في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي
في كتابه "مرثية هيلبيلي: مذكرات عائلة وثقافة في أزمة"، يقول جي دي فانس: "أتعاطف مع الملايين من الأميركيين البيض من الطبقة العاملة من أصل أسكتلندي أيرلندي، والذين لا يحملون شهادات جامعية. بالنسبة لهؤلاء الناس، الفقر هو التقليد العائلي".
ويضيف فانس أن أسلاف هؤلاء الأميركيين "كانوا عمالا باليومية في اقتصاد العبيد الجنوبي، ثم مزارعين، وعمال مناجم الفحم، وعمال الميكانيكا والمطاحن لاحقا. يطلق عليهم (هيلبيلي Hillbilly)، أو (ريدنيك Redneck)، أو (وايت تراش White trash). أنا أسميهم الجيران والأصدقاء والعائلة".
يسرد فانس في الكتاب قصة حياته وتجربة أسرته، لكنه يتحدث بلسان حال سكان مناطق واسعة في الولايات المتحدة تعرف بجبال أبالاش وحزام الصدأ. هناك يعيش أميركيون من العرق الأبيض قصة مختلفة عما يراه العالم في مدن نيويورك ولوس أنجلوس ولاس فيغاس.
ومصطلح (هيلبيلي Hillbilly) الوارد في عنوان الكتاب يشير إلى سكان التلال في تلك المناطق. وهو مثير للجدل إلى حد ما، لأنه يعتبر مهينا في بعض السياقات.
وينقل فانس عن جدته قولها "مسموح لنا أن نطلق على أنفسنا أهل التلال (هيلبيلي)، وقد فعلنا ذلك، ولكن لا يسمح لأي شخص آخر أن يطلق علينا اسم أهل التلال".
لذلك هو مصطلح محبب للأشخاص الذين يستخدمونه عن أنفسهم وعائلاتهم. لكن "إذا وصفني به شخص ما، وكان يعني ذلك على محمل الجد، فسأشعر بالإهانة الشديدة"، يقول فانس، في مقابلة إذاعية.
ومصطلح "ريدنيك" يطلق على الأميركيين من الطبقة العاملة الدنيا، ويعيشون حياة غير متطورة، وغالبا هم من سكان الريف في جنوب الولايات المتحدة. وكذلك مصطلح "وايت تراش"، يشير إلى ذات المعنى إلى حد ما.
مذكرات سناتور ولاية أوهايو، جي دي فانس، أصبحت الكتاب الأكثر مبيعا في نيويورك تايمز، وأنتج فيلم على Netflix في عام 2020 يحكي القصة.
كان الكتاب حلما لفانس الذي أراد أن يحكي للأميركيين قصة البيض من الطبقة العاملة. وبالفعل، نشر الكتاب قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية عام 2016، استخدمه بعض قادة الفكر كتفسير لسر فوز، دونالد ترامب، بالرئاسة المدعوم من فئة الناخبين البيض في الولايات الزرقاء سابقا.
في ذلك الحين، لم يكن فانس يتفق مع أفكار ترامب، وكان يعارض فوزه بالرئاسة في 2016.
والردود على الكتاب أحدثت جدلا، فبينما يتذكر فانس قصص طفولته المضطربة في أوهايو، قدم أيضا نظرة نقدية لجذوره الأبالاش.
رد سكان وكتاب من أبالاش قائلين إن فانس أخطأ في تمثيل المنطقة، واستبعد وجهات النظر الرئيسية والسياق التاريخي لها. فقد استخدم تجاربه الشخصية لتوصيف منطقة بأكملها.
كتاب فانس وشخصيته عادت إلى الضوء بقوة، بعد أن اختاره ترامب مرشحا جمهوريا لمنصب نائب الرئيس الأميركي في الانتخابات الرئاسية. فهو يمثل طبقة الأميركيين الفقراء الغارقين في مشكلات معقدة، ويعيشون خارج دائرة الضوء.
عاش فانس طفولته وصباه في بيئة أسرية مليئة بالعنف والمخدرات والإدمان على الكحول، وكان يعتقد أن طريقه لتحقيق الحلم الأميركي مستحيلة، فقد عاش فترة من طفولته وصباه على رؤوس التلال في مدينة جاكسون الصغيرة بولاية كنتاكي التي يعرف سكانها القليلون بعضهم بعضا، ويتبادلون التحيات كلما التقوا في الطريق، ويحدقون بتمعن في أي مركبة غريبة تدخل المدينة.
يذكر فانس حين كان طفلا، أن موكبا جنائزيا كان يمر قرب منزله في جاكسون، فقالت له جدته، علينا أن نخرج ونقف للجنازة. سأل الطفل جدته لماذا نفعل كل هذا؟ لماذا يتوقف الجميع عند مرور موكب الجنازة؟ قالت الجدة "لأننا يا عزيزي، نحن سكان التلال، نحترم موتانا".
طفولة فانس كانت مؤلمة، وتعكس القصص التي يرويها في كتابه، كيف تتحمل هذه الطبقة من الأميركيين مسؤولية أفعالهم، ويكشف عن الأسباب الكامنة وراء فقر الأجيال الذي يعاني منه الجنوب وأبالاش وحزام الصدأ. لكن أهم هذه الأسباب هو تراجع الصناعات الأميركية بفعل اتفاقيات التجارة والاتجاهات الجديدة لاقتصاد الولايات المتحدة.
يجد الأشخاص الذين يعيشون في الجنوب، وأبالاش، وحزام الصدأ أنفسهم عالقين في حلقة مفرغة من الفقر والمخدرات والعنف، وفق وصف فانس الذي يرى أن هؤلاء وإن لم يتمكنوا من التعامل مع مشكلاتهم، إلا أنهم ضحية التحول الذي شهدته أميركا.
وحزام الصدأ يبدأ من نيويورك إلى الغرب، ويمر عبر ولايات بنسلفانيا وويست فرجينيا وأوهايو وإنديانا ومناطق في ولاية ميشيغان، وشمال إلينوي وشرق ولاية ويسكونسن. وعانت هذه المناطق من التدهور الاقتصادي بعد أن كانت مركز الصناعات الأميركية.
وتمتد جبال الأبالاش على طول شرق الولايات المتحدة، وتمتد من المسيسيبي إلى نيويورك.
تشمل منطقة أبالاتش، كما حددها الكونغرس، كل ولاية ويست فرجينيا وأجزاء من عدة ولايات أخرى، بما في ذلك ميسيسيبي وألاباما وتينيسي وشرق كنتاكي وجورجيا ونورث كارولينا وجنوبها وفرجينيا وشرق أوهايو وميريلاند وبنسلفانيا ومناطق في جنوب ولاية نيويورك.
في جنوب غرب أوهايو، تشمل منطقة أبالاش مقاطعة كليرمونت. أما ميدلتاون، مدينة مقاطعة بتلر حيث قضى فانس معظم طفولته وشبابه، ليست في أبالاتش.
وهو ما ركز عليه منتقدو فانس الذين اعترضوا على طريقة تقديمه لواقع سكان تلك المناطق. لكن عائلة فانس انتقلت من جاكسون في كنتاكي وهي منطقة تقع ضمن أبالاش.
ويروي فانس في كتابه أن هذه الفئة الديموغرافية من الأميركيين تفككت ببطء على مدار 40 عاما ماضية. ومع ذلك، لم يقدم أي شخص تحليلا صادما تماما مثلما فعل فانس الذي حلل ثقافة التلال الأميركية وكشف أسرارها.
يقول فانس إن سكان أبالاش طيبون وكرماء، لكنهم كانوا يتجنبون العمل الجاد، ويختلقون الأعذار للحالة التي وصلت إليها حياتهم.
وبسبب نشأة فانس في هذه المناطق، فإنه يتماثل مع ملايين الأميركيين من الطبقة العاملة الذين ليس لديهم شهادات جامعية ويعانون من الفقر العابر للأجيال.
ولفهم حياة فانس والثقافة التي نشأ فيها، لابد من فهم حياة جديه جيمس وبوني فانس، "باباو وماماو"، كما كان يناديهما.
ولد الجدان جيمس وبوني في فترة الثلاثينيات في مدينة جاكسون، كنتاكي، ونشأ الاثنان كسكان تلال. لكن رغبة منه في الهروب من فقر مدينة جاكسون، انتقل جد فانس إلى ميدلتاون في ولاية أوهايو، حيث حصل على وظيفة في شركة أرمكو الأميركية، إحدى شركات الصلب الكبرى.
في تلك الفترة، شهدت ميدلتاون طوفانا من الناس القادمين للعمل، حيث كان لدى الآخرين نفس الفكرة، وكان لدى أرمكو الكثير من الفرص.
وفر العمل في مصانع أوهايو لجدي فانس المال اللازم للعيش بشكل مريح وإعالة أسرهم.
كانت هناك موجتان كبيرتان من الهجرة، إحداهما مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية.
وكان جداه جزءا من الموجة الثانية، حيث انتقل ملايين الأشخاص من تلال شرق كنتاكي، ووست فرجينيا، وشرق تينيسي إلى جنوب وشمال أوهايو وميشيغان وبنسلفانيا.
بدأت مدن في منطقة حزام الصدأ، مثل جاكسون بولاية كنتاكي، في التدهور بسرعة مع استمرار الناس في الهروب والبحث عن الفرص في أماكن أخرى.
والأسوأ من ذلك أن مدينة جاكسون بدأت تعاني من ارتفاع مستويات إدمان السكان على الكحول والمخدرات.
بدأ نظام التعليم في الانهيار أيضا، وأصبح الوضع سيئا للغاية، لدرجة أن السلطة الفدرالية اضطرت للتدخل والسيطرة على الوضع هناك، يقول فانس في كتابه.
ولم يكن أمام الآباء الفقراء خيار سوى إرسال أطفالهم إلى المدارس التي لا تقودهم إلى أ ....