آخر الأخبار

4 حكومات في عام واحد ودعوات لاستقالة ماكرون.. فرنسا إلى أين؟

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

شهدت فرنسا في عام 2024 اضطرابات سياسية غير مسبوقة منذ عقود هزت أركان نظامها السياسي وأثارت تساؤلات عميقة بشأن مستقبل الجمهورية الخامسة.

فقد تعاقبت الأحداث بدءا من حل البرلمان، مرورا بإسقاط البرلمان الجديد للحكومة، وصولا إلى تعيين 4 حكومات خلال عام واحد، لتدخل البلاد العام الجديد في ظل أزمة حادة، وسط مطالب باستقالة الرئيس.

وفي خضم هذه التحولات يبقى السؤال المحوري: هل ستتمكن فرنسا من إيجاد مخرج لهذه الأزمة المعقدة، أم أنها مقبلة على فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي؟

ماذا يجري في فرنسا؟

يرسم الكاتب ماثيو باتير صورة قاتمة للوضع السياسي الراهن في فرنسا عبر مقال نشره موقع "ويست فرانس" يصف فيه المشهد بأنه يتسم بحكومة رابعة هشة تترقب نهايتها في أي لحظة مثل سابقاتها.

ويضيف إلى هذه الصورة دولة تعاني من غياب ميزانية معتمدة، ورئيس جمهورية يواجه عزلة سياسية وإهانة غير مسبوقة، هذا الوصف يثير تساؤلا ملحا: كيف تدهورت الأوضاع إلى هذا المستوى الحرج؟

وفي ظل نظام سياسي يعاني من الترهل ووسط إخفاقات سياسية متتالية توجت بصعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية الصيف الماضي اعتقد الرئيس إيمانويل ماكرون أن الحل يكمن في حل البرلمان، لكنه كان قرارا خاطئا باعترافه شخصيا في خطاب رأس السنة قبل أيام.

إعلان

فقد زادت الانتخابات البرلمانية المبكرة الأزمة تعقيدا، وأوجدت 3 أقطاب سياسية (الجبهة الشعبية اليسارية، اليمين المتطرف، حلف ماكرون) لا تجمعها إلا عداوة بعضها البعض، ولا يتمتع أي منها بأغلبية تضمن استقرارا سياسيا، ولكن الأدهى من كل ذلك أنه لا إمكانية دستوريا للعودة إلى الناخبين من جديد إلا بعد مضي سنة على الانتخابات الأخيرة.

الهروب إلى الأمام

فاقم الرئيس ماكرون الأزمة السياسية برفضه تعيين رئيس وزراء من تحالف الجبهة الشعبية الذي حل في الصدارة بأغلبية نسبية، والذي يتزعمه حزب "فرنسا الأبية"، ويضم التحالف أيضا الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وحزب "المدافعون عن البيئة"، ويتهم ماكرون حزب فرنسا الأبية بأنه حزب متطرف ولا يمكنه دخول الحكومة.

وبعد نحو شهرين من الشد والجذب قرر ماكرون اختيار ميشال بارنييه من الحزب الجمهوري الذي لم يحصل إلا على 5 نواب في البرلمان، فشكّل حكومة هشة مرفوضة من الكتلتين الرئيسيتين: الجبهة الشعبية بزعامة فرنسا الأبية، واليمين المتطرف بزعامة التجمع الوطني.

وهكذا ومنذ البداية وعد اليسار واليمين المتطرف بإسقاط الحكومة سريعا، وقد تمكنا من الوفاء بوعدهما يوم الأربعاء 4 ديسمبر/كانون الأول 2024، إذ تم حجب الثقة عن الحكومة لتكون أقصر حكومة عمرا في تاريخ الجمهورية الخامسة.

وعلى الرغم من الأماني التي ظل ماكرون ورئيس حكومته بارنييه يطلقانها بأن المعارضة لن تتمكن من إسقاط الحكومة فإن السقوط كان مدويا ولم يصوّت فقط 289 نائبا الكافية لإسقاط الحكومة، بل صوّت لإسقاطها 330 نائبا من أصل 577 هم كل أعضاء البرلمان الفرنسي.

مصدر الصورة رئيس الوزراء الفرنسي السابق ميشال بارنييه (غيتي)

ويوضح الصحفي الفرنسي ماتياس مارشال في مقال بعنوان "4 أسئلة لفهم الأزمة السياسية في فرنسا" أن من الأسباب التي سرّعت سقوط حكومة بارنييه إعلانه اتباع سياسة التقشف، في وقت تشهد فيه فرنسا عجزا عاما اتسع أكثر من المتوقع خلال العام الماضي (نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ3.5% في منطقة اليورو).

إعلان

كما كان قرار إلغاء ارتباط المعاشات التقاعدية بالتضخم بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير والسبب المباشر الذي وحّد الكتل المعارضة لإسقاط حكومة بارنييه.

ورغم القرار غير المسبوق في تاريخ فرنسا المعاصر بحجب الثقة عن الحكومة فإن الرئيس إيمانويل ماكرون واصل سياسة الهروب إلى الأمام متجاهلا مطالب الكتل البرلمانية الرئيسية، فاختار أحد المقربين منه رئيسا للحكومة، ويتعلق الأمر بفرانسوا بايرو الذي يرأس أحد أحزاب الوسط، وهو حزب الحركة الديمقراطية الفرنسية.

وعُرف بايرو (73 عاما) بترشحه المتكرر للانتخابات الرئاسية، إذ ترشح 4 مرات دون أن يصل إلى الدور الثاني، وبدأ بايرو كسلفه بمغازلة اليمين المتطرف وشكّل حكومة من خلال تدوير العديد من الوزراء والمسؤولين السابقين، مما جعل المراقبين يتوقعون لحكومته المصير نفسه ولو بعد حين.

مصدر الصورة بارنييه يلقي خطابا خلال المناقشة التي تسبق التصويت على حجب الثقة عن إدارته في الجمعية الوطنية (الفرنسية)

هل تصمد الحكومة الجديدة؟

في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي باشرت الحكومة الفرنسية الجديدة مهامها، وبدأت بوادر التقشف منذ الوهلة الأولى في هيكلة الحكومة نفسها، إذ تقلص أعضاؤها إلى 35 وزيرا بدل 42 في الحكومة السابقة التي تم الاحتفاظ بـ19 من أعضائها في الحكومة الجديدة.

وقد صرح رئيس الوزراء فرانسوا بايرو بعد إعلان تشكيلة الحكومة -حسب ما نقله عنه موقع "فرانس 24″ـ أنه وأعضاء فريقه سيقومون بالعمل الذي سيضمن عدم تعرضهم لحجب الثقة، وهو التصريح الذي رد عليه ممثلو الجبهة الشعبية المعارضة بأنه لا يوجد أي سبب يمنع حجب الثقة عن الحكومة الجديدة، ولوحوا بإمكانية التصويت بحجب الثقة عنها بمجرد إعلان السياسة العامة لرئيس الوزراء في 14 يناير/كانون الثاني 2025.

ووصفت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب "فرنسا الأبية" ماتيلد بانو حكومة بايرو بالحكومة المليئة بالأشخاص الذين تم رفضهم في صناديق الاقتراع وساهموا في انحدار فرنسا.

إعلان

ورغم تلويح تحالف الجبهة الشعبية بطرح حجب الثقة عن الحكومة فإن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف -الذي يملك أكبر كتلة حزبية في البرلمان- أشار إلى أنه قد لا يتسرع في اتخاذ قرار بهذا الخصوص، ومع ذلك صرحت زعيمة اليمين مارين لوبان بأن الفرنسيين سيضطرون "قريبا، قريبا جدا، أو في أسوأ الأحوال خلال بضعة أشهر" إلى اختيار ما وصفته بمسار جديد.

وانتقد رئيس حزبها جوردان بارديلا التشكيلة الحكومية بالقول "لحسن الحظ الحماقة لا تقتل" لأن "فرانسوا بايرو جمع ائتلاف الفشل".

ويجمع المراقبون على أن التحدي الأول لحكومة بايرو يتمثل في تمرير ميزانية 2025 عبر البرلمان نفسه الذي أطاح بحكومة سلفه.

وحسب الصحفي ماتياس مارشال، فإنه من بين الخيارات أمام الحكومة الجديدة فيما يتعلق بإشكالية الميزانية المعلقة أن تقرر اعتماد ميزانية مخففة مع تقديم تنازلات لأحزاب المعارضة، أو تسعى إلى تجديد ميزانية عام 2024 بشكل مماثل مع ما يعنيه من تحجيم الإنفاق الحكومي.

مصدر الصورة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو (غيتي)

نظام "بونابرتي" متجاوز

يعد النظام السياسي الفرنسي الحالي امتدادا لنظام الجمهورية الخامسة الذي أسسه الرئيس الفرنسي السابق الجنرال شارل ديغول عام 1958، ويتميز هذا النظام بمنح صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، لكنه يمنح البرلمان أيضا صلاحية إسقاط الحكومة، مما يعني أن عدم التناغم بين الرئيس والبرلمان يؤدي مباشرة إلى أزمات سياسية كما هو حاصل الآن.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بلجيكا الحرة باسكال ديلويت أن نموذج الجمهورية الخامسة عفا عليه الزمن، ففرنسا لم تعد تعيش في عهد ديغول، ولا ينبغي أن يظل نظامها السياسي جامدا رغم تغير الظروف.

ويضيف ديلويت -الذي كان يتحدث ضمن حوار عن الأزمة السياسية في فرنسا نظمته هيئة إذاعة وتلفزيون بلجيكا الفرنسيةـ أن نظام الجمهورية الخامسة أسس على مفهوم بونابرتي لفرنسا يعطي اعتبارا مبالغا فيه لشخص الرئيس، وهو ما أدى مع الوقت إلى إضعاف الأحزاب السياسية التي تحتاج تقويتها وزيادة فاعليتها إلى ديناميكية وحيوية برلمانية تفتقرها فرنسا.

ويرى ديلويت أن إضعاف الأحزاب قاد إلى تشرذم الساحة السياسية، فقد أصبح المشهد السياسي في واقع الأمر مجزأ إلى كتل عدة، ولم يعد مجرد كتلتين (يمين ويسار)، بل إن هناك 3 أقطاب -على الأقل إن لم تكن 4- متباينة المواقف لدرجة لم يعد بإمكان أي منها التحالف مع الآخر.

إعلان

وفي النقاش ذاته، تحدثت آن شارلين بيزينا أستاذة العلوم الدستورية في جامعة روان فأكدت أن النظام الفرنسي الراهن هو عبارة عن جمهورية ديغولية إلى أقصى حد، لكن شارلين ترى أن الأزمة ليست أزمة دستورية بقدر ما هي أزمة ثقافة سياسية أدت إلى إشكالية كبرى تتجسد في غياب التفاهم، سواء بين البرلمان والحكومات المتعاقبة أو بين المكونات السياسية فيما بينها.

وتعتبر الدستورية شارلين أن إشكالية غياب التفاهم تتجلى في بروز ظاهرة جديدة بدأت تنتشر بين الأحزاب، وهي ممارسة العمل السياسي العنيف، أي استخدام الشتائم وسعي كل طرف إلى الإطاحة بالطرف الآخر، وبالتالي فلا مجال في ظل النظام الحالي لأنصاف الحلول ولا للتراضي على تسويات جزئية، وهو ما جعل شارلين تتوقع استمرار الأزمة الحالية، بل وتوالي ما تسميها الانقلابات السياسية.

وفي السياق ذاته، عنونت صحيفة "كورييه إنترناسيونال" الفرنسية تحليلا لها عن الأزمة السياسية في فرنسا بعبارة "هل حانت أخيرا نهاية الجمهورية الخامسة؟"، معتبرة أن نظام الجمهورية الخامسة لا يعمل إلا في ظل أغلبية برلمانية، ومتى ما فقدت تلك الأغلبية دخلت البلاد أزمة سياسية، وهو ما تحولت معه فرنسا إلى "دولة مضطربة".

واعتبرت صحيفة كورييه أنه في ظل أزمة هي الأخطر في تاريخ فرنسا الحديث بات العديد من المراقبين يعتبرون أن فرنسا تنزلق نحو أزمة نظام، وأن نظامها السياسي الحالي لم يعد قابلا للاستمرار.

مصدر الصورة ديلويت: نموذج الجمهورية الخامسة نموذج عفا عليه الزمن إذ إن فرنسا لم تعد تعيش في عهد شارل ديغول (الفرنسية)

مطالب بتغيير النظام

بدوره، اعتبر الباحث السياسي سيمون بارباريت في دراسة نشرها موقع "بيبليك سينا" الفرنسي تزامنا مع إسقاط الحكومة أنه في الوقت الذي تشهد فيه فرنسا أزمة سياسية لا حل لها في الأفق القريب فإن مسألة تغيير النظام أصبحت تُطرح بشكل متزايد، متسائلا: هل تكون الجمهورية السادسة هي العلاج للأزمة الديمقراطية التي تعيشها البلاد؟

إعلان

وتؤكد الدراسة أن إجماعا بدأ يتشكل بين المحامين والمؤرخين مفاده أن سبب ما وصلت إليه فرنسا من أزمات هو ذلك الطابع الرئاسي الطاغي الذي يتسم به نظامها.

وينقل بارباريت عن الأستاذ في جامعة فرساي ومؤلف كتاب "العمل البرلماني في ظل الجمهورية الخامسة" جان بيير كامبي قوله إن "الجمهورية الخامسة قد تعبت"، فلأول مرة تعجز البلاد عن التصديق على ميزانيتها.

وفي الدراسة نفسها، تعتبر أستاذة القانون الدستوري في جامعة باريس ماري آن كوهانديه أن المشكلة الرئيسية اليوم في فرنسا تكمن في اختلال التوازن بين الشرعية والمسؤولية والسلطة.

لكن كوهانديه تعتبر أيضا أن التحول إلى نظام جديد أو جمهورية سادسة مثلا يحتاج نقاشا وتوافقا برلمانيا لا تبدو الطبقة السياسية الحالية مؤهلة لتحقيقه.

من جهته، يؤكد جوليان بونيه أستاذ القانون العام في جامعة مونبلييه أن الصعوبات التي يمر بها النظام الفرنسي خلخلت الثقة في العملية الديمقراطية، إذ بات الناس يشكون في شرعية هذه المؤسسات ومدى تمثيلها للمواطنين، وهي شكوك تطال النظام الديمقراطي الغربي بشكل عام، وليس في فرنسا وحدها.

وحسب الدراسة، يطرح الباحثون خيارات متعددة لتغيير النظام الفرنسي الحالي، منها انتخاب رئيس ونواب له لتتحول البلاد إلى نظام رئاسي تام، ومنها الذهاب إلى نظام برلماني ينتخب فيه رئيس الحكومة من طرف البرلمان مع تمتعه بالصلاحيات التنفيذية الكاملة، مع أن الخيارين قد لا يضمنان استقرارا سياسيا، نظرا لأن معظم الدارسين يعتبرون أن الأزمة هي بالأساس أزمة غياب ثقة، سواء بين الناخبين والمنتخبين أو الفرقاء السياسيين فيما بينهم.

مصدر الصورة الباحثون يطرحون خيارات لتغيير النظام الفرنسي، منها انتخاب رئيس ونواب له لتتحول البلاد إلى نظام رئاسي تام (الفرنسية)

تداعيات اقتصادية قاتمة

وبالإضافة إلى تداعياتها السياسية التي قد تضرب النظام الديمقراطي الغربي في الصميم، يعتبر محللون أن الأزمة السياسية في فرنسا -والتي تتزامن مع أخرى مشابهة في ألمانيا- من شأنها أن تعيق الجهود الرامية إلى معالجة العجز المتزايد في أوروبا وتراجع قدرتها التنافسية.

إعلان

ففي تقرير على موقع "يورونيوز" بعنوان "الأزمات السياسية في فرنسا وألمانيا تزيد تفاقم الصعوبات الاقتصادية الأوروبية"، يعتبر جاك شيكلر أن الفراغ السياسي في فرنسا وألمانيا (الدولتان الأكبر والأكثر نفوذا في الاتحاد الأوروبي) ينذر بصعوبات كبيرة يواجهها الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني أصلا من الركود.

وقد وضع إسقاط حكومة بارنييه بعد عجزها عن تمرير الميزانية السنوية لعام 2025 فرنسا في مأزق اقتصادي حرج، مع أن البلاد تعاني أصلا من عجز قدره 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يمثل أكبر عجز في الميزانية بمنطقة اليورو.

وما دام أنه لا حل سياسيا في الأفق -باعتبار أن الأمل ضعيف في التوافق بين الأقطاب السياسية الثلاثة ولن تكون هناك انتخابات جديدة قبل منتصف العام المقبل- فلن تستطيع الحكومة الجديدة أيا كانت تجاوز الصعوبات الاقتصادية القائمة.

وهكذا فإن من المرجح أن يزداد الوضع الاقتصادي في أوروبا قتامة بسبب الأزمة الفرنسية المستمرة، خصوصا مع التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على السلع الأوروبية، مما يعني أن أوروبا مقبلة على مشاكل سياسية واقتصادية جمة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل حماس أمريكا لبنان

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا