بينما يطوي النظام التجاري العالمي أحد أكثر أعوامه تحولا خلال قرن، يدخل عام 2026 محملا بمخاطر إضافية تهدد الاستقرار و النمو، في ظل تصاعد الحمائية، وإعادة تشكيل سلاسل الإمداد، واهتزاز اتفاقيات تجارية كبرى، وفق تحليل موسع نشرته وكالة بلومبيرغ.
ورغم صمود التجارة السلعية عالميا نسبيا خلال 2025، فإن المؤشرات الكامنة تكشف عن اختلالات متزايدة، قد تجعل 2026 عاما آخر من الاضطراب، لا سيما مع بدء مراجعة اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، واستمرار تداعيات الرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وغياب آليات إنفاذ واضحة في عدد من التفاهمات التجارية الحديثة.
وتشير بيانات نقل بحري -استشهد بها خبير الشحن جون ماكاون- إلى أن كميات الحاويات عالميا ارتفعت بنسبة 2.1% في أكتوبر/تشرين الأول مقارنة بالعام السابق، مما يعكس مرونة ظاهرية في التجارة الدولية.
غير أن هذه الصورة تخفي تباينات حادة، إذ سجلت الولايات المتحدة انكماشا بنسبة 8% في الواردات، مقابل نمو قوي في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية والهند.
وكتب ماكاون أن "سلاسل الإمداد العالمية بدأت فعليا بالتكيف وإعادة تشكيل أنماط التجارة"، معتبرا أن ما شهده عام 2025 من تصاعد للرسوم قد يجعل 2026 "عام تداعيات الرسوم"، مع انتقال آثارها من الأرقام إلى البنية الفعلية للتجارة.
ومن أبرز محطات 2026 المرتقبة بدء الولايات المتحدة وكندا والمكسيك مراجعة اتفاقية "أميركا الشمالية للتجارة الحرة" التي دخلت حيز التنفيذ عام 2020.
وقال الممثل التجاري الأميركي جيمسون غرير إن هذه المراجعة "تأخذ الدول الثلاث إلى أراضٍ جديدة"، مشيرا إلى تلقي أكثر من 1500 مداخلة خلال فترة التعليقات العامة.
وأوضح غرير أن "كثيرين دعموا الاتفاق ودعوا إلى تمديده، لكن الغالبية طالبت أيضا بتحسينه"، محذرا ضمنيا من أن أي تعديل قد يأتي على حساب طرف آخر، في وقت تعاني فيه صناعات كندية ومكسيكية من الرسوم الأميركية.
وتزداد التوترات مع كندا، بعد أن أنهت واشنطن محادثات تجارية معها في أكتوبر/تشرين الأول ردا على حملات إعلامية مناهضة للرسوم.
ويتوقع خبراء الشحن أن يواجه عام 2026 صدمتين محتملتين في سلاسل الإمداد:
كما أن الهدنة التجارية مع الصين لا تتجاوز عاما واحدا، مما يترك أكبر علاقة تجارية غير متوازنة في العالم من دون حل جذري.
وقد بدأت هذه الهشاشة بالظهور، مع ضغوط صينية على دول مثل ماليزيا وكمبوديا بسبب اتفاقات مع واشنطن، وتعثر مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والهند، وسط تهديدات أميركية بالرد على ما تعتبره "تنظيما مفرطا" للتكنولوجيا الأميركية.
ويزيد الغموض مع ترقب قرار المحكمة العليا الأميركية بشأن قانونية الرسوم "المتبادلة" التي فرضها ترامب، وفي حال خسرت الإدارة القضية، قد تُطرح مسألة إعادة مليارات الدولارات من الرسوم للمستوردين الأميركيين، رغم تشكيك مسؤولين في إمكانية تنفيذ ذلك عمليا.
وقال كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، إن فرض عمليات رد واسعة "غير مرجح إداريا"، في حين تُقدر أسواق المراهنات احتمال خسارة ترامب للقضية بنحو 75%، مما يعني لجوء الإدارة إلى أدوات أخرى لفرض الرسوم.
وفي ظل هذا المشهد، خلصت وكالة بلومبيرغ إلى أن عام 2026 لا يبدو أقرب إلى التهدئة، بل إنه مرشح لأن يكون عاما آخر من إعادة رسم التجارة العالمية، في بيئة تتآكل فيها القواعد التقليدية، وتتقدم فيها السياسة على منطق السوق.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة