في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي
كانت العراق ولا تزالُ واحدة من البلدان ذات الأهمية الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط، فقد حرص البريطانيون في بداية القرن الـ20، والأميركان في بداية القرن الـ21 على اقتحامها واحتلالها والتنكيل بالقوى السياسية الفاعلة فيها لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم التوسعية في المنقطة.
قديما كانت العراق بالنسبة لبريطانيا بقعة مركزية لقربها من الهند درة التاج البريطاني، ولأنها أقرب المناطق الواصلة بين أوروبا من جهة وجنوب شرق آسيا من جهة أخرى، فضلا عن مركزيتها بين إيران ووسط آسيا من جانب، والعالم العربي في الخليج وبلاد الشام ومصر من جانب آخر، وهي أيضًا منطقة تقاطع للمصالح الروسية والغربية.
وحديثًا حرصت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب على إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مع تيقنها أنه بات يهدد المصالح الأميركية والإسرائيلية في الإقليم، وكان من اللافت أن مهمة السيطرة على البصرة واحتلالها عام 2003 قد أُسندت للقوات البريطانية، وذلك لسابق خبرتها في احتلال المدينة في الأيام الأولى من الحرب العالمية الأولى 1914.
قبل سقوط الدولة العثمانية عام 1923، بل وقبل نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914، كان البريطانيون يدرسون العراق من الناحية الجغرافية والديمغرافية، حيث أرسلوا بعثة عام 1834 لدراسة صلاحية أنهار العراق للملاحة، وأثبتت هذه البعثة صلاحية نهر دجلة لملاحة السفن التجارية والقوارب التي يبلغ غاطسها من متر إلى متر وربع ويكون عُمق مجرى النهر حوالي 5.75 أمتار، وعرض النهر من 200 إلى 300 متر.
وفي عام 1906 زمن السلطان عبد الحميد انبثقت فكرة احتلال مدينة البصرة في أقصى الجنوب العراقي، وذلك للضغط على الدولة العثمانية، ولكن مجلس الدفاع الإمبراطوري البريطاني رفض هذه الفكرة، ثم عادت حكومة الهند البريطانية بطرحها مرة أخرى عام 1912، ولما أخذ الوضع في أوروبا إلى التأزم الشامل، واشتعال الحرب العالمية الأولى كانت العراق من أول أقاليم الدولة العثمانية التي أصر البريطانيون على الهجوم عليها.
هدف البريطانيون من احتلال العراق إلى تقويض الدولة العثمانية وإسقاطها، ومنع سيطرة الألمان -حلفاء العثمانيين- عليها واحتمالية هجومهم على مصالحهم في المنطقة، ولكن اكتشاف النفط في منطقة عبادان -التي كانت تخضع لإمارة المحمرة قبل السيطرة الإيرانية عليها 1925- جعلت العراق في موقع إستراتيجي كبير، وكانت حماية تلك الحقول التي يسيطر عليها الإنجليزُ من جملة الأسباب التي تذرّعت بها بريطانيا عند احتلال البصرة.
فقد دعا الفريق الأول سير إدمون باور السكرتير العسكري لوزارة الهند البريطانية عشية الحرب العالمية الأولى إلى توجيه قوة عسكرية إلى المحمّرة وعبادان قائلا "حيث مراكز النفط والتجهيزات في عبادان وحقول النفط مُعرضة للتدمير المباشر، وإن المصالح البريطانية في بغداد والبصرة ستزول من الوجود، وإن شيخي المحمّرة والكويت ربما يُهاجمان.. وفي هذه الحالة سنُبدد في الهواء كل مكانتنا وكل جهودنا لسنين، وسيغدو موقفنا في الخليج نفسه متقلقلا".
هذا التقدير العسكري شديد الخطورة على المصالح البريطانية في المنطقة، دفع الحكومة في لندن إلى إرسال قوة عسكرية إلى الخليج العربي في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، أُسندت قيادة القوات البريطانية إلى العميد دبليو ديلامين، وحُدد إطار عمل هذه القوة باحتلال عبادان وحماية مصالح النفط وخط الأنابيب وتغطية إنزال الإمدادات، و"الظهور للعرب بأننا نعتزم مساعدتهم ضد الأتراك" على حد وصف تقرير حكومة الهند البريطانية.
وبعد 3 أيام أعلنت الدولة العثمانية -التي كان يسيطر عليها ضباط جمعية "الاتحاد والترقي" والذين انقلبوا على السلطان عبد الحميد الثاني- انضمامها رسميًا إلى ألمانيا في حربها، ومن ثم تغيرت وجهة القوات البريطانية القادمة من الهند وتقرر أن يكون الإنزال البريطاني في البحرين بدلا من عبادان أو المحمرة.
وعُين السير برسي كوكس ضابطا سياسيا في الغزو البريطاني، وهو واحد من أكثر الضباط خبرة بالخليج والعراق، ومن ثم صدرت ....