آخر الأخبار

إستراتيجية الصين لتغيير العالم.. قراءة في عقل الرئيس شي جين بينغ

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

مقدمة الترجمة

في عالم بدأ اسم الصين فيه يتردد كثيرا كمنافس رئيسي على زعامة النظام الدولي، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، تزايد اهتمام الصحف والمجلات الغربية بهذا البلد في محاولة لفهم محركاتها وتوجهاتها على المستويات كافة.

وفي هذا الإطار، تأتي المادة المترجمة من مجلة فورين أفيرز لتقدم وجهة نظر غربية عن الصين، عبر النظر في المنطلقات الفكرية التي تشكل تصور رئيسها شي جين بينغ عن العالم، وكيف تؤثر هذه التصورات والمبادئ في الطريقة التي تعمل فيها الصين داخليا وخارجيا. ويحاول الكاتب في هذه المادة أن يفحص فكر الرئيس الصيني، وينبه السياسيين الأميركيين إلى أهمية النظر والتدقيق في فكر "شي" كمحاولة لصناعة أرضية فهم أكثر دقة تخدم المعارف والسياسة الأميركية.

نص الترجمة

لم يبخل علينا العالم الغربي في عصر ما بعد الحرب الباردة بنظرياته الكُبرى عن التاريخ والعلاقات الدولية. لربما تغيَّرت الظروف وتغيَّر اللاعبون منذ الحرب الباردة، لكن الدراما الجيوسياسية العالمية لا تزال باقية، إذ تتنافس نظريتا الواقعية والليبرالية في العلاقات الدولية من أجل تفسير سلوك الدول وتوقُّعه، ويتجادل الأساتذة حول ما إن كُنا نشهد نهاية التاريخ أم صراعَ حضارات أم شيئا مختلفا بالكُليَّة. وليست مفاجأة أن السؤال الذي يغوي الجميع بالتحليل هو صعود الصين تحت قيادة الرئيس "شي جين بينغ"، والتحدي الذي تُشكِّله بلاده للقوة الأميركية. بينما نفَّذ شي مناورته السياسية من أجل ترسيخ سلطته أثناء المؤتمر الوطني العام العشرين للحزب الشيوعي الصيني (في أكتوبر/تشرين الأول 2022)، ونجح في تأمين فترة رئاسية ثالثة غير مسبوقة (منذ وفاة الزعيم الصيني "ماو تسي تونغ")، سعى المُحللون الغربيون حثيثا لأجل فهم الرؤية التي تُحرِّك الرجل وطموحاته من أجل الصين.

ومع ذلك، غاب إلى حد كبير عن تلك المساعي الغربية لفهم الرئيس الصيني نوعٌ مهم من الأدبيات، وهي الماركسية-اللينينية (نسبة إلى كارل ماركس وفلاديمير لينين). ويبدو ذلك غريبا لأن الماركسية-اللينينية هي الأيديولوجيا الرسمية في الصين منذ عام 1949، إلا أن تجاهلها مُتفهَّم بالنظر إلى أن مفكري الغرب اعتادوا منذ وقت طويل النظر إلى الشيوعية بوصفها أيديولوجيا مَيِّتة واقعيًّا، حتى في الصين. وكيف لا وقد نحَّى "دِنغ شياوبينغ"، زعيم الحزب الشيوعي السابق، العقيدة الماركسية اللينينية لسلفه ماو في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وانحاز إلى ضرب من ضروب رأسمالية الدولة.

لقد لخَّص دِنغ أفكاره حول هذه المسألة بصراحة لافتة أمام الحاضرين في مؤتمر كبير للحزب الشيوعي الصيني عام 1981 قائلا: "دعونا نتخلَّص من النظرية والتنظير". وبعدئذ سار على دربه الرئيسان "جيانغ زَمين" و"هو جينتاو" اللذان خلفاه في المنصب، حيث وسَّع الرجلان بسرعة من دور السوق في الاقتصاد المحلي الصيني، وتبنَّى كلاهما سياسة خارجية عظَّمت مشاركة الصين في النظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

لقد كتب شي نهاية مفاجئة لهذا النمط من الحُكم البراغماتي غير الأيديولوجي، واستبدل به شكلا جديدا من الوطنية الماركسية التي ترسم اليوم مضمون وملامح سياسة الصين واقتصادها وسياستها الخارجية. ولا يبني شي محض قلعة نظرية في الهواء من أجل تسويغ القرارات التي يتخذها الحزب الشيوعي الصيني لاعتبارات أخرى أكثر عملية، بل إن الأيديولوجيا في عصر شي هي التي تقود السياسات وليس العكس.

لقد دفع شي بالسياسة نحو اليسار اللينيني، وبالاقتصاد نحو اليسار الماركسي، وبالسياسة الخارجية نحو اليمين القومي، وأعاد التأكيد على نفوذ الحزب الشيوعي الصيني وسيطرته على كل مجالات السياسات العامة والحياة الخاصة، وبثَّ الحياة في الشركات المملوكة للدولة، ووضع قيودا جديدة على القطاع الخاص. وبالتزامن مع ذلك، أذكى شي القومية بانتهاج سياسة خارجية أشد حزما، يدعمها إيمان ماركسي بأن التاريخ منحاز إلى الصين بشكل لا رجعة فيه، وأن عالما مُرتكِزا إلى القوة الصينية يُفضي إلى نظام دولي أكثر عدلا. باختصار، ودون ذرة مبالغة، يُمثِّل صعود شي عودة الإنسان الأيديولوجي.

