تؤكد مجلة "أنتربرينيور" في تقرير للخبير برادلي جورج أن السؤال الأهم عند التفكير في إطلاق مشروع ناشئ ليس "كيف أبدأ؟"، بل "هل يجب أن أبدأ أصلًا؟".
فغالبا ما يدفع الحماس روّاد الأعمال إلى تصميم منتجات، وتطوير نماذج أعمال، وحتى البحث عن تمويل خارجي، دون أن يتحققوا أولًا من وجود سوق حقيقية تحتاج إلى هذه المنتجات والخدمات ومستعدة للدفع مقابل الحصول عليها.
وتشير بيانات منصة "سي بي إنسايتس" البحثية إلى أن 42% من الشركات الناشئة تفشل لأن منتجاتها ببساطة لا يحتاجها أحد، أو على الأقل لا أحد مستعدا لدفع المال لشرائها. وهذا يجعل البحث السوقي المبكر خطوة وقائية تحمي رائد الأعمال من إخفاق مكلف، ومن الاستنزاف العاطفي والمالي في فكرة غير قابلة للحياة.
هذه ليست مبالغة، فوفقا لتقارير مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" فإن الميل الطبيعي للمؤسسين هو "الانحياز للفكرة"، مما يؤدي إلى تجاهل المؤشرات السلبية، أو قراءة الواقع بعيون متفائلة أكثر من اللازم.
لذلك، يوصي الخبراء بالتحقق من الفكرة ميدانيا قبل رصد الموارد، وفي هذا السياق نستعرض 3 مؤشرات جوهرية تُعد حجر الزاوية في تقييم أي مشروع ناشئ قبل اتخاذ قرار الانطلاق.
ترى مجلة "أنتربرينيور" (رائد الأعمال)، في تقرير نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أن تحديد العميل هو أول اختبار حقيقي لجدوى الفكرة: من الذي يعاني فعليا من المشكلة؟ ومن الذي يرى أنها تستحق المال لحلها؟ ليس كل من يُبدي إعجابا بالفكرة يُعد زبونا، فالعميل الحقيقي هو من يقول "أحتاج هذا الحل الآن"، ويبرهن على ذلك بالدفع.
وتقول جامعة "ستانفورد" الأميركية ضمن منهجية "تطوير العملاء" إن السوق تُعرّف عبر الدافع والرغبة والقدرة على الدفع، وليس عبر العمر أو المهنة أو الموقع الجغرافي فقط، وتساعد الديمغرافيا في التسويق.
المثال الذي أوردته مجلة "أنتربرينيور" حول مصنع الشاحنات الروسي في تسعينيات القرن الماضي يؤكد الفكرة، فوجود مشكلة عدم كفاءة الوقود لا يعني وجود استعداد للدفع إذا كان الوقود رخيصا ولا يوجد اهتمام بانبعاثات الغاز، والنتيجة: لا يمكن بناء سوق على هذا الأساس.
وبذلك، فإن نجاح أي مشروع يبدأ من الإجابة الصريحة عن سؤال أساسي: هل هناك عدد كافٍ من الأشخاص أو الشركات يشعرون بالمشكلة لدرجة أنهم سيسددون مقابل حلّها؟
وتُشدد مجلة "أنتربرينيور" على أن كثيرا من المشاريع الناشئة تفشل لأنها تبني خصائص ومنتجات رائعة ولكن لا أحد يريدها. ولتجنب هذه المعضلة يجب دراسة كيفية تعامل العملاء مع المشكلة اليوم، فإذا كانوا لا يحاولون حلها أصلا، أو يحلونها بطريقة بديلة زهيدة التكلفة، فقد تكون المشكلة غير مؤلمة بما يكفي.
ويشير تقرير مشروع الجينوم للشركات الناشئة إلى أن الشركات تفشل عندما تُركّز على ما يراه المؤسس مهما، بدلا مما يراه العميل ضروريا، لذلك يجب أن يسأل رائد الأعمال: لماذا سيتخلى العميل عن طريقته الحالية؟ ما الذي يريده أن يتحسن؟ ما القيمة التي سيحصل عليها؟ هل هي توفير المال أم الوقت، الجهد، الراحة، أو المكانة الاجتماعية؟
وبتحليل هذه الدوافع، يمكن تمييز الخاصية التي تُغيّر قرار الشراء عن تلك التي لا تضيف شيئا سوى تكلفة تطوير إضافية. هذه الخطوة تضمن أن المنتج المستقبلي لا يصبح "ثقيل الميزات وقليل القيمة"، وهو خطأ شائع جدا بحسب مراجعة الأعمال التابعة لجامعة "هارفارد" الأميركية.
منهجية "الشركة الناشئة المرنة" التي طورها رائد الأعمال الأميركي المعروف "ستيف بلانك" تُعد مرجعا عالميا، لأنها تتأسس على مبدأ واحد هو أن "الأجوبة الصحيحة تأتي من السوق، وليس من غرفة الاجتماعات".
هنا يصبح سؤال "لماذا؟" هو المفتاح، لماذا دفع هذا الشخص؟ لماذا لم يدفع ذاك؟ لماذا هذا العنصر مهم؟ لماذا هذا الحل مقنع؟ لماذا التغيير الآن؟
هذا السؤال يكشف ما إذا كان العميل متحمسا فعليا أم أنه يُجامل، الباحثون في ريادة الأعمال يؤكدون أن الناس قد يوافقون على الفكرة من باب اللطف الاجتماعي، لكن عندما نطلب تبريرا منطقيا تهتز القناعة المصطنعة فورا.
ورغم أن الحديث مع غرباء وجمع البيانات الميدانية قد يكون مرهقا وغير مريح، فإن مجلتي "أنتربرينيور" و"هارفارد بزنس ريفيو" تتفقان على أن هذا الجهد المبكر يُعد أعظم استثمار في مرحلة ما قبل الإطلاق، لأنه يمنح رائد الأعمال القدرة على اتخاذ قرار رشيد مبني على حقيقة السوق، لا على التوقعات.
وتلخص مجلة "أنتربرينيور" الدرس ببساطة في أن الفكرة لا تكون عظيمة إلا عندما تجد من يدفع مقابلها.
فالتحقق من جدوى الفكرة قبل تطويرها يحميك من الدخول في مشروع قائم على توقعات غير واقعية، فإذا تأكدت من وجود زبون لديه حاجة ملحّة، واستعداد واضح للدفع، ودافع منطقي وراء قراره، فقد وضعت قدمك على الطريق الصحيح نحو مشروع قابل للنمو والنجاح.
وأما إذا لم تتضح هذه المعطيات بعد بحث صادق ومتعمّق، فقد تكون أفضل خطوة تقوم بها الآن هي التراجع المؤقت عن المشروع، من أجل اكتساب رؤية أوضح بدلا من التقدم السريع نحو خسارة مؤكدة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة