انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر عناصر من الأمن العام السوري يعتدون جسدياً ولفظياً على شخص عابر جنسياً.
ويظهر في الفيديو مجموعة من العناصر وهم يحيطون به، كما يوجهون له الشتائم بينما يُسمع أحدهم وهو يقول: "أخرج قضيبك حتى نقطعه"، قبل أن تبدأ مشاهد الضرب والإهانة.
أثار الفيديو ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ شبّه بعض المستخدمين ما رأوه بأساليب "الشبيحة" خلال الحرب في سوريا. و"الشبيحة" مصطلح سوري يُطلق على رجال الأمن والمجموعات الموالية للنظام السابق، والتي كانت تعتدي على الأشخاص في الشوارع، وتوجّه لهم الإهانات والضرب بدون أي محاسبة.
في حديث مع بي بي سي، تعلّق ليلى قدسي، مديرة منصة "صوتنا" المعنية بالدفاع عن قضايا الفئات المهمشة، وهي نفسها عابرة جنسياً وتقيم في بيروت حالياً، قائلة: "كنت أتوقع أن يحدث تصعيد ضد العابرين والعابرات في سوريا، لأنني عشت هناك ورأيت مواقف مشابهة. كنت أراقب الوضع بقلق، وما حدث مؤسف للغاية. هذه المشاهد ليست فقط انتهاكاً لحقوق شخص في وضعي، بل هي انتهاك بحق الإنسانية بأكملها. كل ما أراه يؤكد أن بلدي لم يعد آمناً لي، ولا يمكنني التفكير حتى في زيارته، وهذا شعور قاسٍ للغاية".
ورداً على من يقولون إن الوقت غير مناسب لمناقشة قضايا العابرين جنسياً بسبب الظروف العامة في سوريا، شدّدت قدسي على أن "كل قضية لها حيزها وتستحق أن نسلط الضوء عليها. لا يمكن تبرير التهميش بحجة وجود أولويات أخرى، فهذا الكلام مرفوض تماماً".
في المقابل، رأى آخرون أن ظهور العابرين جنسياً في الأماكن العامة ليس أمراً شائعاً في سوريا، لكن الجدل يكمن في استخدام العنف بحقهم، وهو ما أثار نقاشاً واسعاً حول دور الأجهزة الأمنية وحدود تدخلها في حياة الأفراد.
في سياق متصل، كشف مصدر أمني في حكومة دمشق لبي بي سي (طلب عدم الكشف عن هويته)، أن الأجهزة الأمنية اعتقلت ثلاثة أشخاص عابرين جنسياً أمس، مؤكداً أن هذه الاعتقالات لم تكن جزءاً من حملة ممنهجة أو شاملة، بل كانت تهدف إلى "إيصال رسالة لهؤلاء الأشخاص بعدم ظهورهم بحُرية مطلقة في المنطقة وإيقاف نشاطهم أمام الناس"، على حد تعبيره.
وأضاف أن الدوريات صادفت العديد من العابرين جنسياً خلال تحركاتها، لكن الاعتقال اقتصر على حالات قليلة بغرض "إرسال رسالة مبطّنة" لباقي العابرين جنسياً لتقييد حركتهم والحدّ من حريتهم التي، حسب قوله، كانوا يتمتعون بها قبل سقوط النظام السابق.
وانتقد البعض تورط عناصر الأمن في قضايا كهذه، معتبرين أن مهمتهم الأساسية هي حماية البلاد، وليس الانخراط في ممارسات تتجاوز سلطتهم القانونية، فيما رأى آخرون أن تصرفات كهذه تضر بسمعة المؤسسة الأمنية وتضعف ثقة الناس بها.
الناشط اللبناني في حقوق الإنسان ومجتمع الميم-عين، ضوميط القزي علّق على الحادثة عبر منصة "أكس" (تويتر سابقاً)، قائلاً إن الاعتداء على الفئات الأضعف في المجتمع "يعكس استمرار أساليب القمع القديمة"، مشيراً إلى أن مثل هذه الاعتداءات "تخلق بيئة أكثر عدائية وتضييقاً على الفئات المهمشة". كما تساءل عن الأسباب التي تدفع بعض العابرين جنسياً إلى العمل في مجالات محفوفة بالمخاطر مثل الدعارة، مشيراً إلى أن رفضهم من قبل المجتمع وإقصاءهم من سوق العمل يدفعهم إلى خيارات محدودة.
وفي السياق نفسه، كتب الناشط السوري فادي عبيد عبر صفحته عن "ثقافة العنف لدى الأجهزة الأمنية"، وضرورة توقفها ووضع حد لها، ويضيف "لا يحق لعنصر الأمن، ضرب المواطن مهما كانت تهمته، ولا يحق لعنصر الأمن إهانة مواطن مهما كانت تهمته".
يُذكر أن القانون السوري يجرّم العلاقات التي يعتبرها "مجامعة على خلاف الطبيعة" وفق المادة 520 من قانون العقوبات لعام 1949 (معدّل بمرسوم تشريعي عام 2011)، والتي تنص على عقوبة بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات، في حين لا يتضمن القانون أي اعتراف رسمي بالعابرين جنسياً أو أي حماية لهم من التمييز.
كما تسلّط هذه الحادثة الضوء على التحديات التي تواجهها الأقليات في سوريا، وسط غياب الإطار القانوني الذي يحمي حقوقهم، واستمرار الممارسات القمعية بحقهم.
أما عن مستقبل مجتمع الميم-عين في سوريا في ظل الحكومة القادمة، فأشارت الناشطة السورية المقيمة في لبنان ليلى مقدسي إلى أن الأمر "مرهون بالمجتمع الدولي والجهات المؤثرة على السلطة الحالية. لا بد من تشريعات تحمي حقوق الإنسان. لكن بالنظر إلى الوضع الحالي، لا أشعر بأي تفاؤل، فالسلطة الحالية لا تختلف عن السابقة".
وقد حاولت بي بي سي التواصل مع مسؤول رسمي للتعليق على هذه الانتهاكات، لكننا لم نتمكن من الحصول على أي رد.