إن هذه التحوُّلات الأيديولوجية ليست مجرد عودة إلى عصر ماو، إذ أن رؤية شي أكثر تعقيدا من رؤية ماو، فهي تمزج الأيديولوجيا العقائدية القُح بالبراغماتية التكنوقراطية. لعل تصريحات شي عن التاريخ والقوة والعدالة تثير لدى المستمع الغربي شعورا بكونها غير ذات أهمية أو تأثير، ولكن الغرب يُلقي بنفسه في التهلكة إنْ تجاهل رسائل شي الأيديولوجية. فمهما كانت درجة التجريد والغرابة في أفكار الرجل، إلا إنها ذات أثر هائل على مضمون السياسة والدبلوماسية الصينية في أرض الواقع، وبالتبعية على بقية العالم ما دام صعود الصين مُستمرا.

 

رجل الحزب

مصدر الصورة
كتابات شي النظرية المنشورة أوسع نطاقا بكثير من كتابات أي زعيم صيني منذ مؤسس الجمهورية ماو (أسوشيتد برس)

"إن العدالة في صف الحزب الشيوعي الصيني".

شي جين بينغ

مثله مثل كل الماركسيين اللينينيين، يبني شي فكره استنادا على المادية التاريخية (وهي رؤية للتاريخ تُركِّز على حتمية التقدُّم من خلال الصراع الطبقي المستمر) والمادية الجدلية (وهي رؤية للسياسة تُركِّز على طبيعة التغيُّر حين تصطدم قوى عديدة ببعضها حتى تظهر تسوية من ثنايا صراعها). في كتاباته المنشورة، يُطبِّق شي المادية التاريخية كي يصنع للثورة الصينية موقعا من التاريخ العالمي، وذلك في سياق تتحرَّك فيه الصين نحو مرحلة متطورة من الاشتراكية بالتزامن مع تدهور النُظُم الرأسمالية.

وعبر منظور مادي جدلي، يُظهِر شي أجندته بوصفها خطوة إلى الأمام في صراع محموم بين الحزب الشيوعي الصيني مع خصومه الرجعيين داخل الصين (وهم القطاع الخاص المُغتَر بنفسه، والمنظمات المدنية المتأثرة بالغرب، والحركات الدينية) وخارج الصين (مُمثلا في الولايات المتحدة وحلفائها).

تبدو تلك المفاهيم غامضة ومُبهَمة لمن هُم خارج الصين، إلا أن نُخَب الحزب الشيوعي وكبار المسؤولين الصينيين يأخذونها على محمل الجد، وكذلك أساتذة العلاقات الدولية الذي يقدمون مشورتهم للحكومة الصينية. إن كتابات شي النظرية المنشورة أوسع نطاقا بكثير من كتابات أي زعيم صيني منذ مؤسس الجمهورية ماو، وفي الوقت نفسه، يعتمد الحزب الشيوعي الصيني على نوعية المشورة الإستراتيجية والاقتصادية التي عادة ما تُوجِّه النظم السياسية الغربية.

ولكن في داخل النظام الصيني، لا تزال الماركسية-اللينينية هي المنبع الرئيس لرؤية تضع الصين في كفة التاريخ الراجحة، وتُظهِر الولايات المتحدة بوصفها بلدا يصارع سكرات الموت الحتمي لنظامه الرأسمالي، ويُستنزَف بسبب تناقضاته السياسية الداخلية، ومن ثمَّ يتجه إلى السقوط لا محالة. وهذه -في نظر شي- هي النهاية الحقيقية للتاريخ.

بعد خمسة أشهر فحسب على تعيينه أمينا عاما للحزب الشيوعي، ألقى شي خطابا أمام المؤتمر المركزي للأيديولوجيا والدعاية عام 2013، وهو تجمُّع لكبار قادة الحزب في بكين. ولم يُنشَر محتوى الخطاب في حينه، لكنه سُرِّب بعد ثلاثة أشهر ونشرته صحيفة "تشاينا ديجيتال تايمز". ويقدم لنا الخطاب صورة ناصعة لمعتقدات شي السياسية الدفينة، حيث يستغرق الرجل في الحديث عن مخاطر التدهور الأيديولوجي الذي أدى إلى انهيار الشيوعية السوفيتية، ودور الغرب في إذكاء الانقسامات الأيديولوجية داخل الصين.

"إن تفكُّك أي نظام سياسي يبدأ عادة من الأيديولوجيا. ويُمكن للاضطراب السياسي وتغيُّر النظام أن يحدث في يوم وليلة، لكن التطوُّر الأيديولوجي عملية طويلة الأمد، فما إن تُخترَق المتاريس الأيديولوجية حتى تتهاوى بقية الدفاعات"، هكذا تحدَّث شي مُحذِّرا مُستمعيه، ومُطمئنا إياهم في الوقت ذاته إلى أن "العدالة في صفِّ الحزب الشيوعي الصيني"، قبل أن يحُثَّهم على ألا "يتراجعوا أو يخجلوا، وأن يتكلموا دون مواربة" في التعامل مع الدول الغربية، التي يكمُن هدفها على حد وصفه في "منافستنا في ساحات المعارك من أجل الظفر بقلوب الناس والجماهير، ثم إسقاط قيادة الحزب الشيوعي الصيني والنظام الاشتراكي في الصين".

وقد أكَّد شي أيضا سيطرة الحزب على جيش التحرير الشعبي، والشرطة الشعبية المُسلحة، وجهاز الرقابة والأمن السيبراني المركزي الصيني. وأخي ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا