شهدت آراء ومعتقدات طالب عبد المحسن، الطبيب السعودي المشتبه به في هجوم على سوق ألماني يوم الجمعة الماضي، تحولاً جذرياً بشأن ألمانيا، حيث كشف تحليل لبي بي سي لمنشورات تحمل اسمه على إكس (تويتر سابقاً) تغيّراً ملحوظاً في انطباعاته عن البلاد.
قام فريق بي بي سي عربي لتقصي الحقائق بتحليل أكثر من 1200 منشور على حساب منسوب لعبد المحسن باللغات العربية والإنجليزية والألمانية التي تذكر "ألمانيا".
كشف التحليل لحسابه على موقع إكس، والذي يحتوي على أكثر من 120 ألف منشور بين عامي 2016 و2024، عن تغير واضح في موقفه تجاه ألمانيا. فقد انتقل من الإشادة بها واعتبارها نموذجاً للتقدم، إلى انتقادها بشدة واتهامها بالفساد المنهجي ودعم الإسلام المتطرف.
وقد أسفر الهجوم على سوق عيد الميلاد بمدينة ماغديبورغ الألمانية عن مقتل خمسة أشخاص، من بينهم طفل يبلغ من العمر تسع سنوات، وإصابة أكثر من 200 آخرين، العديد منهم في حالة حرجة.
وأمر قاضٍ بوضع رجل يبلغ من العمر 50 عاماً في الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق، بعد أن اعتُقل للاشتباه في تنفيذه الهجوم. ولا تزال دوافع الهجوم قيد التحقيق، لكن السلطات ترجح أنه تصرّف بمفرده.
وصرح مسؤولون بأن شخصية عبد المحسن تختلف عن النمط المعتاد للأشخاص الذين ينفذون مثل هذه الهجمات، حيث إن الهجوم لم يكن الأول بل تعرضت أسواق عيد الميلاد والمهرجانات في ألمانيا سابقاً لهجمات، أغلبها من قبل مسلمين متطرفين.
ووصل عبد المحسن إلى ألمانيا عام 2006، وتم منحه حق اللجوء في عام 2016.
وهو طبيب نفسي يبلغ من العمر 50 عاماً، ويقيم في مدينة بيرنبورغ التي تقع على بعد حوالي 40 كيلومتراً جنوب ماغديبورغ.
ووصفت آراء عبد المحسن، الذي كان يدير موقعاً إلكترونياً لمساعدة المسلمين السابقين، بـ "المعادية للإسلام".
خلال عامي 2016 و2017، كتب عبد المحسن أكثر من 400 منشور عن ألمانيا، مشيداً بها كنموذج رائد في حماية الحقوق المدنية. وأشار إلى كفاءة نظام اللجوء، وقوة أنظمة الرعاية الاجتماعية، وشمولية الرعاية الصحية، كما أثنى على إدارتها لقضايا حقوق الإنسان وجهودها المتميزة في دمج اللاجئين.
غرد على سبيل المثال في ديسمبر/ كانون الأول عام 2016: "التأمين الصحي في ألمانيا يُمنح مجاناً لغير القادرين على شرائه.. لا تنس أن النظام الألماني اشتراكي".
وقال في منشور آخر في عام 2017: "العبارات الشائعة في ألمانيا مثل 'طاب صباحك'، 'طاب نهارك'، 'طاب مساؤك'، 'تبهجني عودتك'، متوازية مع الفن المعاصر".
بحلول عام 2018، أصبحت نبرة العبد المحسن أكثر توازناً، وفقاً لتحليلنا لـ 140 منشوراً ذكر فيها عبد المحسن "ألمانيا"خلال تلك الفترة.
رغم استمراره في الإشادة بسياسات ألمانيا تجاه اللاجئين، بدأت تغريداته تشير إلى العقبات البيروقراطية وصعوبات الاندماج المجتمعي، حسب وجهة نظره.
كما وجّه عبد المحسن انتقادات لسياسات ميركل حيث بدأ بترويج نظريات مؤامرة تزعم وجود مخطط من السلطات الألمانية لنشر الإسلام في البلاد.
فنشر في عام 2019: "تكذب أنجيلا ميركل إذا قالت بأنها تحمي المسلمين من العنف عبر الزعم بأن الإسلام صار جزءاً من ألمانيا، بل هي بذلك تستفز الإرهاب ليهاجمهم ثم تكسب أصواتاً انتخابية".
وشكّل كوفيد-19 نقطة تحول كبيرة بالنسبة لعبد المحسن، إذ انتقد تعامل ألمانيا مع الأزمة الصحية، مشيراً حسب رأيه إلى أوجه القصور وعدم الكفاءة في استجابتها، ووفق تحليل أجريناه لـ 150 منشوراً له خلال عامي 2020 و2021، تحولت نبرته المتفائلة إلى نبرة يغلب عليها السخط والإحباط.
شجع عبد المحسن في تغريدة في مارس/آذار 2020 السعودين المتواجدين في ألمانيا بالعودة إلى بلدهم بسبب تفشي كوفيد-19، مضيفا: "الكل يعتبر الوضع خرج عن السيطرة بألمانيا".
وتعرضت سياسات ميركل للمزيد من الانتقادات والتساؤلات، أهمها سياسات اللجوء الخاصة بها، معتبراً أن ميركل ساهمت في زيادة الانقسامات المجتمعية.
واتهم عبد المحسن الشرطة الألمانية بالتقاعس عن حماية اللاجئات السعوديات، بعد أن زعم في سلسلة من المنشورات خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وجود رجل مقيم في ألمانيا يستهدف المتقدمات بطلبات لجوء في عمليات احتيال مالي.
ادعى عبدالمحسن أنه اتصل بخدمات الطوارئ حوالي 20 مرة، معبّراً عن إحباطه بسبب عدم تعاون السلطات معه.
تصاعدت انتقادات عبد المحسن بشكل ملحوظ بحلول عام 2023، وأصبحت منشوراته حول ألمانيا أكثر حدة، حيث ركزت بشكل رئيسي على سياسات الهجرة، ما عكس خيبة أمل متزايدة في قدرة ألمانيا على الحفاظ على مبادئها التقدمية.
كما قام بإعادة نشر محتوى يسلط الضوء على المخاوف المتعلقة بالتطرف الإسلامي.
بلغت نبرة عبد المحسن الساخطة ذروتها عام 2024 كما ظهر في تحليلنا لـ 190 منشوراً ذكر فيها "ألمانيا".
ووجه اتهامات عبر منشوراته للسلطات الألمانية بالفساد والإساءة المنهجية، مدعياً أنها ارتكبت جرائم ضد اللاجئين السعوديين.
وتحول خطابه على الإنترنت إلى تهديد صريح، قائلاً إن "أرادت ألمانيا حرباً فنحن لها، إن أرادت ألمانيا أن تقتلنا فسوف نذبحهم أو نموت أو ندخل السجن بكل فخر".
وأضاف في المنشور ذاته في 13 أغسطس/ آب: "استنفدنا كل الوسائل السلمية… فالسلم لا ينفع معهم".
وتساءل في تغريدة لاحقة من نفس الشهر: "هل هناك طريق للعدالة في ألمانيا من دون أن تفجر سفارة ألمانية أو تذبح مواطنين ألمان عشوائياً؟".
في تمام الساعة 19:02 مساء الجمعة (18:02 بتوقيت غرينتش)، ورد أول بلاغ لخدمات الطوارئ يفيد بأن سيارة قد اقتحمت حشداً في سوق عيد الميلاد بوسط مدينة ماغديبورغ.
أفاد المتصل أن سيارة اصطدمت بحشد من الناس في سوق عيد الميلاد وسط المدينة.
وأكدت الشرطة أن الحادث بأكمله انتهى في غضون ثلاث دقائق.