في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تتعمّق الأزمة الاقتصادية في إسرائيل بفعل تداخل التداعيات الأمنية والسياسية والمالية للحرب على غزة، التي تحوّلت إلى زلزال اقتصادي طويل الأمد. وبينما تروّج الحكومة لمرحلة تعافٍ مزعومة، تكشف المؤشرات عن انكماش سريع في النمو وتراجع الثقة الدولية وخروج واسع لرؤوس الأموال والسكان.
وحذّر الخبير عمر فندي، مدير المنتدى العربي الاقتصادي، من استمرار آثار الحرب حتى عام 2035، مع دخول البلاد عقدا من الركود البنيوي غير المسبوق، نتيجة تراجع الاستثمارات وارتفاع كلفة الاقتراض وتضرّر البنية التحتية في الجنوب وسط ضبابية سياسية متفاقمة.
وبحسب فندي، فإن بيانات التضخم المالي في أكتوبر/تشرين الأول أظهرت تراجعا غير متوقع، إلا أنه يرى أن هذا التراجع "سلبي لا إيجابي"، إذ لا يُعبّر عن تحسن اقتصادي بل عن انكماش حاد في الطلب المحلي وتراجع في النشاط التجاري.
ويضيف في حديث للجزيرة أن انخفاض التضخم ناتج عن هبوط قيمة الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار، وتقلّص القوة الشرائية للأسر، وتراجع المبيعات في قطاعات التجزئة والخدمات.
ويؤكد أن الاقتصاد الإسرائيلي يعيش مرحلة "تباطؤ قسري" بفعل تراكم الدين العام وارتفاع معدلات الفائدة التي أعاقت الائتمان وأدت إلى تجميد المشاريع العقارية والاستهلاكية على حد سواء.
في هذا السياق، تكشف الإحصاءات التي أوردها فندي أن 83 ألف عائلة إسرائيلية غادرت البلاد خلال صيف 2025، وهو ما يتسق مع تقارير إسرائيلية داخلية تشير إلى تزايد هجرة الطبقة المتوسطة وأصحاب الكفاءات.
كما تُعرض حاليا أكثر من 80 ألف شقة للبيع دون مشترين، في مشهد يعكس أزمة خانقة في سوق العقارات بسبب ضعف الطلب وارتفاع كلفة التمويل.
ويأتي ذلك في ظل فائدة مصرفية تتجاوز 5% سنويا، وهو معدل غير مسبوق منذ عقدين، ما زاد أعباء القروض العقارية وأدى إلى توقف مشاريع بناء بمليارات الدولارات.
وحول احتمالات تراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل، يرى فندي أن هذا السيناريو أصبح شبه مؤكد إذا استمرت الحرب أو توسعت، مشيرا إلى أن جميع وكالات التصنيف الدولية الكبرى -موديز، ستاندرد آند بورز، وفيتش- وضعت إسرائيل تحت "مراقبة سلبية" منذ يوليو/تموز الماضي.
ويضيف أن "البيانات التي تنشرها الحكومة الإسرائيلية ناقصة وموجهة سياسيا"، إذ تسعى وزارة المالية إلى إخفاء حجم التدهور المالي الحقيقي تجنبا لتأجيج الغضب الشعبي في سنة انتخابية حساسة.
ويرى فندي أن الصراع المؤسسي بين بنك إسرائيل ووزارة المالية يعكس عمق الانقسام داخل البنية الاقتصادية للدولة، حيث رفض محافظ البنك المركزي خفض أسعار الفائدة في اجتماعه الأخير وهو ما يعني أن المعطيات الفعلية أكثر سوءا مما هو منشور، ما يُظهر أن البنك يمتلك تقديرات داخلية أكثر تشاؤما مما تعلنه الحكومة.
ووفقا لتقارير اقتصادية إسرائيلية متزامنة، فإن الخسائر المباشرة للحرب تجاوزت 9 مليارات دولار، فيما بلغ العجز المالي في موازنة الدولة نحو 25% من الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة تسجلها إسرائيل منذ عام 1983.
كما ارتفع الدين العام إلى ما يقارب 530 مليار دولار، أي ما يعادل 67% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تباطأ النمو إلى أقل من 1%.
ويشير فندي إلى أن تجدد الحرب أو استمرارها سيقضي على ما تبقى من توازن في الاقتصاد الإسرائيلي، خصوصا في 3 قطاعات تمثل العمود الفقري للنشاط الاقتصادي:
ويضيف فندي أن نزوح الطبقة الوسطى والثرية من البلاد -وهي الفئة التي تمثل القاعدة الضريبية الكبرى- يهدد قدرة الحكومة على تمويل ميزانيتها، مؤكدا أن "خروج دافعي الضرائب الجيدين من إسرائيل يعني فقدانها أحد أهم مصادر استقرارها المالي والاجتماعي".
ويحذر خبراء إسرائيليون من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى ركود طويل الأمد يطول سوق العمل والاستثمار والقطاع المصرفي، مع احتمالات تزايد البطالة إلى أكثر من 10% بحلول منتصف 2026، وارتفاع الأسعار رغم ضعف الطلب، في ما يوصف بأنه ركود تضخمي مزدوج.
وتتزامن هذه المؤشرات الاقتصادية مع أزمة سياسية داخلية خانقة، تتمثل في تراجع الثقة بالحكومة، وانقسام الائتلاف الحاكم، وارتفاع الأصوات المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة.
ويعتقد محللون أن الحكومة الإسرائيلية فقدت السيطرة على أولوياتها المالية، إذ أصبحت السياسات الاقتصادية رهينة للمصالح العسكرية والأمنية، على حساب القطاعات المدنية والخدمات الاجتماعية.
ويرى فندي أن إسرائيل تواجه اليوم مزيجا خطيرا من التآكل الاقتصادي والتفكك الاجتماعي، إذ يتزامن تراجع النمو مع ازدياد الهجرة وارتفاع نسب الفقر، ما يجعل مرحلة ما بعد الحرب أكثر خطورة من الحرب نفسها.
ويخلص إلى أن "الأزمة لم تعد مؤقتة أو ظرفية، بل أصبحت أزمة بنيوية شاملة تمس جوهر الاقتصاد الإسرائيلي وقدرته على الاستمرار"، محذرا من أن السنوات المقبلة قد تشهد انكماشا عميقا يتجاوز 2035 ما لم تُنفّذ إصلاحات مالية جذرية وتُخفض النفقات العسكرية إلى مستويات واقعية.