حدد باحثون، بعد عقود من الغموض، الجين المسؤول عن العيوب الخلقية التي تحدث في قلوب الأطفال المصابين بمتلازمة داون ، وأثبتوا أن إصلاحه يمنع هذه المشكلة لدى الفئران.
أجرى الدراسة علماء من معاهد غلادستون في الولايات المتحدة ، ونشرت نتائجها في مجلة نيتشر في 22 أكتوبر/تشرين أول الجاري، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.
يعاني نحو نصف الأطفال المولودين بمتلازمة داون من عيوب خلقية في القلب، وغالبا ما تتضمن تشوهات خطِرة تتطلب جراحة في الأشهر الأولى من الحياة.
بعد عقود، عرف العلماء أن وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21 -السبب الجيني لمتلازمة داون- هو المسؤول، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد الجينات التي تسبب مشكلات القلب.
استخدم الباحثون علم الخلايا الجذعية والذكاء الاصطناعي لاكتشاف، أن جينا يسمى إتش إم جي إن 1 (HMGN1) يعطل آلية تجميع الحمض النووي وتنظيمه، ويمكن أن يؤثر على مئات الجزيئات الأخرى المشاركة في نمو القلب السليم.
عندما أزال الفريق النسخة الإضافية من إتش إم جي إن 1 من الفئران المصابة بمتلازمة داون، لم تعد هذه الحيوانات تصاب بعيوب القلب.
يقول طبيب قلب أطفال في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو ديباك سريفاستافا، ورئيس مركز غلادستون: "قد تمهّد هذه المعرفة الجديدة الطريق لعلاج يساعد على الوقاية من تشوهات القلب لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة داون والعيوب القلبية المرتبطة بها، وهو ما سيمثّل مكسبا كبيرا للمرضى وعائلاتهم".
تعدّ متلازمة داون أكثر اضطرابات الكروموسومات شيوعا، حيث تصيب واحدا من كل 700 طفل. وتعرف أيضا باسم التثلث الصبغي 21، وينتج عن وجود ثلاث نسخ من الكروموسوم 21 بدلا من نسختين.
يؤدي هذا الكروموسوم الإضافي إلى زيادة خطر الإصابة بالعديد من المشكلات الصحية، وتعدّ مشكلات القلب من أكثرها شيوعا.
يزيد احتمال الإصابة بعيوب القلب الخلقية -وهي عادة ثقب في جدار حجرات القلب- بمقدار 40 إلى 50 مرة لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة داون مقارنة بعامة البشر.
عمل الباحثون على خلايا من أشخاص مصابين بمتلازمة داون الفسيفسائية وهي حالة نادرة تحتوي فيها بعض خلايا الجسم على ثلاث نسخ من الكروموسوم 21، بينما تحتوي خلايا أخرى على النسختين المعتادتين.
لا تظهر على الأفراد المصابين بمتلازمة داون الفسيفسائية سمات متلازمة داون، لكنهم معرضون لخطر كبير في إنجاب أطفال مصابين بهذه الحالة.
أخذ العلماء عينات خلايا من الأفراد ذوي التركيب الفسيفسائي وحولوها إلى خلايا قلب في المختبر.
وقال سريفاستافا: "جاءت لحظة الاكتشاف عندما وجدنا فرقا ملحوظا في خلايا القلب التي تحتوي على ثلاث نسخ من الكروموسوم 21، مقارنة بتلك التي تحتوي على نسختين. وهذا جعلنا نتساءل عن الجين الموجود على الكروموسوم الذي يسبب هذا التحول الجذري في الخلايا".
باستخدام تقنية كريسبر التي تمكّن من دفع الجينات بدقة إلى نشاط أعلى قليلا، عزز الباحثون مستويات كل جين من الجينات المرشحة على الكروموسوم 21.
فعّل الباحثون الجينات، واحدا تلو الآخر، في خلايا سليمة تحتوي على نسختين طبيعيتين من الكروموسوم، متسائلين عما إذا كان أي منها قادرا على محاكاة المشكلة التي تلاحظ في خلايا التثلث الصبغي.
استخدم الباحثون خوارزمية ذكاء اصطناعي لنمذجة الاختلافات بين خلايا القلب السليمة وتلك المصابة بمتلازمة داون.
بمجرد أن حدد العلماء جين إتش إم جي إن 1، انتقلوا إلى التحقق من صحة التنبؤ من دراسات على الحيوانات.
وأظهر الفريق -في نموذج لفئران مصابة بمتلازمة داون- أن تقليل عدد نسخ إتش إم جي إن 1 إلى نسختين أعاد نمو القلب الطبيعي.
يعتقد العلماء أنه على الرغم من أن ارتفاع مستويات جين إتش إم جي إن 1 ضروري لعيوب القلب، إلا أنه من المرجح أن تكون جينات أخرى متورطة أيضا، بما فيها جين يسمى دي واي آر كيه 1 (DYRK1).
يختبر الفريق الآن ما إذا كان الجمع بين هذين الجينين كافيا للتسبب في عيوب قلبية لدى الفئران، وقد تفتح هذه النتائج الجديدة الباب يوما ما لعلاجات تقلل من نشاط الجينات المسؤولة عن ذلك، ربما من خلال علاج يعطى للأم.
المصدر:
الجزيرة