في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في خطوة لافتة، نشرت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- تسجيلا جديدا لأسيرة إسرائيلية، اختارت هذه المرة أن تكون مجندة في الخدمة الفعلية بدلا من المدنيين الذين ظهروا في إصداراتها السابقة.
ويطرح هذا الاختيار تساؤلات عن الرسائل السياسية التي تحاول المقاومة الفلسطينية إيصالها، خاصة في ظل تزامن النشر مع استئناف المفاوضات في الدوحة، وتصاعد الضغوط الشعبية في إسرائيل للتوصل إلى صفقة تبادل الأسرى.
وكانت كتائب القسام قد نشرت مقطع فيديو للمجندة الإسرائيلية ليري ألباج، الأسيرة في غزة منذ أكثر من 450 يوما، التي ظهرت فيه مرتدية زيا يشبه الزي العسكري الإسرائيلي، موجهة رسالة عبرت فيها عن معاناة الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة وشعورهم بأن العالم بدأ ينساهم.
ويرى الكاتب والباحث السياسي ساري عرابي أن نشر الفيديو يحمل أبعادا متعددة تبدأ من اختيار التوقيت المدروس، حيث تم البث يوم السبت لاستهداف المجتمع الإسرائيلي في يوم عطلته الأسبوعية، مما يتيح فرصة أكبر للمشاهدة والتفاعل في الشارع الإسرائيلي.
ويضيف أن هذا التوقيت يتزامن مع جولة المفاوضات الجارية في الدوحة، في إطار إستراتيجية إعلامية متكاملة.
ويلفت عرابي إلى أن ظهور المجندة بالزي العسكري كان مقصودا، مشيرا إلى رمزية اختيار فتاة في الـ19 من عمرها، كانت في الـ18 حين أُسرت، مما يجعلها نموذجا للشباب الإسرائيليين في طور الخدمة الإجبارية.
كما يكشف عن البعد العسكري في الفيديو من خلال ربطه بالعمليات الإسرائيلية في غزة، حيث أشارت المجندة إلى تعرضها وزميلتها لخطر حقيقي بسبب القصف الإسرائيلي.
ويشير الباحث إلى أن الرسالة جاءت مزدوجة من حيث المخاطَب، فهي من جهة توجه مسؤولية مباشرة إلى وزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي يبدو أنه يعرف والدها، ومن جهة أخرى تحمّل نتنياهو والحكومة وجيش الاحتلال المسؤولية عن مصير الأسرى.
كما يلفت عرابي إلى وجود "متكلم ضمني" في الشريط يتمثل في زميلة المجندة المصابة بجروح خطيرة، حيث أكدت الأسيرة أن فرصة إنقاذها تتضاءل باستمرار بسبب خطورة إصابتها والظروف الصعبة في قطاع غزة.
ويقدم الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى قراءة متعددة المستويات لتأثير الفيديو، إذ يبدأ بما يصفه بالمستوى "البسيط والأساسي" المتمثل في تأكيد أن الأسيرة على قيد الحياة.
ويشير إلى أن هذه الحقيقة البسيطة تكتسب أهمية استثنائية لدى العائلة والمجتمع الإسرائيلي في ظل حالة الشك السائدة حول مصير الأسرى لدى حماس والفصائل الفلسطينية.
ويرصد مصطفى تحولا لافتا في تعامل الإعلام الإسرائيلي مع فيديوهات الأسرى، حيث أصبح هناك تفاعل سريع وواسع مع هذه المواد، بعد أن كانت وسائل الإعلام تمتنع عن بثها في السابق.
ويعزو هذا التحول إلى وجود تأييد متزايد في المجتمع الإسرائيلي للذهاب نحو صفقة تبادل أسرى، مستشهدا بسرعة تداول خبر الفيديو في وسائل الإعلام الإسرائيلية المركزية.
ويلفت الخبير إلى خصوصية هذا الفيديو، مشيرا إلى أنها على الأرجح المرة الأولى التي تبث فيها كتائب القسام فيديو لمجندة إسرائيلية في هذا العمر.
ويرى أن تأثير ظهور شابة في الـ19 من عمرها يفوق تأثير كل الفيديوهات السابقة، خاصة في ظل السردية السائدة في المجتمع الإسرائيلي عن "الخطر الحقيقي" على النساء الإسرائيليات في غزة.
ويضيف مصطفى بُعدا آخر يتعلق بكون المجندة تنتمي إلى فئة المجندات اللواتي عملن في المراصد العسكرية حول غزة، وهي فئة تحظى بمكانة خاصة في المجتمع الإسرائيلي.
ويختتم تحليله بملاحظة لافتة عن كون هذا الفيديو يتضمن، للمرة الأولى، توجيه اتهام مباشر للجيش الإسرائيلي إلى جانب الحكومة، في إشارة إلى ما يصفه بـ"تواطؤ" المؤسسة العسكرية مع الحكومة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة.
بدروه، يرى الباحث السياسي سعيد زياد أن الفيديو الأخير يمثل نقلة نوعية من حيث الإنتاج والإخراج مقارنة بالفيديوهات السابقة للأسرى الإسرائيليين منذ بداية الحرب.
ويشير إلى التفاصيل التقنية في التصوير، خاصة مشهد النفق الذي تم تصويره باحترافية عالية، مما يعكس عناية خاصة في إخراج المشهد لإيصال رسائل محددة في هذا التوقيت.
ويكشف زياد عن أبعاد أخرى في الفيديو تتعلق بالإشارة إلى وجود مجندة جريحة في حالة خطيرة، مما يضع المفاوضات في إطار زمني حرج، فإما التوصل إلى صفقة سريعة لإنقاذ حياتها، أو انهيار المفاوضات مع ما قد يتبع ذلك من إعلان وفاتها.
ويربط الباحث السياسي ذلك بإعلان سابق للقسام عن إصابة مجندتين في قصف إسرائيلي، وفشل محاولة إنقاذ إحداهما.
ويشير زياد إلى التمايز الواضح بين هذا الفيديو وسلسلة الفيديوهات السابقة التي شملت كبار السن والأطفال وجنود الاحتياط، معتبرا أن استخدام مجندة في الخدمة الفعلية في هذا التوقيت يمثل تصعيدا محسوبا في الخطاب الإعلامي للمقاومة، خاصة مع التركيز على معاناتها النفسية وتأثير ذلك على المدى البعيد.
وعقب نشر القسام لرسالة الأسيرة، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن والدتها قولها "نحتاج لأفعال من (بنيامين) نتنياهو وحكومته لاتخاذ قرار بإعادة الأسرى"، في حين اعتبرت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين، أن إشارة الحياة من ليري ألباج دليل قوي على ضرورة الاستعجال بإعادة كل الأسرى من قطاع غزة.
وكانت كتائب القسام بثت منذ نحو شهر تسجيلا للأسير الإسرائيلي متان تسانجاوكر، وجّه فيه انتقادات حادة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وحمّله مسؤولية استمرار احتجاز الأسرى في غزة، كما تحدث عن ظروف احتجازه.
وسبق ذلك بأيام إعلان حركة حماس مقتل 33 أسيرا إسرائيليا كانوا محتجزين لديها، إذ قضى معظمهم بقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي على مناطق مختلفة من قطاع غزة منذ بدء العدوان في أكتوبر/تشرين الأول 2023.