في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
روما- أثار إيلون ماسك نقاشات حادة حول دوره كسياسي ومستثمر داعم للتيارات اليمينية في أوروبا، عبر تغريداته على منصته إكس التي تستهدف الشباب خاصة في إيطاليا، ثم مشاريعه التكنولوجية التي تدعمها جورجيا ميلوني زعيمة اليمين ورئيسة الحكومة الإيطالية.
بينما يظهر الحذر لدى حكام ألمانيا ورومانيا من تغريداته. فهل أصبح ماسك محركا رئيسيا لتحولات سياسية واقتصادية في أوروبا؟
"سنصبح تحت رحمة أميركا وكل معطياتنا الشخصية بين أيديهم"، يقول المواطن الإيطالي ماريو في اليوم نفسه (قبل نهاية الأسبوع الماضي) الذي كان يحاول فيه أندريا ستوبا، مستشار ماسك، أن يطمئن الإيطاليين -في تصريح للتلفزيون الحكومي (راي)- بسبب مخاوف بعد الحديث عن اتفاق مرتقب بين شركة ستارلينك للاتصالات المملوكة لماسك مع سلطات روما.
وأكد ستوبا أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق ستحتفظ مؤسسات إيطاليا بالسيطرة الكاملة على البيانات، مع استخدام التكنولوجيا الأميركية لحماية المصالح الوطنية.
تنظر ميلوني بإعجاب إلى ريادة أعمال إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و"سبيس إكس". ففي حوار صادر بداية الشهر الجاري بجريدة "لاكورييري ديلا سيرا" الإيطالية، دافعت عنه وعن صداقتهما.
وأوضحت أن حكومتها أدخلت لوائح جديدة لتنظيم الأنشطة الفضائية الخاصة، وهو القطاع الإستراتيجي الذي رفضت قوى اليسار أن تفتحه ميلوني للخواص. وأكدت في مؤتمرها الصحفي السنوي -قبل أيام- أنها لم تناقش شخصيا مع ماسك مسألة ستارلينك، وأن "المصلحة الوطنية هي المعيار الوحيد في تقييم مثل هذه العقود المحتملة".
وتحدثت مصادر متطابقة عن مفاوضات تجري بين الحكومة الإيطالية وماسك حول عقد محتمل بقيمة 1.5 مليار يورو بشأن استخدام تكنولوجيا ستارلينك، ويهدف إلى توفير اتصالات آمنة عبر الأقمار الصناعية.
تعليقا على ذلك، تقول فرانشيسكا زابينو، الباحثة في العلوم السياسية الدولية، للجزيرة نت "انتقلنا من الاتفاقيات متعددة الأطراف إلى الثنائية. لا يبدو لي أن سيادة الدولة الإيطالية كانت واضحة تماما في مشروع الاتفاق المنتظر مع ماسك. ربما القول إن السيادة تم انتهاكها يعد تعبيرا قويا".
يشار إلى أن شركة ستارلينك تُعد جزءا من أعمال "سبيس إكس" الفضائية التابعة لماسك، وتمتلك 6700 قمر اصطناعي نشط في مدار الأرض المنخفض، وتعتبر قوة متزايدة في قطاع الاتصالات.
يستمد ماسك قوته أيضا من منصته إكس مستثمرا ذلك بشكل متناسب مع تموقعه السياسي الجديد، فزاد من تغريداته الداعمة لتوجهات اليمين الإيطالي منذ تسميته، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ضمن فريق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، انطلاقا من مساندته نائب رئيسة الوزراء الإيطالية اليميني ماتيو سالفيني.
وخاطبه ماسك، في تغريدة له نهاية العام الماضي، قائلا: "برافو" وذلك أثناء محاكمة سالفيني على خلفية قراره بمنع استقبال ورسو سفينة نقل المهاجرين "أوبن أرمس" بالسواحل الإيطالية، عندما كان وزيرا للداخلية ما بين عامي 2018 و2019.
دعم ماسك لسياسة اليمين في قضايا الهجرة بإيطاليا بدا واضحا قبل شهرين، حينما استهدف قضاة الهجرة الإيطاليين في قضية عدم ترخيصهم بترحيل المهاجرين من عرض البحر إلى مراكز الإيواء بألبانيا، حيث غرد قائلا "يجب أن يرحل هؤلاء القضاة"، ثم وصفهم بـ "الديكتاتورية غير المنتخبة التي تتخذ القرارات".
غير أن الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا رد عليه بشكل حازم قائلا "إيطاليا تعرف كيف تهتم بنفسها وفقا لدستورها، ولا أحد من الخارج يمكنه إملاء التعليمات عليها".
وأشادت الباحثة زابينو برد فعل ماتاريلا باعتباره "ضامنا لسيادة البلاد"، وقالت إن تدخلات ماسك "تجعلنا في نهاية المطاف نصبح بشكل متزايد خدما للاقتصاد العالمي، ولأميركا، وللرأسمالية. وفي الوقت نفسه، تتحول الحكومات بشكل أكبر نحو اليمين وتصبح أكثر وطنية".
في ألمانيا، وقبل نهاية الأسبوع الماضي، كانت أليس فالدر القيادية اليمينية، رئيسة "حزب البديل من أجل ألمانيا"، في لقاء مع ماسك الذي دعا إلى التصويت لحزبها. وكان ماسك أعلن في 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عبر منصة إكس، أن هذا الحزب هو "الوحيد القادر على إنقاذ ألمانيا".
وتسبب دعمه لهذا الحزب اليميني في انتقادات واسعة من قبل السياسيين ووسائل الإعلام، من بينها تعليق المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي بثته قناة أورونيوز، والذي قال فيه "الانتخابات الألمانية لن يقررها أصحاب وسائل التواصل الاجتماعي".
وفي التاريخ نفسه قبل نهاية العام الماضي، غرد ماسك منتقدا إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية برومانيا التي كانت لصالح المرشح اليميني كالين جورجيسكو (المقرب من روسيا)، حيث كتب "كيف لقاضٍ أن يلغي الانتخابات ولا يعتبر دكتاتورا؟".
يقول الروماني دابو فيليب تودور، المختص بالتواصل الاجتماعي والوساطة، للجزيرة نت "لنرَ كيف يمكن لشبكة اجتماعية في الوقت الحالي أن تخلق واقعا افتراضيا، حيث يبقى العديد من مواطنينا، للأسف، عالقين".
ويتابع "من وجهة نظري، يجب حماية المواطنين وأن تتم العمليات الانتخابية بأمان لأن قلب الديمقراطية هو التصويت. من دون التصويت، لن نتمكن أبدا من التعبير عن خياراتنا. والخطر الأكبر هو أن تغريدة واحدة، كما نرى، يمكن أن تغير العالم".
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان ماسك قد وجه انتقادات كبيرة للمفوضية الأوروبية، مغردا "هذا غير ديمقراطي. يتعين على برلمان الاتحاد الأوروبي أن يصوت بشكل مباشر على الأمور، وليس التنازل عن السلطة لمفوضيته".
وفي العاشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، التقى رئيس الوزراء المجري اليميني فيكتور أوربان بماسك في فلوريدا. وفي مستهل العام الجديد، غرد ماسك داعما تومي روبنسون الناشط اليميني "المتطرف" في بريطانيا.
وفي تعليق على انتعاشة اليمين الأوروبي أخيرا بدعم من ماسك، قالت الباحثة زابينو "أعتقد أنه خلال السنوات الأخيرة، دخل الاتحاد الأوروبي في أزمة لأسباب مختلفة. الشعبويات والأحزاب اليمينية المتطرفة تهيمن على المشهد في معظم دوله".
وترى أن الولايات المتحدة أيضا بحاجة إلى إيجاد مساحة جديدة في هذا النظام العالمي الجديد، وأن طريقتها لفعل ذلك هي دعم هذه الحكومات اليمينية المتطرفة في أوروبا. أما إيطاليا، تقول الباحثة، فإنها كذلك تحاول البحث عن مكان لها.