يُصنّف 12 بالمئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و17 عاماً في ألمانيا أنفسهم على أنهم يعانون من مشاكل في الصحة النفسية، بينما يرى 9% آخرون أنفسهم على حافة هذا الشعور. كانت هذه نتيجة استطلاع شامل للطلاب أُجري عام 2024.
ونادراً ما توجد دراسات موثوقة طويلة الأمد حول الصحة النفسية للأطفال في ألمانيا، ويُقدّر جوليان شميتز، معالج الأطفال والمراهقين، أن حوالي واحد من كل عشرة أطفال يعاني من اضطرابات القلق.
يقول جوليان شميتز في الفيلم الوثائقي العلمي "هل يحتاج طفلي إلى علاج؟" الذي بثته قناة ARD الألمانية: "من الطبيعي تماماً أن يشعر الأطفال بالقلق والخوف. في نمو الأطفال، هناك مراحل متكررة يطور فيها الكثيرون مخاوف نموذجية"، كما يوضح شميتز.
مثلاً، يتفاعل الرضع حديثي الولادة بخوف مع الأصوات العالية المفاجئة، وبعدها يتطور لديهم قلق الانفصال، حيث يستطيعون التمييز بين الأشخاص المألوفين وغير المألوفين ويتفاعلون بخوف تجاههم.
أما في مرحلة ما قبل المدرسة، فيخاف الأطفال من الظلام أو الوحوش ، وهو تعبير عن خيالهم المتنامي. وفي سن المدرسة، يمكنهم التمييز بشكل أفضل بين الواقع والخيال. تهيمن المخاوف الحقيقية، مثل مخاوف الكوارث الطبيعية أو أزمة المناخ أو الحروب. يضاف إلى ذلك مخاوفهم من الحصول على درجات سيئة ومن التنمر.
تشير المخاوف المختلفة إلى تحولات في نمو الطفل، كما أنها تشجع على التكيف وتساعد على التأقلم مع الأشياء الجديدة. وحسب تقرير حول الموضوع نشرته صحيفة تاغس شاو الألمانية، فإنه ليس من السهل تحديد متى تتجاوز مخاوف الطفل المعدل الطبيعي، كما يقول المعالج النفسي شميتز: "يجب أن تقلق إذا كان الخوف شديداً للغاية واستمر لفترة طويلة، أو إذا توقف الطفل عن ممارسة الأنشطة التي كان يستمتع بها سابقاً بسبب هذه المخاوف".
ويشير الخبراء إلى أنه إذا انسحب الطفل لأسابيع أو حتى أشهر، فإن هذه تعد علامة تحذير. في هذه الحالة، يُنصح بالتحدث مع معالج نفسي متخصص، كما يمكن أن يشير الصداع وآلام المعدة أيضاً إلى القلق، خاصة قبل الذهاب إلى المدرسة.
تختلف الآراء، حتى بين الخبراء، حول التأثير الفعلي للآباء على مخاوف أطفالهم. ينتقد عالم النفس والمؤلف روديغر ماس الإفراط في حماية الآباء لأطفالهم . يوضح ماس: "يمكن وصفهم أيضًا بـ"آباء جزازة العشب"، وأضاف: "أجزّ كل شيء حتى لا يتعثر طفلي، أحاول تنظيف كل شيء مسبقًا".
ووفقاً لماس، فإن هذا الحذر قد يُشعر الآباء أطفالهم بأن العالم مليء بالمخاطر، وهذا يُثير الخوف . يرى ماس أن اللوم لا يقع على الآباء أنفسهم، بل على المجتمع. يقارن الآباء أنفسهم بشكل متزايد بآباء آخرين، ويتعرضون لضغوط اجتماعية للإفراط في حماية أطفالهم .
لكن المسؤولية لا تقع على عاتق الوالدين فقط، كما يقول جوليان شميتز: "تُظهر الأبحاث أن مشاكل الصحة النفسية لا تنشأ أبداً لسبب واحد. فبالإضافة إلى الوالدين، تلعب تجارب التعلم والبيئة الاجتماعية والعوامل الوراثية دوراً أيضاً".
تحرير: عماد حسن