بعد سنوات من التجاذب السياسي والأمني بين واشنطن وبكين، وبعد تهديدات متكررة بحظر أحد أكثر التطبيقات انتشارا في الولايات المتحدة ، دخل ملف تيك توك مرحلة حاسمة مع توقيع اتفاقيات ملزمة لتأسيس مشروع مشترك جديد يتولى إدارة أعمال التطبيق داخل السوق الأميركية.
وتمثل الخطوة محاولة أخيرة لتفكيك العقدة التي ربطت بين المخاوف الأميركية من الأمن القومي، والاعتبارات التجارية والسياسية المرتبطة بشركة بايت دانس الصينية، المالكة للتطبيق.
ولا يقتصر ثقل الصفقة على أبعادها الاقتصادية، بل يمتد إلى كونها اختبارا لقدرة الولايات المتحدة على فرض شروطها على شركات التكنولوجيا الأجنبية من دون الإضرار بجاذبية سوقها الرقمية، في وقت بات فيه تيك توك جزءا راسخا من المشهد الثقافي والاقتصادي الأميركي، مع أكثر من 170 مليون مستخدم نشط. وبينما تُقدَّم الصفقة رسميا بوصفها تخارجا صينيا، تكشف تفاصيلها عن صيغة أكثر تعقيدا تُبقي على خيوط ارتباط حساسة، خصوصا في ما يتعلق بالخوارزميات والربحية.
وأعلنت شركة بايت دانس المالكة لتطبيق تيك توك توقيع اتفاقيات ملزمة مع 3 مستثمرين رئيسيين لتأسيس مشروع مشترك يدير أعمال التطبيق في الولايات المتحدة، في محاولة أخيرة لتجنّب حظر حكومي طال التهديد به منذ سنوات. وتمثل الصفقة نقطة تحوّل لتطبيق يستخدمه بانتظام أكثر من 170 مليون أميركي، بعد صراع سياسي وقانوني بدأ منذ أغسطس/آب 2020.
وتتطابق تفاصيل الاتفاق مع الإطار الذي أُعلن في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما أرجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ قانون "البيع أو الحظر" حتى 20 يناير/كانون الثاني، ضمن مساعٍ لفصل أصول تيك توك الأميركية عن المنصة العالمية.
ووفق بايت دانس سيملك مستثمرون أميركيون وعالميون 80.1% من الكيان الجديد، بينما تحتفظ هي بحصة 19.9% بعد إتمام التخارج. وأكد شو زي تشو، الرئيس التنفيذي لتيك توك، أن المشروع المشترك سيعمل ككيان مستقل يتمتع بصلاحية الإشراف على حماية البيانات في الولايات المتحدة، وأمن الخوارزميات، ومراقبة المحتوى، وضمان جودة البرمجيات.
وتضم قائمة المستثمرين كلا من أوراكل، وسيلفر ليك، وإم جي إكس، مع حصة مجمّعة تبلغ 45%، بحسب مذكرة داخلية، ومن المقرر إتمام الصفقة في 22 يناير/كانون الثاني 2026.
وبحسب المعلومات سيُدار المشروع الجديد من خلال مجلس إدارة من 7 أعضاء بأغلبية أميركية، وسيتولى الكيان الأميركي الإشراف الكامل على حماية البيانات، وإدارة المحتوى، وأمن الخوارزميات داخل البلاد.
وفي المقابل، ستستمر كيانات تيك توك العالمية في الولايات المتحدة بإدارة بعض الأنشطة العابرة للحدود، بما في ذلك التجارة الإلكترونية والإعلان والتسويق، وفق ما أوضحه شو تشو للموظفين.
وتُقدَّر قيمة عمليات تيك توك في الولايات المتحدة بنحو 14 مليار دولار، وفق الإطار الذي أعلنه البيت الأبيض في سبتمبر/أيلول.
أحد أكثر جوانب الصفقة حساسية، بحسب وكالة بلومبيرغ، يتعلق بخوارزميات التوصية التي تُعد جوهر نموذج أعمال تيك توك. فبموجب الصيغة المطروحة، يُتوقع أن ترخّص بايت دانس تقنيتها القائمة على الذكاء الاصطناعي للكيان الأميركي الجديد، الذي سيستخدمها لإعادة تدريب نظام جديد على بيانات أميركية مؤمّنة عبر أوراكل، الشريك السحابي للتطبيق.
غير أن هذا الترتيب أثار انتقادات داخل الولايات المتحدة، إذ يرى بعض المشرعين، بمن فيهم أعضاء من حزب ترامب نفسه، أن استمرار أي دور لبايت دانس قد لا يفي بمتطلبات قانون الأمن القومي الذي أُقر في 2024، ونص على عدم وجود علاقة تشغيلية بين تيك توك الأميركية والشركة الأم الصينية.
وعلى الرغم من توقيع الاتفاقيات، تشير بلومبيرغ إلى أن الجهات التنظيمية الصينية لم تعلن بعد ما إذا كانت ستوافق على الصفقة، ما يترك الباب مفتوحا أمام تعقيدات سياسية وقانونية إضافية.
ومع ذلك، يرى محللون أن إتمام الصفقة قد يزيل واحدة من أكثر القضايا إزعاجا في العلاقات الأميركية الصينية، ويمثل تقدما محدودا في مفاوضات أوسع بين البلدين.
وتلفت وكالة رويترز إلى أن ترامب نسب في أكثر من مناسبة جزءا من فوزه بولاية رئاسية ثانية إلى الانتشار الواسع لتيك توك، إذ يتابعه أكثر من 15 مليون مستخدم على حسابه الشخصي، في حين أطلق البيت الأبيض حسابا رسميا على المنصة في أغسطس/آب.
وفي موازاة تراجع احتمالات الحظر، واصلت تيك توك توسيع حضورها التجاري والثقافي في الولايات المتحدة، مع دفع قوي نحو التجارة الإلكترونية والبث المباشر، وتنظيم فعاليات كبرى مثل جوائز تيك توك في لوس أنجلوس .
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة