والدا ماعوز إينون كانا أول ضحايا هجومحماس الإرهابي على إسرائيل صباح يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. لكن رغم الألم وبعد يومين من المأساة، أوضح أنه لا يريد الانتقام، كما كتب بعدها بقليل: "الانتقام لن يعيد والدي. ولن يعيد القتلى الإسرائيليين والفلسطينيين الآخرين". في تلك الليلة نفسها، رأى رجل الأعمال الإسرائيلي وناشط السلام حلما مزعجا، فقد رأى الشوارع ملطخة بالدماء وهو يبكي. "لم أبكِ وحدي، بل مع كل جرحى هذه الحرب. لقد غسلت دموعنا الدماء من الشوارع". بهذه العبارات وصف رجل الأعمال الإسرائيلي في المدونة الصوتية (بودكاست) "بلا اعتذار: السردية الثالثة". بالنسبة إليه، ما رآه لم يكن كابوسا، بل رؤية لمستقبل أفضل، خال من إراقة الدماء.
"الأمل هو ما يفعله المرء"
حمزة عواودة هو أيضا رأى حلماً. وفي نفس البودكاست، يروي الكاتب وناشط السلام الفلسطيني، كيف رأى صور الجنود الإسرائيليين في حلمه. حيث جاؤوا ليقتلوه هو وعائلته، تمامًا كما كانوا سيقتلون ابن عمه. أصبح حمزة ناشطاً للسلام، لأن الأمل بالنسبة إليه ليس شعوراً، بل ما يفعله المرء، كما يقول. وكتب في أحد مقالاته الأخيرة: "إن انتظار الدولتين يشبه انتظار المسيح".
صورة العدو على الجانبين
القاسم المشترك بين حمزة وماعوز هو أملهما في إنهاء الحرب. ولهذا السبب هم ضيوف على البودكاست الذي تم إطلاقه في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، مباشرة بعد الهجمات التي شنتها حركة حماس. والمؤسسان للبودكاست، أميرة محمد وإبراهيم أبو أحمد، من بين العرب في إسرائيل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. ووفق هيئة الإحصاء الإسرائيلية، فإن هذه نسبة هؤلاء تبلغ حوالي 17 بالمائة. وبشكل عام، فإن نسبة 21 بالمائة من السكان في إسرائيل هم من العرب.
أميرة وإبراهيم يعرّفان نفسيهما، كما غالبية مجتمعهما حسب استطلاعات الرأي، بأنهما فلسطينيان إسرائيليان. هوية عليهما النضال من أجلها سياسياً، لأن إسرائيل ترفض الاعتراف بالهوية الفلسطينية بين مواطنيها وتعتبرهم "عربا إسرائيليين".
أميرة على قناعة تامة بأن المواطنين من أمثالها قادرون، بل ينبغي عليهم، لعب دور رئيسي في صراع الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد بسبب هويتهم. وقالت لـ DW: "لن نتوصل إلى اتفاق". وتابعت: "سواء تعلق الأمر بما حدث بالضبط في السابع من أكتوبر، فيما إذا كنا نسميها حربا أو إبادة جماعية، أو عدد الأشخاص الذين قتلوا في غزة. لكن علينا أن نتفق على مستقبل".
ضد عقلية الأسود أو الأبيض
ترى كل من أميرة وإبراهيم صورة مستقبل يتجاوز الاستقطاب. ويوضح إبراهيم: "ما نريد تحقيقه من خلال هذا البودكاست هو تقديم سردية ثالثة للغرب". لهذا السبب يستهدف الاثنان في المقام الأول الجمهور الغربي. ويقول إبراهيم في الحلقة الأولى: "في الغرب غالباً ما يسود التفكير بالأبيض والأسود. أي أنت إما مؤيد للفلسطينيين أو مؤيد لإسرائيل".
من جانبها ترى أميرة أنه: "بدلاً من الهتاف لصالح ميسي أو رونالدو كما هو الحال في مباراة كرة قدم، يجب على الناس في الغرب استخدام منصاتهم لانتقاد جميع الأطراف بالتساوي". ونجاحهما يثبت أنهما على حق: إذ يستمع ما يصل إلى 180 ألف شخص إلى كل حلقة من حلقات البودكاست، ويتابعهم ما يقرب من 30 ألف شخص على تطبيق إنستغرام.
"إسرائيلية تامة" أو "عربية سيئة"؟
على الرغم من كل نجاحهما، يواجه الناشطان انتكاسات كل يوم. وفي هذا الصدد تقول أميرة إنهما يواجهان تحديات من جميع الجهات. فإذا تحدثت العربية في الأماكن العامة، ينظر إليها الإسرائيليون بارتياب وقلق. وإذا كانت تتحدث العبرية دون لكنة عربية، فإن الكثير من الفلسطينيين لا يثقون بها. "فقدنا شرعيتنا لدى كلا الجانبين. إذا كنت (إسرائيلية تامة)، فأنا أقف إلى جانب المضطهِد. وإذا كنت (أفتخر بكوني فلسطينية تامة)، فأنا أمنح الشرعية للإرهاب أو يتم تصويري على أنني (عربية سيئة)"، تقول أميرة. وهي مقتنعة بأن الهوية المزدوجة بالنسبة إليها وللكثيرين غيرها، هي إمكانية غير مستغلة في هذا الصراع: "نحن نعرف الثقافتين ونشعر بألم كلا الجانبين. ولكن طالما لم يتم الاعتراف بنا كفلسطينيين إسرائيليين، فلن نتمكن من القيام بدور الوسطاء أيضاً، تقول أميرة وتضيف "نحن أقلية، ولكننا نريد أن يتم تمثيلنا حسب ذلك".
مشاعر متضاربة
في السابع من أكتوبر، شعرت أميرة بهويتها المزدوجة أكثر من ذي قبل. وتتذكر قائلة: "لقد كانت كارثة. ولم أكن أعرف بماذا أشعر". وبينما كانت أميرة تبحث عن مأوى من القنابل تحت أحد سلالم المباني في جنوب إسرائيل، على مسافة ليست بعيدة عن غزة، كانت ملتصقة بهاتفها المحمول واطلعت على صور الأحداث وقت حدوثها مباشر.
شاهدت الفلسطينيين وهم يخترقون السياج الحدودي الذي عزلهم في قطاع غزة على مساحة تقدر بـ 365 كيلومتراً مربعاً لمدة ثلاثين عاماً. وهي منطقة لا تبلغ حتى نصف مساحة مدينة هامبورغ الألمانية، ويسكنها أكثر من مليوني نسمة. وعن تلك اللحظات تقول أميرة: "لقد شعرت بشيء من الارتياح أيضاً عندما رأيت كيف تمكن الناس من الخروج من غزة. إنهم يستحقون أن يكونوا أحراراً". ولكن تابعت بأن الأشخاص الذين اخترقوا السياج لم يكونوا يسعون إلى الحرية، فقد قتلوا ما لا يقل عن 1200 شخص، وأضرموا النار في المنازل، واغتصبوا النساء، وأخذوا معهم مئات الرهائن إلى غزة، على حد قولها.
وحين كانت لا تزال تحتمي تحت السلالم، شاهدت أميرة صور جثث الشابات والرهائن الذين كان يتم نقلهم إلى قطاع غزة على متن شاحنات صغيرة، بينما شعرت بالمبنى يهتز من حولها وسمعت دوي انفجار قنبلة تلو الأخرى. وتضيف متذكرة تلك اللحظة "كان بالضبط يمكن أن أكون أنا (ما حدث له ذلك) بالنسبة لي كانت تلك هي اللحظة التي شعرت فيها بجانبي الإسرائيلي".
"جميعنا نستحق الأفضل"
بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على هجوم حماس على إسرائيل، لا تزال الحرب مستمرة، والنتيجة وفق الأمم المتحدة: مقتل أكثر من 39 ألف شخص في العمليات الإسرائيلية في غزة، ولا يزال 120 إسرائيلياً ورهائن آخرين في مختطفين لدى حماس. ويبدو أن السلام لا يلوح في الأفق، فيما لا يزال مقدمو البودكاست مستمرين.
وتقول أميرة إنهم يريدون إظهار التضامن مع الفلسطينيين والإسرائيليين وكذلك السماح بانتقاد كليهما دون الحاجة إلى التبرير. وتوضح "نريد وقف إراقة الدماء والحرب. الفلسطينيون والإسرائيليون، والمسيحيون، واليهود والمسلمون. جميعنا نستحق الأفضل".
يذكر أن حركة حماس ، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
أعدته للعربية: إيمان ملوك