تروي منيرة النحال، التي تعيش في خيمة على الكثبان الرملية خارج مدينة خان يونس الجنوبية، ظروفهم: "لا يوجد شامبو ولا صابون... المياه قذرة. كل شيء عبارة عن رمال وحشرات وقمامة".
بدت خيمة عائلتها مكتظّة بأحفادها الذين أُصيب الكثير منهم بالطفح الجلدي. وقف أحد الصّغار يحكّ البقع الحمراء على بطنه. فعلّقت منيرة بقولها يكفي أن: "يُصاب طفل واحد بالمرض فينتشر بينهم جميعاً".
ويؤكّد الفلسطينيون في المخيّم أنّ الحصول على المياه النظيفة يكاد يكون مستحيلاً. ويلجأ البعض لغسل أطفالهم بالمياه المالحة من البحر الأبيض المتوسط القريب. ويضطر الناس إلى ارتداء الملابس نفسها كل يوم إلى أن يتمكّنوا من غسلها وإعادة ارتدائها على الفور. كما يلعب الأطفال في الرمال المليئة بالقمامة حيث يتكاثر الذّباب في كل مكان.
جلست شيماء مرشود إلى جانب ابنتها الصغيرة في هيكل من الطوب، استقرّوا فيه بين بقية الخيام، لتخبرنا: "في البداية كانت البقع على وجهها فقط. ثم انتشرت في بطنها وذراعيها وفي جميع أنحاء جبهتها. وهذا مؤلم إذ يسبّب الحكّة. لا يوجد علاج له، وحتى وإن وُجد فلا يمكننا تحمّل تكلفته".
يذكر طبيب الأمراض الجلدية في مستشفى ناصر، نسيم بصلة، أنّهم يستقبلون ما بين 300 إلى 500 حالة يوميًّا تعاني من أمراض جلدية. فبعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية الأخيرة، ازدحم المزيد من الناس في الحقول خارج مدينة خان يونس، حيث تنتشر الحشرات في فصل الصيف. وقال إنّ الجرب والقمل منتشران بشكل وبائي فضلا عن الالتهابات الفطرية والبكتيرية والفيروسية والطفيليات الأخرى. ومع تدفّق المرضى، يمكن حتى للحالات البسيطة أن تتحوّل إلى خطيرة بسبب العدوى.
بكت طفلة صغيرة حين أظهرت والدتها كيف انتشرت البقع الحمراء والبيضاء التي تغطي وجهها إلى رقبتها وصدرها. ورفعت امرأة أخرى ملابس طفلها الصغير لتكشف عن الطفح الجلدي على ظهره ومؤخرته وفخذيه وبطنه. وكان على معصميه تقرّحات مفتوحة من الخدش. وأوقف أب ابنته على الطاولة حتى يتمكن الطبيب من فحص التقرحات على ساقيها.
ويتصارع الأطباء مع أكثر من 103000 حالة قمل وجرب و65000 حالة طفح جلدي، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. ومن بين سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، تم تسجيل أكثر من مليون حالة إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي الحادة منذ بدء الحرب، إلى جانب أكثر من نصف مليون حالة إسهال حاد وأكثر من 100 ألف حالة يرقان، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ويوضّح مسؤولو الصحّة أنّ الأمراض الجلدية تفشّت في غزة نتيجة الظروف المروّعة داخل المخيمات المكتظة بمئات الآلاف من الفلسطينيّين الذين طُردوا من منازلهم، إلى جانب حرارة الصيف وانهيار الصرف الصحي الذي خلّف بركًا من المياه الآسنة وسط القصف والهجمات الإسرائيلية المستمرة منذ 10 أشهر على القطاع.
ويؤكّد سكّان المخيمات أنّ النظافة مستحيلة في الخيام المتداعية للسقوط. فهي في الأساس مجرّد إطارات وأعمدة خشبية مُعلّقة ببطانيات أو أغطية بلاستيكية محشورة جنباً إلى جنب على مساحات واسعة.
وصرّح مسؤولو الأمم المتحدة أنّ توزيع الإمدادات الإنسانية، بما في ذلك الصابون والشامبو والأدوية، قد تباطأ إلى حد كبير، لأنّ العمليات العسكرية الإسرائيلية والانفلات الأمني العام في غزة يجعل تحرّك شاحنات الإغاثة خطيراً للغاية.
وفي تقرير صدر يوم الثلاثاء، وثّق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي استحالة الوصول إلى مكبّات النفايات في غزة منذ اندلاع الحرب. وقد أنشأ البرنامج 10 مواقع مؤقتة. وقالت شيتوس نوغوتشي، نائبة الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمساعدة الشعب الفلسطيني: ”لقد انهار نظام إدارة النفايات الصلبة“. وأعلنت عن ظهور أكثر من 140 موقعًا غير رسمي لإلقاء النفايات، بعضها عبارة عن برك عملاقة من القمامة. وأضافت نوغوتشي: ”الناس يقيمون في الخيام ويعيشون بجوار مكبّات النفايات، وهو وضع حرج للغاية فيما يتعلق بالأزمة الصحية“.
وتتكدس الغالبية العظمى حاليا في منطقة تبلغ مساحتها 50 كيلومترًا مربعًا من الكثبان الرملية والحقول على الساحل مع انعدام نظام صرف صحي وتوفّر النّزر القليل من المياه. كما أسفر الهجوم الإسرائيلي على القطاع عن مقتل أكثر من 39000 شخص منذ أكتوبر الماضي وفقًا للسلطات الصحية في غزة.