اكتشف فريق بحثي بقيادة مات فريدمان، عالم الحفريات في جامعة ميشيغان ومدير متحف علم الحفريات فيها، أقدم دليل على بنية عضوية شبيهة باللسان لدى سمكة منقرضة تُعرف باسم "Platysomus"، عاشت قبل نحو 310 ملايين سنة.
هذه البنية، المسماة "العضة اللسانية"، مثّلت ابتكارًا جوهريًا في طريقة تناول الأسماك لطعامها ومعالجته، إذ استخدمت السمكة عظام الخياشيم كآلية جديدة للسحق والطحن.
عاشت سمكة Platysomus في العصر البنسلفاني، في وقت كانت فيه الأسماك شعاعية الزعانف تختبر استراتيجيات مختلفة للبقاء، بما في ذلك طرق التغذية. وقد كشف فريدمان وزملاؤه أنّ السمكة امتلكت صفيحة من الأسنان مثبتة بعظام مفصلية تدعم الخياشيم، تقع في أرضية الفم وتضغط على صفيحة مقابلة أعلاها، لتعمل مثل اللسان.
هذا التكيّف جعل Platysomus أول نوع معروف يطوّر مثل هذه البنية، التي ستعود لاحقًا للظهور في مجموعات أخرى من الأسماك في مسار تطوري متقارب.
ويقول فريدمان: "أحد أقوى ما نملكه لفهم التطور هو التكيف. هذه المجموعة المنقرضة من الأسماك اكتشفت هذه الحيلة، وتكرّر ظهورها لاحقًا في مجموعات مختلفة. تكرار التكيف نفسه أكثر من مرة يخبرنا بالكثير عن مسارات التطور وقيوده".
نُشرت الدراسة في مجلة "بيولوجي ليترز" بدعم من المؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة.
معنى اسم Platysomus هو "مسطح الجسم"، وبالفعل كان شكلها يطرح تحديات أمام العلماء. عند موتها ودفنها في الطين، غالبًا ما كانت الأجساد تستلقي على أحد الجانبين، ما يحجب تفاصيل البنى الداخلية بفعل الضغط أثناء التحجر. ويشير فريدمان: "تبدو مثل سمكة الملاك، لكنها حين تتحجر، فيصعب استخراج تفاصيل دقيقة من هياكلها".
لذلك، كرّس فريدمان سنوات من عمله للبحث في مجموعات المتاحف عن رؤوس محفوظة ثلاثية الأبعاد. رؤوس الأسماك، وفق قوله، "أهداف جيدة" لأنها معقدة ومليئة بالوصلات التي تساعد في إعادة بناء التاريخ التطوري . وخلال فحص أحافير بتقنية التصوير المقطعي المحوسب في متحف بريطاني، لفتت انتباهه هياكل خياشيم غير عادية في رأس Platysomus غير مسطح، لتكشف لاحقًا عبر التشريح عن الصفائح السنية التي شكّلت دليلًا على العضة اللسانية.
الأسماك المعاصرة الأقرب إلى Platysomus في امتلاك صفائح عضّ مشابهة هي سمكة "bonefish"، التي تعيش في المياه الاستوائية وشبه الاستوائية وتتغذى على فرائس صلبة مثل السرطانات البحرية. هذا الرابط بين الماضي والحاضر يعزز فهم الباحثين لمسارات التطور المتقارب.
كما يبرز الاكتشاف أهمية مجموعات المتاحف ، إذ إن الحفرية التي قادت إلى هذا الكشف جُمعت على الأرجح قبل أكثر من 120 عامًا ولم يتمّ فحصها بعمق من قبل. ويعلّق فريدمان: "هناك تصور بأن عالم الحفريات لا بد أن ينقب بنفسه عن أحافير جديدة، لكن كثيرًا من الكنوز العلمية موجودة أصلًا في المتاحف، ومع التقنيات الحديثة نستطيع استخراج أسرار لم يكن الوصول إليها ممكنًا من قبل".