تشهد سوريا في الآونة الأخيرة حراكا دبلوماسيا متسارعاً يعكس محاولات جدية لإعادة صياغة المشهد السياسي الداخلي والخارجي.
زيارة وزير الخارجية السوري برفقة وزير الدفاع ومدير المخابرات إلى الرياض تأتي في سياق سياسة جديدة تعكس تحولاً نوعياً في توجهات الحكومة السورية، وسط تساؤلات حول الأهداف الفعلية لهذه الزيارة.
وتعتبر الزيارة إلى السعودية تطورا لافتا بالنظر إلى العلاقات التاريخية بين البلدين والتي تأثرت بشكل كبير خلال العقد الماضي.
وفقا للكاتب والباحث السياسي مؤيد غزلان قبلاوي، فإن هذه الزيارة تأتي في إطار سياسة "جس النبض" التي تعتمدها الحكومة السورية، واصفاً إياها بأنها "تاريخية"، حيث تعكس أهمية السعودية كداعم رئيسي لسوريا في مرحلة ما بعد الحرب.
ويرى قبلاوي خلال حديثة لسكاي نيوز عربية أن رؤية السعودية ترتكز على التعاون العربي لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، مؤكداً على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة في سوريا وتهيئة الأرضية لحوار وطني شامل يضمن وحدة البلاد.
وأضاف أن السعودية أبدت استعداداً عملياً لدعم سوريا من خلال مساعدات إنسانية واقتصادية، مما يعكس تحولاً في استراتيجيتها تجاه دمشق.
التحديات الداخلية والخارجية
من ناحية أخرى، يشير العميد تركي الحسن، الخبير العسكري والاستراتيجي، إلى أن الحكومة السورية تواجه تحديات معقدة على المستويين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي، تبرز قضايا مثل التحديات الأمنية، إعادة هيكلة السلطة، ودمج الفصائل المسلحة ضمن إطار قانوني ودستوري جديد.
ويؤكد الحسن أن نجاح الحوار الوطني يتطلب مشاركة جميع المكونات السورية دون استثناء.
أما على المستوى الخارجي، فتتسم المرحلة بوجود تعقيدات مرتبطة بالعقوبات الاقتصادية الغربية، مثل قانون قيصر، الذي أثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري.
ويرى الحسن أن هناك حاجة لرفع العقوبات تدريجياً، مع الحفاظ على سيادة الدولة السورية، مؤكداً على أهمية الدعم العربي في هذا الإطار.
الرؤية الأميركية والدور الإقليمي
في سياق آخر، يشير الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات حسين عبد الحسين إلى أن السياسة الأميركية تجاه سوريا لا تزال مترددة، مع تركيزها على أهداف مرحلية مثل مكافحة تنظيم داعش وضمان استقرار المناطق الحدودية.
ويضيف عبد الحسين أن التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا يزيد من تعقيد المشهد، خصوصاً فيما يتعلق بالدعم الأميركي للمجموعات الكردية التي تعتبرها أنقرة تهديداً أمنياً.
ويبرز عبد الحسين أهمية القرار الأممي 2254 كإطار شامل لحل الأزمة السورية، مشيراً إلى أن نجاح الحكومة الانتقالية في كسب الشرعية الدولية يعتمد على قدرتها على تطبيق هذا القرار، خصوصاً فيما يتعلق بصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات شفافة تعكس إرادة الشعب السوري.
الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية
على الصعيد الاقتصادي، يوضح قبلاوي أن إعادة الإعمار لا تزال ملفاً شائكاً، في ظل غياب رؤية واضحة للدعم الدولي.
ويشير إلى أن الدول الغربية تركز حالياً على أوكرانيا، بينما يتطلب الوضع في سوريا اهتماماً موازياً.
أما من الناحية الاجتماعية، فيشدد الحسن على أهمية تعزيز الوحدة الوطنية كأولوية قصوى، مع احترام التنوع الثقافي واللغوي.
ويضيف أن الحكومة الحالية بحاجة إلى بناء جسور الثقة مع الشعب السوري لضمان تحقيق الاستقرار الداخلي.
آفاق المستقبل
تشير التطورات الأخيرة إلى إمكانية تحقيق تقدم في مسار الحل السياسي، خصوصاً مع الدعم العربي المتزايد. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه الجهود مرهوناً بقدرة الحكومة السورية على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية.