تعهد رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، فرانسوا بايرو، بتقليص عجز ميزانية البلاد بشكل حاد ليصل إلى حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي خطة تهدد بتكرار المواجهة التي أطاحت بالحكومة السابقة.
وسيعرض بايرو، الذي قدم حكومته الجديدة يوم الاثنين، أجندته السياسية الجديدة على البرلمان في 14 يناير/كانون الثاني، ووعد بإعداد ميزانية لعام 2025 بحلول منتصف فبراير/شباط.
ويعني مجلس النواب الفرنسي المنقسم أن الحكومة الجديدة، التي تتكون في الغالب من الوسطيين، ستحتاج إلى تهدئة المشرعين المعارضين من مختلف التيارات السياسية. وهناك مؤشرات مبكرة على أن الأحزاب الرئيسية ليست راضية عن تشكيل الحكومة الجديدة أو توجهاتها، مما يثير احتمال مواجهة اقتراح جديد بحجب الثقة، وفقاً لما نقلته "بلومبرغ" واطلعت عليه "العربية Business".
وصف جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الإدارة الجديدة بأنها "تحالف الفشل". فيما يرى أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، أن تشكيل الحكومة الجديدة يمثل "استفزازاً".
تشهد فرنسا اضطرابات سياسية منذ يونيو/حزيران، عندما حل الرئيس إيمانويل ماكرون الجمعية الوطنية ودعا إلى انتخابات مبكرة. وأسفرت الانتخابات عن مجلس نواب منقسم إلى ثلاثة كتل متصارعة: تحالف الجبهة الشعبية اليساري، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، ومجموعة أصغر من الوسطيين الداعمين للرئيس. وانضم أول كتلتين للإطاحة برئيس الوزراء ميشيل بارنييه في أوائل ديسمبر/كانون الأول.
وجدير بالذكر أن فرنسا كانت دائماً خارج الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي التي تتطلب أن يكون الدين العام أقل من 60% من الناتج المحلي الإجمالي والعجز أقل من 3%. وستحتاج ميزانية العام المقبل إلى معالجة العجز الحالي في فرنسا، الذي ارتفع إلى 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
قام بايرو بتعيين حكومة جديدة تضم شخصيات بارزة ومخضرمة لمحاولة تنفيذ تقليص عاجل للعجز في الميزانية، وهو ما أدى إلى إطاحة سلفه. وشملت تعييناته إعادة اثنين من رؤساء الوزراء السابقين إلى الحكومة، واختيار إريك لومبارد، المحترف المالي المخضرم ذو العلاقات اليسارية لإدارة وزارة المالية.
سيكون العثور على دعم لميزانية 2025 أمراً صعباً في الجمعية الوطنية، إذ أظهر نواب ماكرون في الأقلية والقوى المعارضة رغبة ضئيلة في التوافق. وبسبب عدم وجود قانون ميزانية لعام 2025 حتى الآن، ستكون الدولة معتمدة ابتداءً من يناير/كانون الثاني على تشريعات طارئة دخلت حيز التنفيذ السبت وتسمح فقط بالإنفاق الأساسي.
أثارت الصعوبات السياسية والمالية في فرنسا موجة بيعية للسندات الحكومية في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض مقارنة بنظرائها الأوروبيين. وأغلق الفارق بين العائدات على السندات الحكومية الفرنسية والألمانية لأجل 10 سنوات عند 81 نقطة أساس يوم الاثنين، وهو أعلى مستوى منذ 4 ديسمبر/كانون الأول.
وعلى الرغم من أن الهدف الخاص بالعجز قد يكون مشابهاً لما سعت إليه الحكومة السابقة، أشار بايرو إلى أن آثار ميزانية حكومته، لا سيما على الشركات، ستكون مختلفة.
وقال بايرو: "أنا مع حماية الشركات. لا أقول إنه لا يمكننا العثور على بعض الجهود قصيرة الأجل، لكن أعتقد أنه من الضروري للجميع أن يعرفوا أين يكمن الكنز الوطني. الكنز الوطني هو الشركات. فهي التي تخلق الثروة وتوفر الوظائف."
وأشار لومبارد إلى تغيير طفيف في النهج تجاه الميزانية مقارنة بمقترح بارنييه الذي شمل 60 مليار يورو (62.4 مليار دولار) من الضرائب وتخفيضات الإنفاق – وهو تعديل كبير بشكل غير معتاد بالنسبة لفرنسا.
وقال لومبارد في حفل تسليم المهام في وزارة المالية مساء الاثنين: "علينا تقليل العجز دون قتل النمو. هذا هو التوازن الذي يجب أن نسعى إليه، وهو الهدف من ميزانية 2025."
وفي وقت سابق من هذا الشهر، خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لفرنسا في تعديل غير مجدول، محذرة من أن الأوضاع المالية للبلاد ستضعف خلال السنوات المقبلة وأن هناك احتمالاً ضئيلاً بأن تتمكن الحكومة القادمة من تقليل حجم العجز المالي بشكل مستدام بعد العام المقبل.
ويبلغ لومبارد 66 عاماً ويتمتع بخبرة طويلة في مجال المالية، وكان في الآونة الأخيرة الرئيس التنفيذي لمجموعة " Caisse des Depots"، وهي مؤسسة مالية عمرها قرنان وتخضع لإشراف البرلمان.
وقضى لومبارد معظم مسيرته المهنية السابقة في القطاع المالي، مع فترات في "بي إن بي باريبا" و" Generali France". وفي أوائل التسعينيات، عمل مستشاراً لفترة وجيزة لوزير المالية الاشتراكي ميشيل سابان، الذي عاد إلى نفس المنصب خلال جزء من فترة رئاسة فرانسوا هولاند بين عامي 2012 و2017.
ولكن التحدي الأكبر أمامه سيكون إيجاد تسوية بين المشرعين المعارضين. وقالت مارين توندولييه، زعيمة حزب البيئة، إن الحكومة الجديدة "غير متوازنة" وتتمتع بتأثير كبير من اليمين.
وأضافت: "ستؤدي نفس الأسباب إلى نفس النتائج، وبايرو يتبع نفس نهج بارنييه، ومن غير المحتمل ألا يلقى نفس المصير."