أحد المسؤولين المصريين قوله إن هذه الرسالة "وصلت إلى البنتاغون، ووزارة الخارجية، وأعضاء الكونغرس الأمريكي". ونقلت عن مسؤول مصري ثانٍ قوله إن الرسالة وصلت أيضا إلى إسرائيل وحلفائها في أوروبا، ومنهم بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.
وقال هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية بمركز العرب، لبي بي سي نيوز عربي: "بدأت مصر تستعد بالفعل للحظة إلغاء، أو على الأقل تعليق، العمل باتفاقية السلام مع إسرائيل، وهناك جيش كامل في سيناء الآن".
وأضاف أن "التحركات المصرية بدأت بزيادة عدد الجنود في سيناء، ونقل أسلحة ثقيلة إليها، وهو ما أثار قلق الإسرائيليين بصورة كبيرة"، على حد وصفه.
وتابع بالقول إن "المخططات الأمريكية الإسرائيلية لن تقف عند حدود غزة".
ويرى الجمل أن هناك أطماعاً أمريكية في المنطقة، مضيفا في تصريحاته لبي بي سي: "يبدو أن طموح ترامب في المنطقة يمتد إلى البحر المتوسط، وقد تكون سيناء مستقبلاً على أجندته، باعتبارها الأكبر مساحة، والأكثر شهرة في عالم السياحة، وما تنعم به من ثروات طبيعية".
وكان المحلل الإسرائيلي ياكوف بيلان، وهو باحث مشارك في مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، قد تساءل عن أسباب "استمرار مصر في زيادة قواتها العسكرية في سيناء".
وقال في تحليل نشره على موقع "جويش نيوز سنديكيت"، إن إسرائيل "وافقت على أن تقوم مصر بإدخال قوات إلى سيناء لمكافحة الإرهاب، لكن اليوم نواجه تشكيلات لقوات عسكرية ضخمة مستعدة للمعركة".
وأضاف أن مصر "أنشأت ثلاثة مطارات؛ واحد منها على الأقل مخصص للطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى تخزين احتياطيات ضخمة من الوقود".
وكشف أيضا عن تشييد مصر "أنفاق تخزين كبيرة في سيناء، للتخزين الاستراتيجي للمعدات العسكرية، ومعابر وأنفاق تمكن التشكيلات العسكرية الكبيرة من الوصول إلى سيناء خلال ساعات قليلة" على حد قوله.