يمثل قرار وزارة الزراعة العراقية حظر استيراد ما يزيد على 40 صنفا من المحاصيل والمنتجات الزراعية نقطة تحول إستراتيجية في مسار تعزيز الاقتصاد الزراعي المحلي وتحقيق هدف الاكتفاء الذاتي.
ومع ذلك، لم يمر هذا القرار دون أن يثير ردودا متباينة وحادة بين مختصي الشأن الزراعي، فبينما تؤكد وزارة الزراعة العراقية، على لسان مستشارها الدكتور مهدي ضمد القيسي، التزامها بآليات رقابة يومية ودقيقة لأسعار السلع الزراعية لضمان استقرار السوق وحماية المنتج والمستهلك من أي تضخم أو نقص في المعروض، يعرب آخرون، من أعضاء الجمعيات الفلاحية، عن استغرابهم من جدوى هذه التصريحات في ظل غرق الأسواق بالمنتجات المستوردة.
وأكد الدكتور مهدي ضمد القيسي سعي الوزارة لتطبيق آليات صارمة لمنع استيراد عدد من المحاصيل الزراعية والخضر والمنتجات الحيوانية، مشددا على أن الهدف هو تحقيق توازن بين الاستهلاك اليومي والإنتاج المحلي، وضبط الأسعار لمنع ارتفاعها أو انخفاضها على نحو يضر بالمنتجين.
وقال القيسي في حديث للجزيرة نت إن عملية المنع تتم بموجب القوانين النافذة أو التعليمات الممنوحة للوزارة ضمن قوانين الحجر الزراعي أو قانون حماية المنتجات أو التعليمات الصادرة بتخويل من المجلس الوزاري للاقتصاد بموجب الرزنامة الزراعية.
أوضح القيسي أن هناك نوعين من المنع:
وشملت قائمة المواد الممنوعة بصفة دائمة -بحسب القيسي- نباتات الحناء والجت وأجزائهما، جوز الهند وثماره الحاوية على القلف، قصب السكر، الفطر، وشتلات وبذور وبراعم نباتات الخشخاش والقات وعشبة النيل، إضافة إلى التمور غير المعلبة، وفسائل النخيل غير النسيجية أو أجزاء النخلة من البلدان التي تنتشر بها سوسة النخيل الحمراء، وجميع أجزاء الحمضيات (عدا الثمار)، ونباتات القطن (باستثناء تيلة القطن المسموحة)، والمانغو، والجوافة، والقشطة، والزيتون، وجميع أجزاء العنب (باستثناء الثمار).
وفي حال حدوث شحة في المنتج المحلي، يتم فتح باب الاستيراد لفترة محددة بموافقة المجلس الوزاري للاقتصاد للحفاظ على استقرار الأسعار، ثم يعاد المنع عند عودة الإنتاج بوفرة لحماية المنتج الوطني.
أشار الدكتور القيسي إلى أن الوزارة تُلزم بضرورة تسجيل واعتماد التقاوي والبذور -مثل تقاوي البطاطا- لدى اللجنة الوطنية لتسجيل واعتماد وحماية الأصناف الزراعية قبل السماح بدخولها، بهدف حفظ الثروة النباتية وتجنب دخول أصناف رديئة أو مصابة بأمراض.
وأكد أن قانون حماية المنتجات العراقية رقم 11 لسنة 2010 منح المنتج الوطني حماية كمية من خلال فرض رسوم جمركية على المستورد لموازنة الأسعار، بما يحفز القطاع الخاص الوطني على الارتقاء بمنتجه من حيث التصنيع والتعبئة والتسويق للمنافسة على أساس الجودة في السوق.
وشدد القيسي على أن المبدأ الذي تعمل به الوزارة يقوم على تحقيق هدفين رئيسيين:
من جانبه، حذر أحمد العيساوي، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية في العراق، من واقع زراعي "هو الأسوأ" في تاريخ البلاد، معتبرا أن السوق العراقي اليوم أصبح "سوقا متعدد الجنسيات" للخضراوات والفواكه، في إشارة واضحة إلى تدهور الإنتاج المحلي.
وقال العيساوي في حديثه للجزيرة نت إن شح المياه القاتل يمثل "أكبر تحدٍّ" تواجهه الزراعة العراقية، محذرا من أن استمرار هذا الوضع قد يعرقل حتى حصول المواطن على مياه الشرب في المستقبل القريب.
وأعرب عن استغرابه من تصريحات وزارة الزراعة بشأن حظر استيراد 40 محصولا، قائلا: "إذا نزلنا إلى الأسواق، نرى جميع أنواع المحاصيل المستوردة تغرقها، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذا الحظر".
وشدد على أن غياب الحماية الفعلية للمنتج المحلي وعدم تفعيل قانون حماية الإنتاج وضع الفلاح أمام خيارات صعبة، مشيرا إلى أن أسعار بعض المنتجات، مثل صندوق الطماطم الذي وصل إلى أقل من 10 آلاف دينار (نحو 7 دولارات)، تجعل استمرار الفلاحين في الزراعة أمرا شبه مستحيل.
كما انتقد العيساوي ضعف الدعم الحكومي للقطاع، موضحا أن التحديات تتلخص في شح المياه، وعدم حماية الإنتاج المحلي بشكل فعّال، بالإضافة إلى غياب التخطيط والإستراتيجية الواضحة.
وذكر أن الحكومة لم تلتفت إلى "كارثة شح المياه"، ولم تمارس ضغطا كافيا على دول الجوار لتأمين الحصة المائية، كما لم تعمل على تعويض الفلاحين المتضررين في محافظات الوسط المحرومين من زراعة محصول الشلب (العنبر) هذا العام.
وطالب العيساوي الحكومة بتوفير المياه للموسم الزراعي المقبل فورا، والتعامل مع أزمة الشح على أنها "كارثة وطنية" تهدد الأمن الغذائي للعراق.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة