طهرانـ قبل 3 أيام فقط من عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وقّعت روسيا وإيران أخيرا اتفاقية إستراتيجية شاملة، وهي صفقة كانت قيد الإعداد لعدة أشهر.
وبدا أن هناك تأثيرا متبادلا بين الاتفاقية الإيرانية الروسية الجديدة والمفاوضات الإيرانية مع أوروبا التي أجريت في جنيف الأسبوع الماضي.
ولكن تختلف الاتفاقية الإستراتيجية مع روسيا، التي وقعها الرئيسان فلاديمير بوتين ومسعود بزشكيان أول أمس في موسكو، عن الاتفاق الأمني بين روسيا وكوريا الشمالية، خاصة أن الاتفاق مع إيران لا يُلزم أحد البلدين بالدفاع عن الآخر في حال تعرضه للهجوم، بل يقتصر فقط على عدم تقديم المساعدة العسكرية أو أي دعم آخر للمهاجم.
وقرأ خبراء هذا الأمر على أنه إشارة إيجابية إلى الغرب، مفادها أن إيران لن تكون طرفا في مغامرات حلفائها العسكرية في آسيا وتحديدا روسيا.
وفي المقابل، حسمت إيران مع الأوروبيين تموضع صواريخها الباليستية في المفاوضات المستقبلية مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، رافضة التباحث بشأنها، كما هددت بتغيير العقيدة النووية إذا تم تفعيل آلية الزناد، فضلا عن انسحابها من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، وفقا للارنس نورمان الصحفي في وول ستريت جورنال.
وتأتي هذه الاتفاقية في ضوء ظروف ليست المثلى بالنسبة إلى كل من طهران وموسكو، إذ تترقب طهران عودة ترامب الذي تعرفه بسياسة الضغط الأقصى، وفقدت منذ قليل حليفا جيوسياسيا في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، فضلا عن أن حزب الله اللبناني -الحليف الذي لطالما كان كتلة رعب في شمال عدوها اللدود إسرائيل- ليس بأفضل حالاته، ومن جانب آخر، يتصاعد الحديث عن حل الفصائل المسلحة في العراق، وفق ما صرح به وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.
ومن جانبها، ما زالت موسكو تمضي بحرب بات اسمها "حرب استنزاف" في أدبيات أغلب الخبراء، في إشارة إلى الحرب الروسية في أوكرانيا، ووجهت كييف لإيران اتهامات بتعاون عسكري قدمته لموسكو في تلك الحرب، وتحملت عقوبات بهذا الشأن على الرغم من نفيها جميع الاتهامات.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشاد بالاتفاق الجديد ورحّب بفرصة مناقشة "الشراكة الإستراتيجية" المتنامية، في حين رأى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن العلاقات بين البلدين تنمو "يوما بعد يوم".
وفي ما يتعلق بتأثير أفق العلاقات الإيرانية مع الغرب على الاتفاقية مع روسيا، رأى أستاذ العلوم السياسية مهدي خراطيان أن غياب التعاون الدفاعي بين روسيا وإيران يتعلق إلى حد ما بالعلاقات الإيرانية مع الغرب، ولكن لا يمكن اعتبار هذا الأمر سببا كافيا ووحيدا لذلك.
وفي إشارة إلى الاتفاقية بين روسيا وكوريا الشمالية، أوضح خراطيان للجزيرة نت أن كوريا الشمالية وضعها مختلف عن إيران، إذ إنها تمر بأزمة اقتصادية منهكة، مما يجعلها بحاجة قصوى إلى الدعم الروسي وتقديم تنازلات إلى روسيا، وفي المقابل موسكو -لأنها تمر بحرب استنزافية- تحتاج إلى القوى البشرية الكورية الشمالية.
وفي هذا السياق، ذكر خراطيان أن إيران تنتهج سياسة عدم الانحياز وتوقيعها اتفاق تعاون دفاعي يتنافى تماما مع هذه السياسة.
وعند السؤال عما إذا كانت إيران تنوي استخدام الاتفاقية مع روسيا ورقة ضغط لا سيما في المرحلة القادمة، أردف أستاذ العلوم السياسية أن الفترة الماضية شهدت تغيرات في اللهجة الأوروبية تجاه إيران وأصبحت أكثر حدة، كما أن الأجهزة الأمنية الأوروبية بدأت خلافاتها الجدية مع إيران؛ وهذا يدفع طهران باتجاه روسيا أكثر، مضيفا أن تهديد إيران بتغيير عقيدتها النووية في حال تفعيل آلية الزناد يتطلب دعم قوى عالمية مثل موسكو وبكين.
وختم بالقول إن إيران لن تفاوض بشأن صواريخها الباليستية كونها أحد أهم أركان ردعها، إذ إنها تعلم أن التفاوض بشأن مدى الصواريخ يعني الضوء الأخضر لشن هجوم عسكري على أراضيها.
ومن جانبه، قال الباحث في شؤون الشرق الأوسط محمد بيات إن إيران، بوصفها قوة مستقلة في منطقة غرب آسيا، تتبنى شعار "لا شرقية ولا غربية"، تُولي أهمية كبيرة لموضوع الاستقلال الإستراتيجي وعدم الانحياز في تنظيم علاقاتها مع القوى الكبرى، ولذلك، صرّح بزشكيان بأن إيران تسعى لتوقيع اتفاق إستراتيجي شامل مع الدول الأوروبية.
وبناءً على ذلك، لا يمكن تصنيف الاتفاقية الممتدة لـ20 عاما بين طهران وموسكو على غرار الاتفاقيات التي وقّعتها روسيا مع كوريا الشمالية وروسيا البيضاء، وفق رأي الباحث.
ومن جهة أخرى، قال بيات في حديثه للجزيرة نت إن المحافظين الجدد وعرّابي الحروب في تل أبيب يميلون إلى إدراج إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية ضمن كتلة الأنظمة الاستبدادية، في إطار صياغة خطاب الحرب الباردة الجديدة، بيد أن هذا التصور يختلف بشكل كبير عن الحقائق الميدانية.
وفي ما يتعلق بالملف النووي، رأى أن إيران والغرب يقفان حاليا عند مفترق طرق مصيري وتاريخي، موضحا أن إسرائيل تسعى من جهة إلى تحريض المسؤولين الأميركيين لشنّ هجوم على البنية التحتية النووية الإيرانية، ومن جهة أخرى، تُجرى مفاوضات غير مباشرة بين إيران وأوروبا ومع الإدارة الأميركية الجديدة بهدف تمهيد الطريق لمفاوضات مستقبلية.
وتابع بيات قائلا إنه يبقى أن نرى إذا ما كانت إدارة ترامب ستقع في فخ مشروع الأمننة الإسرائيلي، أم أن الطريق سيُمهَّد لظهور اتفاق نووي جديد، لافتا إلى أن أي خطوة غير محسوبة ضد إيران سيكون لها تأثير كبير على العقيدة الدفاعية والنووية للبلاد.
وخلص الباحث في شؤون الشرق الأوسط إلى أن الإيرانيين لا يسعون لامتلاك قنبلة نووية، إلا إذا أجبرت الولايات المتحدة وإسرائيل حكام طهران على اتخاذ قرار جديد في هذا الشأن.