آخر الأخبار

إسرائيل تغيرت منذ ولاية دونالد ترامب الأخيرة، فهل تغيّر هو؟

شارك الخبر
مصدر الصورة

أحدث دونالد ترامب تأثيراً في الشرق الأوسط حتى قبل أن يجلس في المكتب البيضاوي لبدء ولايته الثانية كرئيس.

استطاع ترامب التغلب على أسلوب المماطلة الذي استخدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتعاون مع شركائه في الائتلاف القومي المتطرف، لتجنب قبول اتفاق وقف إطلاق النار الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن على طاولة المفاوضات في مايو/ أيار الماضي.

يعد الضغط الأمريكي على حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى أمر مسلم به. و تحت إدارة بايدن، كان الضغط على إسرائيل هو الأداة التي لم يتم استخدامها أبداً. يبدأ ترامب ولايته الثانية مدعياً الفضل، مع مبرر منطقي، يتمثل في تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ويمكنه التمتع ببعض من الفخر.

من ناحية أخرى، يواجه نتنياهو أزمة في الائتلاف. ففكرة التوصل إلى صفقة مع حماس تعتبر مرفوضة تماماً بالنسبة للسياسيين القوميين المتطرفين الذين يدعمون حكومته.

من أبرز هؤلاء السياسيين وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، الذي أكد أن حزبه "القوة اليهودية" لن يستمر في دعم الحكومة إلا إذا استؤنفت الحرب، وقطعت جميع المساعدات عن غزة، وتم تدمير حماس. وإذا لم يتم ذلك، فسوف يستقيل.

في المقابل، فإن ذلك لن يكون له أي أهمية بالنسبة لدونالد ترامب. فقد كشفت المساعي من أجل وقف إطلاق النار في غزة أن ترامب سيعطي الأولوية لمصالح رئاسته على المتطلبات السياسية لرئيس وزراء إسرائيل.


* هل يؤثر حكم المحكمة على رئاسة ترامب؟
* " صفقة الرهائن هي أول اختبار حقيقي لترامب" - يديعوت أحرونوت
مصدر الصورة

من جهة أخرى، كان بايدن على استعداد للمخاطرة بأصواته في الولايات المتأرجحة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بسبب تصميمه على دعم إسرائيل، رغم قلقه من الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة وحرمانهم من الغذاء والدواء والرعاية والمأوى والمياه النظيفة.

وعقب فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، ساد الفرح في أوساط اليمين القومي الإسرائيلي، معتقدين أنه سيمنحهم مزيداً من الحرية مقارنة بما منحه بايدن. إلا أن الواقع قد يكون أكثر تعقيداً من ذلك.

إسرائيل التي تركها ترامب خلفه عند مغادرته منصبه في عام 2021 قد لا تكون هي نفسها الدولة التي سيواجهها عندما يعود إلى الرئاسة.

لحظة تقسيم الشاشة

ظهرت أولى العلامات حول كيفية تعامل ترامب مع الشرق الأوسط كرئيس - والاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من ذلك - في يوم صيفي حار خلال العام الثاني من ولايته.

إذا كنت تعيش خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد يكون من السهل أن تنسى أحداث ذلك اليوم – الرابع عشر من مايو/أيار 2018. بعد كل ما شهدته المنطقة من إراقة دماء مروعة منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن الأيام التي أدت إلى تلك الحرب في غزة قد تُنسى بسهولة.

ولكن في عالم يحصل فيه معظم الناس على أخبارهم عبر الإنترنت، تم الإعلان أيضاً عن هذه اللّحظة كلحظة فارقة.

على أحد جوانب شريط الأخبار، كان يظهر الزوجان الأكثر شهرة في إدارة ترامب: الإبنة الأولى إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، الذي شغل أيضاً منصب كبير مستشاري الرئيس. وكانا يشاركان في حفل افتتاح السفارة الأمريكية الجديدة في القدس.

مصدر الصورة

كان نقل السفارة الامريكية من تل أبيب والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من أبرز وعود حملة ترامب الانتخابية، والتي كانت موجهة بشكل خاص إلى المسيحيين الإنجيليين الذين يشكلون جزءاً كبيراً من قاعدته الانتخابية.

بالنسبة للجمهور المتحمس من السياسيين الإسرائيليين والمتبرعين الأمريكيين الأثرياء لدونالد ترامب وإسرائيل، كان حضور إيفانكا وجاريد بمثابة التتويج لحلم طال انتظاره.

وعلى الجانب الآخر من الشاشة، كان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار على غزة لقتل وجرح الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون اختراق السياج الحدودي.

ما أدى لمقتل ما بين خمسين إلى ستين فلسطينياً في ذلك اليوم، وإصابة عدد كبير بجروح خطيرة .

مصدر الصورة

جاء ذلك في حدث أطلقت عليه حركة حماس، اسم "مسيرة العودة الكبرى"، والتي شهدت مشاركة الآلاف.

كانت مجموعات صغيرة، أغلبها من الشبان، تتقدم نحو السلك الشائك. وعلى بعد نحو كيلومتر واحد، كان هناك الآلاف من المتظاهرين السلميين. كانت العائلات تتنزه على الرمال، وصرخوا وهربوا عندما قصفتهم الطائرات الإسرائيلية بدون طيار بالغاز المسيل للدموع.

من المؤكد أن قادة حماس استنتجوا أن الاحتجاجات الجماهيرية لن تكون كافية لاختراق إسرائيل.

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي هجوم أكبر وأكثر تنظيماً فاجأ إسرائيل، تمكنت حماس من اختراق الحدود. قتل عناصرها حوالي 1,200 شخص، أغلبهم من المدنيين الإسرائيليين، وأخذوا 251 آخرين رهائن إلى غزة.

مصدر الصورة

في الحرب التي تلت ذلك، انتقمت إسرائيل بشكل مروع، حيث دمرت معظم أنحاء غزة وقتلت حوالي خمسين ألف شخص، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

في المقابل، تصر إسرائيل على أن هذه الأرقام مبالغ فيها. ومع ذلك، تشير دراسة جديدة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية "لانسيت" إلى أن وزارة الصحة الفلسطينية قد تكون قد أعلنت عن "نسبة وفيات أقل بنسبة 41 في المئة من الرقم الفعلي".

جميع الرؤساء الأمريكيين يدعمون إسرائيل، لكن الدرس الذي استخلصه اليمين الإسرائيلي من جانبهم في الشاشة المنقسمة هو أن دونالد ترامب سيكون متساهلاً بشكل غير عادي.

ترامب المثير للاضطراب

أظهر نقل السفارة أن ترامب كان مستعداً لتحدي الحكمة التقليدية التي كان يراها عائقاً أمام مصالح الولايات المتحدة.

تخلى ترامب عن السياسة التي يتعبها حلفاء إسرائيل الغربيين ومعظم الدول الأخرى، التي كانت تحتفظ بسفاراتها في تل أبيب حتى يتم تحديد الوضع الدائم للقدس من خلال اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

جاء الاحتفال بافتتاح السفارة بعد أسبوع من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، والذي وصفه ترامب بأنه "أحد أسوأ الصفقات وأكثرها انحيازاً التي أبرمتها الولايات المتحدة على الإطلاق".

كان انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني بمثابة خاتمة مميزة لحملة طويلة قادها نتنياهو.

وفي مارس/آذار 2019، ذهب دونالد ترامب خطوة أبعد عندما اعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وهي الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل منذ حرب 1967.

ويختلف هذا الاعتراف بضم إسرائيل للجولان عن الإجماع الغربي منذ الحرب العالمية الثانية الذي يقضي بعدم جواز استيلاء الدول على أراضٍ عبر العمل العسكري.

اتفاقيات إبراهيم الجديدة

في عام 2020، منحت إدارة ترامب جائزة أخرى لإسرائيل. إذ توسط جاريد كوشنر في الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل من جهة وكل من الإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان والبحرين من جهة أخرى. وقد قدمت الولايات المتحدة هذه الدول الأربع بعض الحوافز مقابل تعاونها.

تم إقناع هذه الدول بالتخلي عن المبادرة العربية للسلام التي كانت قائمة منذ فترة طويلة، والتي كانت تعد إسرائيل بالاعتراف الكامل مقابل السماح للفلسطينيين بإقامة دولتهم في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. بالنسبة لإسرائيل، كان ذلك بمثابة هدية مجانية.

كان بايدن، كما كان ترامب في ولايته الأولى، يهدف إلى توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية لتشمل المملكة العربية السعودية. إن اعتراف السعوديين بإسرائيل، بوصفها حامية الحرمين الشريفين وزعيمة العالم الإسلامي السني وأقوى وأغنى دولة عربية، سيكون له تأثير بالغ الأهمية.

في المقابل، سيحصل السعوديون على اتفاق أمني شامل مع الولايات المتحدة، يتضمن مزيداً من صفقات الأسلحة.

ومع أن فرص العمل المربحة لجميع الأطراف تعتبر جزءاً هاماً، إلا أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير.

وكانت الحجة أن ذلك سيساهم في استقرار الشرق الأوسط المضطرب. كما ستكون الصفقة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية وسيلة فعّالة لواشنطن لاحتواء النفوذ الصيني، الذي يشمل اهتماماً متزايداً بالخليج وما يحتويه من نفط وأموال وموقع استراتيجي.

لكن هذا ترك الفلسطينيين في موقف صعب. فقد كان السعوديون هم من وضعوا مبادرة السلام العربية وقدموها في بداية القرن الحالي، ويؤكدون أنهم غير مستعدين للتنازل عن الحقوق الفلسطينية من أجل التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل والولايات المتحدة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومع ذلك، كان هناك اعتقاد لدى حماس وفلسطينيين آخرين أن ذلك كان قد بدأ يحدث بالفعل.

كانت هذه أحدث إشارة على ما اعتقدوه، وكان قد أخبرني زعيم حماس وكبير مفاوضي وقف إطلاق النار خليل الحية في الدوحة في أكتوبر من العام الماضي، إن "القضية الفلسطينية قد تم نسيانها وإزالتها من على الطاولة".

وأضاف أنهم هاجموا إسرائيل قبل 12 شهراً لأن "حقوق الفلسطينيين لم يأخذها أحد بعين الاعتبار".

وأشار إلى أنه "كان من الضروري أن نرفع الصوت في العالم لنقول لهم إن هذا شعب له قضية ولديه مطالب يجب تلبيتها. لقد كانت هذه ضربة لإسرائيل، العدو الصهيوني".

اتهم ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.

ومع ذلك، أوضح السعوديون أنهم لا يزالون مهتمين باتفاق بوساطة أمريكية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. الشرط الذي أعلنه الأمير محمد علناً هو أن ثمن هذا التطبيع هو التقدم الجاد والدائم نحو تحقيق الاستقلال الفلسطيني.

قال مستشار الأمن القومي الجديد لدونالد ترامب، مايك والتز، إن اتفاق السلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية يعد "أولوية كبيرة" للرئيس.

وفي ديسمبر/كانون الأول، صرح والتز بأنه من الضروري "القضاء على هذه المنظمات الإرهابية"، وتحرير الرهائن، والسعي نحو اتفاق مع الرياض.

وأشار والتز إلى أنه لو لم يخسر ترامب انتخابات عام 2020 لصالح بايدن، لكانوا قد أبرموا الصفقة عبر تشكيل جبهة مشتركة ضد إيران، التي تعتبر منافساً للسعودية، بدلاً من "وضع القضية الفلسطينية في المقدمة".

إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط

المشكلة في هذا النهج تكمن في أن المملكة العربية السعودية ربطت تعاونها بشكل علني بحقوق الفلسطينيين.

وقد اتفقت إدارة بايدن على أن مفتاح الوصول إلى صفقة كبرى قد تغير الشرق الأوسط لا يكمن فقط في قبول العالم العربي لإسرائيل، بل في قبول إسرائيل بحقوق الفلسطينيين.

في 14 يناير/كانون الثاني، بينما كان يستعد لترك منصبه،أوضح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، هذا الموقف في خطاب ألقاه أمام المجلس الأطلسي في واشنطن. بلينكن، المعروف بتأييده القوي لإسرائيل، والذي قاطع خطابه في وقت سابق معترضون اتهموه بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وجه انتقادات شديدة لإسرائيل.

وقال: "على الإسرائيليين أن يحددوا نوع العلاقة التي يريدونها مع الفلسطينيين. ولا يمكن أن يستمر هذا الوهم بأن الفلسطينيين سيقبلون بأن يكونوا شعباً بلا حقوق وطنية."

وأضاف بلينكن، "سبعة ملايين يهودي إسرائيلي وحوالي خمسة ملايين فلسطيني متجذرون في نفس الأرض، ولن يذهب أي منهما إلى أي مكان."

وأشار إلى أنه "على الإسرائيليين أن يتخلوا عن الوهم القائل بأنه يمكنهم تنفيذ الضم الفعلي دون أن يتحملوا تكاليف أو عواقب على ديمقراطية إسرائيل ومكانتها وأمنها."

كانت عمليات الضم الفعلي والمجاني هي تحديداً ما يطمح إليه العديد من اليمينيين الإسرائيليين المتشددين، خاصة وأن دونالد ترامب ليس من المؤيدين للفلسطينيين.

لكن حلفاءه الغربيين يأملون أن يكون ترامب أكثر مرونة في المفاوضات مقارنة بجو بايدن – الذي يعتبر نفسه صهيونياً– خاصة إذا كان يهدف إلى انضمام السعوديين إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.

يعتبر السلام في الشرق الأوسط من أعظم المكاسب في الدبلوماسية العالمية، حيث إنه لا يزال بعيد المنال في الوقت الراهن.

ما هو الثمن الذي قد يكون دونالد ترامب مستعداً لقبوله من أجل إبرام صفقة بين السعودية وإسرائيل؟

أطلق الأمير محمد بن سلمان على بلاده اسم "الدولة الفلسطينية"، بينما صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن الفلسطينيين لن يحصلوا أبداً على دولة مستقلة.

من غير المحتمل أن يتمكن دونالد ترامب من إجبار محمد بن سلمان على تغيير موقفه. فالمملكة العربية السعودية تحت حكم محمد بن سلمان ثابتة جداً في هذا الموقف، بالإضافة إلى أن زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض قد تثير قلق الأمريكيين.

إنه وقت الخيارات الصعبة. سيكون لدى الرئيس الأمريكي ترامب الكثير ليفكر فيه عندما يعود إلى البيت الأبيض بعد تنصيبه.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل حماس نتنياهو

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا