الرباط – ينتظر نحو 7 ملايين من سكان جهة الدار البيضاء ، العاصمة الاقتصادية للمغرب، وصول الماء إلى منازلهم من مصدر غير مألوف هو البحر.
فالبلاد تستعد لإطلاق واحد من أكبر مشاريع تحلية مياه البحر في أفريقيا لإنتاج ما يزيد على 300 مليون متر مكعب سنويا، لتزويد مدينة الدار البيضاء ومدن الجوار بمياه الشرب بدءًا من العام المقبل.
ويشكّل هذا المشروع، الذي يعمل بالكامل بالطاقة النظيفة، حلقة ضمن خطة وطنية واسعة لمواجهة أزمة ندرة المياه التي تفاقمت بفعل توالي سنوات الجفاف واستنزاف الموارد السطحية والجوفية.
وبين المحطات التي دخلت مرحلة الإنتاج وتلك التي لا تزال قيد الإنشاء أو الدراسة، يراهن المغرب على البحر كمصدر مستدام للحياة وكخيار إستراتيجي لتأمين مستقبله المائي.
وبلغ العجز المائي بالمغرب 58%، في حين تراجعت نسبة ملء السدود إلى 30.8% حتى الأسبوع الماضي، في وقت تُفقد فيه حوالي 650 مليون متر مكعب من المياه سنويا بسبب التبخر.
تؤكد وزارة التجهيز والماء للجزيرة نت أن المملكة تواجه آثار التغيرات المناخية على الموارد المائية عبر سياسة وطنية ترتكز على 3 محاور أساسية:
وترى الوزارة أن تحلية مياه البحر أصبحت من أهم البرامج المعتمدة لتنمية الموارد المائية غير الاعتيادية، نظرًا للإمكانات التي تمنحها الواجهتان البحريتان للمملكة لإنجاز محطات قادرة على سد حاجيات مياه الشرب وسقي بعض الأراضي الزراعية.
وتمتد السواحل المغربية على واجهتين بحريتين بطول يقارب 3500 كيلومتر، منها 3 آلاف كيلومتر على المحيط الأطلسي و500 كيلومتر على البحر الأبيض المتوسط .
وفق بيانات الوزارة، تم إنشاء 17 محطة لتحلية مياه البحر تنتج حوالي 350 مليون متر مكعب سنويا، بينما توجد 4 مشاريع قيد الإنجاز بطاقة إنتاجية تقدَّر بـ567 مليون متر مكعب سنويا، إلى جانب 11 مشروعًا مبرمجًا في أفق 2030 لرفع القدرة الإنتاجية الإجمالية إلى 1.7 مليار متر مكعب.
ويرى الخبير في الجغرافيا والتنمية المستدامة ، موسى المالكي، أن السياق الجغرافي والديمغرافي والاقتصادي دفع المغرب إلى الاعتماد على محطات تحلية مياه البحر كخيار إستراتيجي لضمان الأمن المائي.
وأوضح للجزيرة نت أن السياسة المائية الوطنية منذ سبعينيات القرن الماضي كانت ترتكز على بناء السدود، غير أن تزايد عدد السكان وتمركز 63% منهم في المدن الساحلية إضافة إلى النمو الاقتصادي والصناعي، كلها عوامل ضاعفت الضغط على الموارد المائية وفرضت الانتقال إلى مرحلة جديدة في تدبيرها.
أما الخبير في علوم البيئة والتنمية المستدامة فؤاد الزهراني فيؤكد أن تحلية مياه البحر تمثل أحد أهم الحلول الإستراتيجية للمغرب، التي فرضتها الظروف المناخية الصعبة.
وأوضح للجزيرة نت أن هذا الخيار يقلل الاعتماد على الموارد التقليدية ويخفف الضغط عن الفرشة المائية التي تعرضت لاستنزاف كبير في السنوات الأخيرة، كما يتيح تعزيز الاستثمارات الاقتصادية والسياحية والزراعية.
تغطي المحطات المنجزة 6 جهات من بين 12 جهة في البلاد، وتوفر حاجيات نحو 5 ملايين مواطن من الماء الصالح للشرب، وفق بيانات وزارة التجهيز والماء.
ومن أبرز هذه المحطات:
واعتمد المغرب أيضًا تدابير استعجالية من بينها اقتناء 67 محطة متنقلة لتحلية مياه البحر و177 محطة لنزع المعادن من المياه الجوفية الأجاجة (المالحة) خلال 2022 ـ 2025 لتغطية حاجيات القرى والمراكز التي تعاني خصاصا (فقرا) مائيا.
تُنجز حاليًا 4 محطات كبرى لتحلية مياه البحر بطاقة إجمالية تبلغ نحو 567 مليون متر مكعب سنويا.
يرى الخبير فؤاد الزهراني أن الكلفة الطاقية المرتفعة تمثل أبرز التحديات التي تواجه مشاريع التحلية، لكنه يشير إلى إمكانية تجاوزها بالاعتماد على الطاقات المتجددة لتقليص التكلفة والأثر البيئي.
وتوضح وزارة التجهيز والماء أن هذه المشاريع تُنفَّذ ضمن مقاربة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ما يخفف الأعباء المالية المباشرة على الدولة ويتيح الاستفادة من الخبرات التقنية الحديثة والإمكانات التشغيلية المتقدمة، إلى جانب توزيع المخاطر المالية والتشغيلية بين الأطراف.
تحظى مشاريع التحلية بإشراف مباشر من الملك محمد السادس الذي دعا في خطاب عيد العرش العام الماضي إلى تسريع إنجازها بهدف تأمين أكثر من نصف حاجيات البلاد من مياه الشرب بحلول 2030، وبلوغ طاقة إنتاجية تقارب 1.7 مليار متر مكعب سنويا.
ويرى موسى المالكي أن الإشراف الملكي سيسهم في تحويل تحلية مياه البحر إلى صناعة وطنية متكاملة تعتمد على الشركات المغربية والكوادر المحلية، كما أن توجيه استعمال هذه المياه نحو الزراعة يعزز السيادة الغذائية والتنمية المستدامة.
ويؤكد الزهراني بدوره ضرورة اعتماد مقاربة متكاملة تشمل إعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها، كما هو الحال في الدار البيضاء والرباط حيث تُسقى الحدائق بالمياه المعالجة، داعيًا إلى تعميم التجربة على باقي المدن.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة