آخر الأخبار

مدونة الأسرة في المغرب: لماذا تُغضِب الرجال والنساء معا؟

شارك الخبر
مصدر الصورة

يشهد المغرب جدلا محتدما منذ الإعلان أواخر الشهر الماضي عن اكتمال النقاشات الموسعة التي أجريت لمراجعة قانون الأحوال الشخصية أو "مدونة الأسرة" التي أشرفت عليها هيئة مكلفة بهذا الأمر، وإبداء المجلس العلمي الأعلى رأيه الشرعي في بعض الأمور المرتبطة بنصوص دينية.

الحكومة أعلنت أنها ستعمل على صياغة مشروع المدونة لعرضه على البرلمان في أقرب وقت، لكن وزير العدل ووزير الأوقاف عرضا المضامين الرئيسية لذلك المشروع الذي تقول الحكومة إنه يهدف إلى إصلاح بعض مواطن الخلل التي ظهرت من خلال التطبيق الفعلي للمدونة التي أُقرت قبل نحو 20 عاما، وتعديل بعض الأمور التي جرى تجاوزها بفعل التطورات التي شهدها المجتمع المغربي منذ ذلك الحين.

وفور الكشف عن بعض تفاصيل التعديلات المقترحة، ثار جدل ما بين من يعترض على بعض البنود ويرى أنها مجحفة للرجل، ومن يرى أنها لم ترفع الظلم عن النساء ولم تحقق لهن المساواة في الحقوق مع الرجال، ومن يراها خطوة مهمة باتجاه جعل منظومة قوانين الأحوال الشخصية مواكبة للعصر الحديث ومتوائمة مع التزامات البلاد بالاتفاقات الحقوقية الدولية. وأضحت المدونة ساحة معركة بين القوى التي توصف بالإصلاحية وتلك التي توصف بالمحافظة.

أبرز التعديلات المقترحة

تشمل التعديلات المُعلن عنها إمكانية إدراج شرط عدم تعدد الزوجات في عقد الزواج، وتقييد التعدد بحالة إصابة الزوجة بالعقم أو مرض يمنع المعاشرة الزوجية، وجعل النيابة الشرعية على الأبناء وتدبير شؤونهم الإدارية والتعليمية مشتركة بين الأب والأم، والإبقاء على الحضانة للأم المطلقة حتى ولو تزوجت، واستثناء بيت الزوجية من التركة لحماية الأرملة كي لا يتم طردها من البيت بعد وفاة الزوج، هذا فضلا عن اعتبار جهودات المرأة في تدبير شؤون المنزل والزوج قيمة تعوض عنها حال وقوع الطلاق.

ولم يوافق المجلس العلمي الأعلى، وهو المؤسسة الدينية الرسمية المعنية بالإفتاء، على اعتبار الخبرة الطبية (تحليل الحامض النووي) سببا من أسباب إلحاق النسب، كذلك استبعد نظام الإرث من المراجعة سواء فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين في الإرث أو إلغاء نظام التعصيب أو الوصية للوارث.


* المغرب على أعتاب "ثورة" مالية رقمية، فكيف سيبدو مستقبل المملكة في إطار مشروع تقنين العملات المشفرة؟
* سؤال عن "العلاقات الرضائية" يعيد الجدل في المغرب
* هل يستعد مجلس النواب العراقي لتشريع زواج الأطفال حقاً؟

تحفظات

مصدر الصورة

تقول الأستاذة سليمة فراجي المحامية والبرلمانية السابقة إن "النقاش المجتمعي لم يستسغ بعض المقتضيات، منها استثناء بيت الزوجية من التركة ". وتضيف فراجي أن هذه النقطة، وإن كانت تهدف إلى حماية الأرملة، فإنها "قد تلحق ضررا بباقي الورثة مثل أبناء الزوج المتوفى من زيجات سابقة أو أبويه إن كانا على قيد الحياة، خصوصا إن كانت التركة هي بيت الزوجية وحده".

وتضيف أن "إبقاء الحضانة للطليقة رغم زواجها وتجاوز المحضون سبع سنوات أثار تعليقا حول عدم وجود المحضون في أمان مع الزوج الجديد للطليقة لأنه ليس مَحرما".

كما اعترض بعضهم على فكرة اقتسام الأموال المكتسبة أثناء فترة الزواج واعتبار أشغال المنزل قيمة تعوض عليها المرأة في حالة الطلاق، إذ يرون أنه من غير المنطقي أن يصبح الشخص شريكا في الأموال بمقتضى عقد الزواج، لكن آخرين دفعوا بأنه ليس من العدل أن تطلق المرأة بعد أن تكون قد أفنت شبابها في بيت الزوجية فتخرج خالية الوفاض بينما يتزوج الرجل بأخرى.

وتقول فراجي إن استبعاد الخبرة الجينية لإثبات النسب "يبتعد عن مستجدات العصر لأن العلم أثبت جدواه، وإنه لا يعقل أن نحرم الطفل الذي ولد خارج مؤسسة الزواج من حقه في النسب"، وهو رأي تشاركها فيه خديجة عناني نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي ترى أن ذلك "يحرم هؤلاء الأطفال من حقوقهم المعنوية والمادية ويشجع الذكور على التملص من تحمل مسؤولية أبنائهم خارج إطار الزواج ويعمل على اختلاط الأنساب".

"ازدواج المرجعية"

لطالما كانت مرجعية القوانين محل جدل في المغرب منذ استقلاله عن فرنسا، حيث يطالب فريق بأن تكون دينية تستند إلى التشريعات الإسلامية، ويرى فريق ثان أنها ينبغي أن تكون وضعية تحاكي منظومات قانونية "تقدمية" في بلدان أخرى. وقد تم التوصل إلى صيغة ترضي إلى حد ما كلا من التيار "الحداثي" والتيار "المحافظ"، حيث تم الاحتفاظ بطابع إسلامي في قضايا الأحوال الشخصية، في حين اعتمدت قوانين وضعية فيما يتعلق بما عداها من قضايا جنائية أو مالية على سبيل المثال.

ومع تعالي الأصوات المطالبة بـ "إصلاح" قوانين الأحوال الشخصية، أدخلت الدولة المغربية بعض التغييرات عليها كان آخرها الشكل الذي صيغت به مدونة الأسرة عام 2004. ورغم أن البعض اعتبر تلك المدونة "تقدمية"، ظلت جماعات حقوقية تطالب بمعالجة ما اعتبرته مواطن خلل مجحفة للمرأة على وجه الخصوص.

وفي عام 2023، وجه الملك محمد السادس رسالة إلى الحكومة يدعوها إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة، مع الالتزام بإجراء مشاورات موسعة مع مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية المتمثلة في المجتمع المدني والباحثين.

شدد وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، في استعراضه للخطوط العريضة للتغييرات المقترحة على المدونة على أن هدفها كان تحقيق توجيهات الملك محمد السادس القائمة على "عدم تحليل الحرام ولا تحريم الحلال"، مؤكدا على أنه تم إعمال الاجتهاد البنّاء في النصوص الشرعية وإعادة قرائتها في ضوء الواقع المتجدد، والحرص على تحقيق مقاصد الإسلام وفي الوقت ذاته مراعاة المرجعية الدستورية والتشريعات الوطنية والتزامات المغرب الدولية.

مصدر الصورة

هذا الإعلان، الذي كرر ما كان الملك قد أعلنه في خطاب العرش عام 2022 عندما قال "بصفتي أمير المؤمنين .. فإنني لن أحل ما حرم الله ولن أحرم ما أحل الله"، وهو ما فسره مراقبون على أنه يعني أن التعديلات لن تحقق كافة تطلعات الحركة الحقوقية التي تطالب بالانفتاح على "المرجعية الحقوقية الكونية" وتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل.

انتقد البعض ما اعتبروه "استنساخ" بعض التغييرات المقترحة من قوانين وضعية في دول أخرى – على سبيل المثال جعل الطلاق الاتفاقي محل تعاقد مباشر بين الزوجين من دون اللجوء إلى القضاء الذي يحاكي التجربة الفرنسية في هذا الشأن، في حين ارتأى حقوقيون أنه من الخطأ تبني مرجعية دينية واحدة تنطوي من وجهة نظرهم على تأويلات منغلقة.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان انتقدت ما اعتبرته "ازدواجية في المرجعية" تصل إلى التضارب في بعض الأحيان، وتنتج قانونا غير منسجم.

تقول خديجة عناني لـ بي بي سي إن "الجمعية ترى أن هناك ازدواجية في المرجعية في قانون الأسرة، إذ توظف الدولة الدين من أجل الإبقاء على تشريع غير متوازن للأسرة..وحفاظ الدولة على رأي علماء الدين في قانون الأسرة يبقي على الكثير من مظاهر التمييز ضد النساء ويضرب في الصميم المصلحة الفضلى للأطفال".

أما المحامية سليمة فراجي فترى أن الازدواج لا يعني بالضرورة التضارب، بل هو "تكامل يعكس خصوصية المغرب، ذلك هو أن الهدف المتوخى هو صياغة نص تشريعي يحترم الثوابت الدينية وفي الوقت نفسه يحقق انسجاما مع التزامات المغرب الحقوقية الدولية".

وتضيف أن مدونة الأسرة المغربية لم تستنسخ تشريعات مماثلة في بلدان أخرى، "لكنها تستفيد من التجارب المقارنة مع الحرص على مراعاة الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية للمغرب".

ما بين "ظلم" الرجل وإعطاء "فتات الحقوق" للمرأة

أذكت التعديلات المقترحة من جديد الصراع بين تيار محافظ يتمسك بما يعتبرها ثوابت دينية واجتماعية للمغرب ويرى في تلك التعديلات ظلما للرجل ويحذر من أنها قد تؤدي إلى تفكك أسري وعزوف عن الزواج، وآخر حقوقي يرى أن التعديلات لا ترقى إلى تطلعاته ويطالب بتغيير ما يعتبرها "ثقافة ذكورية" تقاوم التغيير.

فقد عبر عدد من رجال الدين والأكاديميين عن استيائهم للتغيرات المقترحة التي اعتبروا أنها تهدف إلى "ترضية المعسكر العلماني" على حد تعبير الباحث والأكاديمي، إدريس الكنبوري، وحذروا مما سيكون لها من تبعات جسام على المجتمع.

وتحدث الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، عما وصفه بـ "الاتجاه الرسمي المعتمد وهو التضييق على الرجل"، وحذر من أن التعديلات المقترحة ستأتي بآثار سلبية "على الأسرة والمجتمع، وعلى المرأة بالدرجة الأولى" من خلال "دفع الشباب إلى مزيد من العزوف عن الزواج .. في مقابل التسهيلات والإغراءات المريحة، المتاحة لحياة العزوبة و"العلاقات الحرة".

أهمل Facebook مشاركة
هل تسمح بعرض المحتوى من Facebook؟

تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Facebook. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Facebook وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر "موافقة وإكمال"

Accept and continue
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية

نهاية Facebook مشاركة

المحتوى غير متاح

Facebook اطلع على المزيد فيبي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.

وتساءل بعض مستخدمي مواقع التواصل عن سبب عدم جعل النفقة بعد الطلاق مناصفة بين الرجل والمرأة، ولا سيما إذا كان دخل المرأة يزيد عن دخل الرجل. كما قال آخرون إنهم يرفضون فكرة أن يصير الأطفال، ولا سيما الإناث، في حضانة الأم حتى بعد زواجها لأنهم لا يضمنون أن يكون زوج الأم أمينا على بناتهن.

أما الناشطة الحقوقية، خديجة عناني، فترى أنه رغم بعض التقدم الجزئي في مشروع التعديلات حسب ما أعلن عنه حتى الآن، فإن "إعطاء فتات بعض الحقوق للنساء في هذا القانون يبقى بعيداً عن توفير المساواة بين النساء والرجال، ويجعل الفتيات عرضة للكثير من الهشاشة في حال انفراط عقد الزوجية بالطلاق أو الوفاة".

وتضيف أن ما يقال عن الإبقاء على التعصيب "سيحرم الأسر التي لديها إناث فقط من ضمان حقوقهن ودخول أطراف أخرى في عملية الإرث، رغم أن الظروف تغيرت ولم يعد الذكور من الأعمام وأبنائهم يتحملون مسؤولية الإنفاق على الإناث وليس في القانون ما يلزمهم بذلك".

مصدر الصورة

توترات اجتماعية

الملاحظ من السجالات التي رُصدت في هذا الموضوع هو أن "كل الاهتمامات كانت في اتجاه تقييم من المظلوم أو الضحية ومن المستفيد، في حين أن الأولوية كان يجب أن تتجه نحو عوامل نشأة وبناء أسرة ناجحة متكاملة بعيداً عن منطق المزايدات"، هكذا يقول البروفيسور عادل غزالي أستاذ علم النفس الاجتماعي المغربي في تصريحات لـ بي بي سي.

ويضيف غزالي أن "أغلب الانتقادات أو القراءات من المتخصصين أو العوام لا تستند إلى دراسات نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وبالتالي كان من اللازم تتبع التأثيرات الممكنة لهذه التغييرات بدل التسرع في إعطاء أحكام مسبقة". ويعطي مثالا على ما قيل من أن الرجل المغربي لن يقبل أن تعيش بناته مع زوج الأم: "كل هذا الكلام يدخل في منطق الافتراض، لكن من الواقع المعاش، هناك حالات لمن تخلّوا عن أبنائهم ليحظوا برعاية أفضل في كنف أناس غرباء، فالأهم هو الرعاية وجودة الحياة التي يمكن أن يحظوا بها".

أما الدكتور المصطفى شكدالي، وهو أيضا باحث في علم النفس الاجتماعي، فيقول إن ما نستشفه من التعليقات على المدونة "هو التوترات الحاصلة بشأن الأسرة والمرأة والميراث، وكلٌ يعبر انطلاقا من أيديولوجيته ومواقفه المشحونة بأفكار مسبقة".

ويشدد على أهمية أن تُسَن أي قوانين جديدة بناء على دراسة الواقع المغربي المتغير.

"أفضل المشرعين القانونيين ليسوا من يخلقون القوانين، بل من يحاولون أن يشرعنوا ما وصل إليه الواقع الذي نعيشه في المجتمع..طالما أنه ليست هناك دراسات ميدانية عميقة جدا تذهب بنا إلى اكتشاف كنه التحولات الاجتماعية، فإن أي مدونة تكتب في قاعات مكيفة سيكون مصيرها اللغط والصراعات المختلفة والمواقف الفردية التي تحاول فرض أمر واقع انطلاقا من فكرها أو أيديولوجيتها، حتى بالنسبة لمن يصفون أنفسهم بالحداثيين".

ويرى شكدالي أن الأسرة المغربية تعيش حاليا في حالة من التفكك والتنافر، وأنها في أمس الحاجة إلى الترابط بين أفرادها.

"في الخطابات التي نسمعها يتم الحديث إما عن الأطفال أو عن المرأة وحقوقها، ونناقشها من منطق تنافري صراعي، والأسرة ليست بحاجة إلى صراع، بل إلى بناء وتماسك وتفاهم ووئام بين أفرادها".

ربما عكست الاستقطابات حول مدونة الأسرى حالة من التوتر في المجتمع المغربي، ولكنها عكست كذلك مدى أهميتها لمختلف أطياف ذلك المجتمع. ولربما كان الإعلان عن الخطوط العريضة وعدم نشر الحكومة لمشروع القانون بعد بمثابة بالونة اختبار لاستطلاع ما يمكن أن يتقبله المجتمع، وما لا يمكن أن يتقبله، وفي الوقت نفسه طمأنة المتوجسين من التغيير بأن سقف ذلك التغيير لن يكون عاليا. ويتوقع محللون أن تكون المدونة بصورتها الجديدة كسابقتها - توافقية ومرضية لجميع الأطراف إلى حد كبير.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل سوريا أمريكا لبنان

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا