مقديشو- لم يكن توقيع اتفاقية الشركة الإستراتيجية بين مصر والصومال أمرا مفاجئا في الوقت الحالي، بل كان تتويجا لتقارب البلدين القائم على التعاون لمواجهة التحديات المشتركة في ظل تحولات كبرى تشهدها منقطة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
الاتفاقية التي وقع عليها في القاهرة الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود تغطي مجالات متعددة تشمل السياسية والتعاون العسكري والأمني والتعليم والثقافة وبناء القدرات والتعاون القضائي والاقتصادي إلى جانب التعاون في مجال إدارة الانتخابات.
وتوقيع هذه الاتفاقية يرتقي بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية في ظل تقارب حذر بين الصومال وإثيوبيا اتسم بخفض التصعيد السياسي، كما يأتي وفقا لمخرجات المصالحة التي ترعاها تركيا، لكن هذا التقارب يثير تساؤلات عن قراءة أبعاد هذه الشراكة والموقف الإثيوبي منها.
يقول محمد شيخ الصحفي والمحلل في مركز الصومال للدراسات، للجزيرة نت، إن ترفيع مستوى العلاقات إلى شراكة إستراتيجية يعكس مدى رغبة البلدين في تعزيز فرص التعاون في المجالات كافة، بما يسهم في خلق نوع من التنسيق الكامل لتحقيق المصالح المشتركة.
وأضاف المحلل أن هذه الشراكة تستند إلى بناء تكتل ثنائي عربي يضمن رفع مستوى التعاون لمواجهة التحديات المشتركة التي يواجهها البلدان في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
ومن أهم الأبعاد التي تغطي الشراكة الإستراتيجية بين مصر والصومال، وفق محمد شيخ، البعد السياسي والعسكري والاقتصادي:
وتشكل الشراكة الإستراتيجية خطوة مهمة نحو إعادة التوزان في منطقة القرن الأفريقي لمصلحة مصر، وذلك في ظل التنافس الدولي والإقليمي الذي تشهده المنطقة، وفق المحلل محمد أبتدون.
ويرى أبتدون، في حديث للجزيرة نت، أن القاهرة تسعى من خلال الشراكة الإستراتيجية مع الصومال إلى تحقيق وجود سياسي فعال في المنطقة، حيث يعدّ الصومال نقطة محورية في التفاعلات السياسية والأمنية في المنطقة وخاصة من خلال مساهمتها في البعثة الأفريقية لدعم الاستقرار في الصومال "أوصوم".
كذلك تهدف مصر، حسب المتحدث نفسه، إلى لعب دور قيادي في التأثير على صنع القرارات المتعلقة بالمنطقة.
ومن منظور أكثر اتساعا، يرى محمد أبتدون أن توقيع اتفاقية الشراكة يأتي في ظل استشعار مصر للمخاطر الجيوسياسية التي تحدق بأمنها القومي من نهر النيل إلى البحر الأحمر.
هذا الاستشعار دفع إلى تحول علاقاتها مع الصومال إلى شراكة إستراتيجية لرفع مستوى التنسيق لمواجهة التحديات المشتركة وعلى وجه الخصوص لوقف التمدد الإثيوبي في مياه البحر الأحمر، وفق تحليل المتحدث.
وتابع أبتدون أن تحقيق وجود سياسي وعسكري مصري في الصومال قد يسهم في إعادة التوازن في الإقليم ويظهر مصر كحليف يمكن الاعتماد عليه، وأن هذا التوجه قد يضعف الدور الذي لعبته إثيوبيا طوال عقود كشرطي في المنطقة.
من جانبه، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مقديشو عبد الولي سيد، للجزيرة نت، إن توقيع مقديشو الشراكة الإستراتيجية مع القاهرة يأتي ضمن الجهود الصومالية للبحث عن تحالفات إستراتيجية في الإقليم، وذلك بعد التهديد الذي شكلته إثيوبيا لوحدة أراضيها عبر اتفاقية مذكرة التفاهم التي وقعتها مع إقليم صومالي لاند المحلي في مطلع يناير/كانون الثاني 2024.
وأضاف عبد الولي أن الصومال خلال سنوات طويلة كانت مسرحا لتدخلات خارجية من دول المنطقة هددت وحدة أراضيها، فاضطرت إلى تشكيل تحالفات إقليمية من بينها الشراكة مع مصر بهدف إيجاد قوة إقليمية مؤثرة تسهم في إعادة توازن القوى بالمنطقة.
ووفق تحليل الأكاديمي ذاته، سيحقق الصومال من خلال هذه الشراكة تعزيز المناورة السياسية مع الدول المتحالفة معها بهدف إيجاد دعم سياسي متعدد الأطراف لمواجهة التهديدات المحتملة من أطراف المنطقة، كما تهدف إلى ضمان الدعم العسكري استعدادا لما بعد انتهاء مهمة البعثة الأفريقية "أوصوم" وذلك من خلال تدريب الجيش الصومالي وتسليحه.
وبهذه الشراكة بعث البلدان رسائل مزدوجة للأطراف الإقليمية، بحسب عبد الوالي، مفادها أن إعادة الدور المصري إلى المنطقة لا مفر منه، وأن استقرار الصومال جزء لا يتجزأ عن الأمن القومي المصري:
وأوضح سيد أن البلدين استغلا المؤتمر الصحفي المشترك لتوجيه رسائل طمأنة لدول المنطقة، مؤكدين أن الشراكة الإستراتيجية لا تشكل تهديدا لأي دولة وإنما تخدم تحقيق مصالح البلدين.
في المقابل، قال المحلل السياسي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد، للجزيرة نت، إن إثيوبيا ليست قلقة بشأن اتفاق الشراكة بين الصومال ومصر، ما دام الاتفاق يخدم مصلحة البلدين ولا يمس الأمن القومي الإثيوبي.
وأضاف المحلل أن إثيوبيا قد أعربت سابقا عن عدم ممانعتها لتعاون البلدين إذا كان ذلك يعزز استقرارهما ويسهم في استقرار المنطقة بشكل عام.
وأشار المحلل إلى أن دول القرن الأفريقي ومصر في أمسّ الحاجة للتعاون والعمل المشترك لحماية مصالحهما الإقليمية، والتغلب على التحديات والخلافات عبر الحوار والعمل الدبلوماسي المشترك، كما شدد على أهمية إبعاد الصراعات في الإقليم.