في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بيروت- في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ سوريا مع سقوط النظام السوري، حيث تمكنت قوات المعارضة السورية من تحرير السجناء من أسوأ سجون البلاد.
وفي تلك اللحظات، خرج المعتقلون المحررون من قبضة النظام ليحملوا معهم حكايات مريرة عن التعذيب والمعاناة التي عاشوها في الزنازين.
أما أولئك الذين عبروا الحدود عائدين إلى لبنان بعد إطلاق سراحهم، فقد حملوا معهم أكثر من مجرد أجساد مثقلة بالآلام، حملوا أيضا ذاكرة مليئة بالألم والعنف، وقصصا مروعة عن أساليب التنكيل التي تعرضوا لها.
يروي علي جونة الفلسطيني المقيم في مخيم الرشيدية بمدينة صور جنوب لبنان، تفاصيل تجربته المريرة داخل السجون السورية التي استمرت شهرين قبل تحريره إثر سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
يقول علي، في حديث خاص للجزيرة نت، "كنا 16 شخصا سوريا وأنا الوحيد بينهم فلسطيني من لبنان، لم أكن أحمل أي هوية ودخلت سوريا بطريقة غير نظامية، ووُجهت لي تهمة الإرهاب، بزعم أنني قدمت للانضمام إلى المسلحين أو كنت في طريقي إلى تركيا، حاولت إقناعهم ببراءتي".
ويضيف "حاولت توضيح الأمر بأني جئت فقط لأستأجر بيتا لي ولعائلتي حتى تنتهي الحرب في لبنان وأعود، لكنهم رفضوا تصديقي، واتهموني بالتخطيط لدعم المجموعات المسلحة أو الانضمام إليها".
ويتابع "مكثت 20 يوما في خان شيخون تحت التحقيق، ثم نقلت إلى حمص بمنطقة تسمى البولوني، حيث قضيت يومين، بعد ذلك نقلت إلى فرع فلسطين أحد فروع المخابرات العسكرية السورية، حيث أمضيت هناك 60 يوما من العذاب الذي لا يمكن وصفه".
يصف علي تجربته في فرع فلسطين قائلا "هناك، رأيت أهوالا لا يمكن أن يتخيلها أحد، العذاب هناك يشبه الموت بكل تفاصيله، رغم أن المكان يحمل اسم فلسطين، فإن الواقع كان لا يمتّ لها بأي صلة، كان القتل يوميا، والضرب مستمرا، والإذلال لا ينقطع، كنا ننام عند الواحدة ليلا ونُجبر على الاستيقاظ في الخامسة صباحا".
ويتابع "تحت إشراف الشاويش وأوامر المساعد، كان 5 أو 6 أشخاص يتعرضون يوميا للضرب المبرح من بين 100 سجين، لم يكن الأمر مجرد ضرب، بل وصل إلى القتل باستخدام أنابيب الحديد الخاصة بالماء، وكان ذلك يتم بمنهجية يومية".
يواصل علي روايته "في إحدى الليالي، عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، شعرنا بحركة غير طبيعية، وفجأة هبطت طائرة هليكوبتر داخل الفرع، تساءلنا جميعًا عما يحدث، لكن لم يكن هناك أي إجابة، بعد حوالي ربع ساعة، أقلعت الطائرة مرة أخرى".
ما هي إلا دقائق، حتى بدأ إطلاق نار كثيف لا يتوقف، أصوات الرصاص كانت تملأ المكان، والجميع في حالة ذهول وارتباك، بقينا مستيقظين طوال الليل دون أن نفهم ما يجري، مع طلوع الفجر سمعنا أحدهم يصرخ "الله أكبر" أدرك السوريون فورًا أن المعارضة هي من اقتحمت المكان".
يصف علي لحظة الخروج من السجن "عندما فتح الثوار أبواب الزنازين، وجدنا أنفسنا أمام أعضاء هيئة تحرير الشام والمقاتلين، قالوا لنا "لا تخافوا النظام سقط، ومن هنا يمكنكم الخروج إلى تركيا، أو الأردن، أو لبنان، أو العراق.. انتهى حاجز الخوف".
وعلى الفور "خرجنا وكنا حوالي 5 آلاف شخص ومعنا 100 امرأة و24 طفلا، كان المقاتلون يكسرون الأقفال واحدا تلو الآخر بإصرار حتى أُطلق سراحنا جميعًا، عندما خرجنا إلى الخارج، شعرنا للمرة الأولى بالحرية".
أما اللبناني معاذ مرعب الذي أمضى 18 عاما في السجون السورية، فيشارك في حديث مؤثر مع الجزيرة نت، تجربته القاسية من الاعتقال والتعذيب والظروف الإنسانية الصعبة التي مرّ بها، قبل أن يتم تحريره ويعود إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان.
كان معاذ في طريقه من العراق إلى لبنان عبر دمشق في 20 يوليو/تموز 2006 عندما وقع في كمين واعتقل من قبل جهاز أمن الدولة السوري، ليتم نقله إلى فرع أمني في دمشق، حيث بدأ رحلته المريرة من التحقيقات والتعذيب.
أشار مرعب إلى أن أساليب التعذيب كانت شديدة القسوة، حيث كان يُجبر على السير عاريا، مكبلا، وعيناه مغطاة، ثم يُنقل إلى المحقق الذي يفرض عليه أوضاعًا مهينة، مثل الركوع.
تم نقله لاحقًا إلى فرع فلسطين حيث أُعيد التحقيق معه، ووصف مرعب معاملة السجون بالقاسية، حيث لا يُنادى على المعتقل باسمه بل يُعطى رقمًا، وتُستخدم معه ألفاظ مهينة.
كما تحدث عن تجربته في سجن صيدنايا، الذي شهد فيه ضربًا وتعذيبًا مستمرين. ومن بين الأساليب الوحشية، كان "قطار المرح" عند الوصول إلى السجون.
وفي وصفه لــ"قطار المرح"، قال مرعب: "أنت تتنقل بين السجون والزنازين ويجب عليك البقاء مع رفاقك، لأن انفصالك عنهم قد يعرضك لمزيد من العنف والتعذيب، إذا تركت رفيقك وراءك، ستواجه عقوبات إضافية وقد تجد نفسك في مواجهة قسوة أكبر قبل أن تصل إلى الزنزانة المنفردة".
أشار مرعب إلى أنه قضى سنوات طويلة في السجون، حيث تم نقله من فرع فلسطين إلى سجن صيدنايا سيئ السمعة، ثم إلى سجن عدرا المركزي في ريف دمشق بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ووفقًا له، كان الضرب جزءًا أساسيًّا من التعذيب في السجون، إضافة إلى أساليب وحشية أخرى مثل "التعذيب بالشبح"، الذي يتضمن التعليق على الحديد.
ومع سقوط حلب، بدأ مرعب يشعر ببصيص من الأمل، وبعد سماعه بأن حماة قد سقطت أيضًا، كان يعتقد أن النهاية اقتربت، ومع بداية الأحداث التي تلت سقوط دمشق، كان مرعب وزملاؤه في السجن في حالة استنفار دائم، بعدما وصلتهم أخبار عن هروب الضباط.
وفي لحظة فارقة، بدأ المعتقلون بالصراخ معًا محاولين الهروب، وتكسير الأبواب والخروج، وعندما وصل مرعب إلى السيارة التي نقلته، تمكّن من الاتصال بابنه عبر الهاتف، ليصرخ في وجهه قائلا: "محمد، طلعنا!".