تهدئة غزة عشية تنصيب ترامب.. بداية سلام أم هدنة هشة؟

عشية يوم تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، توقفت الحرب المستعرة في قطاع غزة منذ 15 شهرا. ساعات قليلة فصلت بين حفل التنصيب الذي استحوذ على اهتمام العالم واتفاق تهدئة جديد أعاد الهدوء النسبي إلى قطاعٍ أنهكته الكارثة الإنسانية وأصابه الدمار.

ولكن خلف الكواليس، يبدو أن الاتفاق يحمل أبعادا أكبر من مجرد وقف إطلاق النار؛ فهو بمثابة اختبار أول لإدارة ترامب التي تدخل ساحة السياسة الدولية بثقلٍ جديد وطموحات كبيرة.

صفقة اللحظة الأخيرة

لعب ترامب دورا حاسما في اللحظات الأخيرة لإبرام اتفاق التهدئة، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي عماد الدين أديب خلال حديثه لغرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" بقوله: "تولى الرئيس ترامب الحكم لمدة 30 يوما، وتمكن من فرض ضغوط على المنطقة".

وأضاف أديب أن الصفقة، رغم أنها قد تبدو إنقاذا للشعب الفلسطيني، تطرح تساؤلات معقدة، ليس أقلها مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل إدارة تتبنى نهجا تجاريا في السياسة.

ترامب الذي وصفه محلل الشؤون الأميركية في "سكاي نيوز عربية"، موفق حرب بأنه "براغماتي ينظر إلى السياسة من منظور المكاسب والخسائر"، يبدو أنه حاول تحقيق مكسب سياسي مبكر. لكن السؤال يظل: هل يمكن لاتفاق أُبرم تحت ضغوط سياسية أن يصمد أمام تحديات الواقع؟.

اتفاقات التهدئة.. دروس الماضي واحتمالات المستقبل

وأشار موفق حرب إلى أن الاتفاق الجديد يحمل أوجه شبه مع محاولات سابقة، أبرزها في مايو الماضي، والتي فشلت في تحقيق نتائج دائمة بسبب التغير في القيادة الأميركية.

وقال حرب: "ترامب كان له دور كبير في التوصل للاتفاق الحالي، لكن تطبيقه سيواجه عقبات داخلية لدى الفلسطينيين والإسرائيليين".

إسرائيل، التي تعتمد استراتيجيات "الحروب ما بين الحروب"، ترى في الاتفاق فرصة لتقليل خسائرها، لكنها لن تتردد في التحرك إذا شعرت بتهديد. وفي هذا السياق، قال أديب: "لن تسمح إسرائيل بوجود سلاح حمساوي في غزة، وتسعى لتقويض سلطة حماس الإدارية".

الرهان على التحالفات الإقليمية

الاتفاقية لم تكن مجرد وقفٍ للقتال؛ بل تضمنت أبعادًا إقليمية ودولية. المحلل عماد الدين أديب أشار إلى أن نجاح خطة "الشرق الأوسط الجديد" التي تبناها ترامب يعتمد على تحقيق توازن بين رأس المال الخليجي والأفكار الإسرائيلية، مع ضرورة إيجاد مسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.

كما يرى أديب أن "موقف السعودية ودول الخليج سيكون حاسما، حيث يشكل دعمها الاقتصادي والسياسي ركيزة أساسية لأي تسوية". ولكن مع تصاعد المزاج اليميني المتشدد في إسرائيل، تبدو آفاق السلام أكثر تعقيدا، خاصة مع استمرار رفض فكرة الدولتين.

حماس بين ضعف الواقع وبراعة التكيف

رغم الضغوط العسكرية والاقتصادية، تمكنت حماس من الاحتفاظ بمكانتها كقوة سياسية وعسكرية فاعلة في غزة، وأشار أديب إلى أن "حماس، رغم إضعافها، استطاعت السيطرة على المساجد والمدارس وطرق التفكير في القطاع".

وأضاف: "هناك مشروع إقليمي لتحويل الثقافة الوطنية في غزة، لكن القضاء على حماس كعقيدة أو فصيل إسلامي جهادي يظل بعيد المنال".

ترامب ونتنياهو.. تحالف المصالح أم تضارب الأجندات؟

يشير خبراء إلى أن العلاقة بين ترامب ونتنياهو قد تكون عاملًا حاسمًا في تشكيل مستقبل المنطقة. فبينما يسعى نتنياهو لتعزيز دوره السياسي عبر دمج إسرائيل في المنطقة، ينظر ترامب إلى العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية من منظور يخدم مصالحه الدولية.

وقال حرب: "ترامب، رغم كونه محافظًا وله علاقات مع القوى المسيحية الإنجيلية، يتبنى نهجًا براغماتيًا قد ينتقد اليمين الإسرائيلي إذا تعارض مع مصالحه العالمية".

اختبار مبكر لإدارة ترامب

مع دخول التهدئة حيز التنفيذ، يبدو أن إدارة ترامب قد اجتازت اختبارها الأول، لكن التحديات المقبلة لا تزال هائلة. من المتوقع أن تواجه الإدارة ضغوطًا لإثبات جديتها في دفع عملية السلام، خاصة مع شعار "أميركا أولًا" الذي قد يضع الأولويات الداخلية فوق الاعتبارات الدولية.

في هذا السياق، قال أديب: "نجاح ترامب في إقناع إسرائيل بالسلام يصب في مصلحتها على المدى البعيد، لكن ذلك يتطلب موارد دبلوماسية واقتصادية وعسكرية ضخمة".

ما بعد التهدئة.. تساؤلات بلا إجابات

بينما تتنفس غزة الصعداء، تتصاعد التساؤلات بشأن استدامة الاتفاق. هل يمكن لتهدئة فرضتها الظروف السياسية أن تؤدي إلى سلام دائم؟ وكيف ستتعامل إدارة ترامب مع قضايا مثل الاحتلال، وحق الفلسطينيين في إقامة دولة؟

الصفقة، وإن بدت بداية جديدة، تظل محفوفة بالمخاطر. فمع غياب رؤية واضحة ووجود أطراف متشددة على جانبي الصراع، قد يتحول الاتفاق إلى هدنة مؤقتة بدلًا من أن يكون حجر الأساس لسلام دائم.