في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في عالم تتقلب فيه العملات المحلية وتتزايد فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية، اختارت بعض الدول أن تتخلى عن عملتها الوطنية طوعا أو كرها وتتبنى الدولار الأميركي كعملة رسمية أو شبه رسمية.
يعيش ملايين البشر من الإكوادور في أميركا اللاتينية إلى لبنان والصومال على إيقاع "الأخضر" الأميركي، في مشهد يعكس مدى النفوذ المالي للولايات المتحدة وقدرة الدولار على فرض حضوره في الاقتصادات الصغيرة والمتعثرة التي ترزح تحت وطأة الحروب والمشاكل السياسية والاقتصادية.
يُعد الدولار الأميركي العصب المحرك للاقتصاد العالمي، إذ يتغلغل بعمق في شرايين التجارة الدولية والأسواق المالية والنظام النقدي العالمي، فقيمة الدولار لا تقتصر على كونه عملة وطنية للولايات المتحدة، بل تمتد لتشكل معيارا لتسعير السلع الأساسية كالنفط والذهب، ومقياسا لثقة المستثمرين واستقرار الاقتصادات حول العالم.
تنعكس قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشكل مباشر على تدفقات رؤوس الأموال وأسعار الفائدة والتضخم والنمو في مختلف الدول، مما يجعل السياسة النقدية الأميركية ذات تأثير عابر للحدود وفقا لمنصة "أوكس جورنال" (oxjournal.org).
جعل هذا النفوذ من الدولار أداة قوة اقتصادية وجيوسياسية بيد واشنطن ، إذ ترتبط العديد من الاقتصادات النامية والناشئة به بصورة كاملة أو جزئية في ما يُعرف بظاهرة " الدولرة ".
و"الدولرة" تعني استخدام الدولار الأميركي في المعاملات المالية اليومية أو في الاحتياطيات الرسمية إلى جانب العملة المحلية أو بدلا عنها كليا، مما يعكس عمق الثقة بالعملة الأميركية، وفي الوقت نفسه، يكرس التبعية لسياسات الاقتصاد الأميركي.
وفي ظل التوترات الاقتصادية بين واشنطن وبكين، يناقش مسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب مبادرات لتوسيع نطاق "الدولرة" في دول مختارة، من بينها الأرجنتين التي تواجه أزمة نقدية واقتصادية حادة، وذلك لمواجهة محاولات الصين تقويض هيمنة الدولار عبر الترويج لاستخدام اليوان في التجارة العالمية وفقا لتقرير سابق للجزيرة نت.
في هذا التقرير تسلط الجزيرة نت الضوء على أثر الدولار على الاقتصاد العالمي، وكيف يستخدم في التفاعلات المالية العالمية، وأبرز الدول التي تعتمد الدولار كعملة أساسية أو إضافية في اقتصادها.
الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطية الأولى والرائدة على مستوى العالم، ويستحوذ على النصيب الأكبر من احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية، ووفقا لصندوق النقد الدولي ، شكل الدولار نحو 56.32% من إجمالي الاحتياطيات العالمية بنهاية الربع الثاني من عام 2025، متراجعا بمقدار 1.47% مقارنة بالربع الأول من العام.
وعند مقارنته باليورو، الذي يحتل المرتبة الثانية كعملة احتياط عالمية، يتضح الفارق الكبير بينهما، إذ بلغت حصة اليورو نحو 21.13% خلال الفترة نفسها.
ورغم هذا التفوق، سجل مؤشر الدولار الأميركي، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من العملات الرئيسية تشمل اليورو والين والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري، انخفاضا تجاوز 10% خلال النصف الأول من عام 2025، في أكبر تراجع له منذ عام 1973، مما يعكس حجم الضغوط التي يواجهها الدولار في المشهد الاقتصادي العالمي المتغير وفقا لصندوق النقد.
وضع الدولار كعملة احتياط عالمية رئيسية يجعل لقيمته آثارا بعيدة المدى على صحة واستقرار الأسواق المالية الدولية.
وأدى التأثير الهائل للدولار إلى توسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة، وغالبا ما تؤدي "دولرة" الاقتصاد إلى زيادة توافقه مع سياسات ومصالح الولايات المتحدة .
وفي ما يلي كيفية استخدام الدولار الأميركي في التفاعلات المالية العالمية وفقا لشركة "سترايب" (Stripe) وهي شركة تكنولوجيا مالية دولية، تأسست عام 2010 ويقع مقرها الرئيسي في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية.
بسبب هذه القوة الهائلة للدولار الأميركي في الاقتصاد العالمي تختار العديد من الدول استبدال عملتها المحلية بالدولار كوسيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي أو مكافحة التضخم المفرط، وقد تكون هذه العملية سياسة متعمدة أو استجابة طبيعية من السوق عندما تفقد العملة المحلية مصداقيتها وفقا لمنصة "إنفستوبيديا".
ووفقا لشركة "سي إف آي" (CFI) يمكن تنفيذ الدولرة كليا من خلال استبدال العملة المحلية بشكل كلي بالدولار أو جزئيا من خلال استخدام الدولار في المعاملات اليومية والاقتصادية إلى جانب العملة المحلية كما يحدث في العديد من دول العالم حاليا.
تتمتع الدولرة بعدد من المزايا الاقتصادية والمالية المهمة، خاصة بالنسبة للدول الصغيرة أو الأقل نموا، ومن أبرزها وفقا للمصدر السابق:
رغم ما تحققه الدولرة من مزايا اقتصادية في بعض الحالات، فإنها تنطوي على مخاطر جوهرية قد تؤثر سلبا على سيادة الدول واستقرارها المالي. ومن أبرز هذه المخاطر، وفقا للمصدر السابق:
وبناء على ذلك، فإن على الدول التي تفكر في تبني الدولرة الجزئية أو الكاملة دراسة مخاطرها بعناية فائقة، وموازنة مكاسب الاستقرار النقدي المحتمل مقابل فقدان السيطرة على السياسة المالية والنقدية الوطنية.
وفي ما يلي قائمة بأبرز 10 دول وبلدان تستخدم الدولار الأميركي كعملة رئيسية وفقا لمنصة شركة "سترايب" (Stripe) ومنصة "إنفستوبيديا" (Investopedia):
وفي ما يلي قائمة بأبرز 10 دول تستخدم الدولار بشكل جزئي على نطاق واسع إلى جانب عملتها الوطنية على الرغم أنه لم يعلن بشكل رسمي وفقا للمصدرين السابقين:
وختاما، تُعد الدولرة خيارا اقتصاديا معقدا يحمل في طياته مزيجا من الفرص والمخاطر، فهي قد تمنح الدول استقرارا نقديا وجاذبية استثمارية على المدى القصير، لكنها في المقابل قد تُقيد سيادتها النقدية وتعرضها لتبعات اقتصادية خطيرة على المدى الطويل. وعليه، فإن تبني هذه السياسة يتطلب توازنا دقيقا بين تحقيق الاستقرار المالي والحفاظ على الاستقلال الاقتصادي ما أمكن.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة