في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
واصل الذهب تحطيم الأرقام القياسية مسجلا 4117 دولار للأوقية خلال تعاملات الاثنين (13 أكتوبر/تشرين الأول 2025) في العقود الفورية، في الوقت الذي يبحث فيه المستثمرون عن ملاذات آمنة للاحتماء من المخاوف بشأن عدم اليقين الاقتصادي والسياسي في جميع أنحاء العالم.
وشهد الذهب أكبر ارتفاع له منذ سبعينيات القرن الماضي، وزاد بنحو الثلث منذ أبريل/نيسان عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية أدت لاضطرابات واسعة في التجارة العالمية وفق هيئة الإذاعة البريطانية ( بي بي سي ).
ويقول محللون إن ثمة قضية أخرى تثير قلق المستثمرين وهي التأخر في إصدار البيانات الاقتصادية الرئيسية مع دخول إغلاق الحكومة الأميركية أسبوعه الثاني.
ويُنظر إلى الذهب باعتباره استثمارا آمنا، ومن المتوقع أن يحتفظ بقيمته أو يزيدها خلال أوقات الاضطرابات في السوق أو الركود الاقتصادي .
ويتوقع العديد من المراقبين والمحللين الدوليين تواصل ارتفاع أسعار الذهب.
ويرجّح محللون في غولدمان ساكس أن يرتفع الذهب إلى نحو 5 آلاف دولار للأوقية بنهاية العام المقبل، وفق منصة "ماركت ووتش".
ومن جهته، يتوقع رئيس شركة يارديني للأبحاث، إد يارديني، أن يصل سعر الذهب إلى مستوى 10 آلاف دولار للأوقية في وقت ما بين منتصف عام 2028 وأوائل عام 2029.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: من هم الرابحون من قفزات أسعار الذهب ومستوياتها قياسية؟
1- الصين
يُساعد ارتفاع أسعار الذهب الصين على الاقتراب من هدفها ببناء نظام مالي عالمي أقل اعتمادا على الولايات المتحدة .
وتُراكم بكين منذ سنوات احتياطيات ضخمة من الذهب يُعتقد أنها سادس أكبر مخزون في العالم، ويمنحها الارتفاع الحالي في الأسعار دفعة إضافية لتحقيق هذا الهدف، وفقا لتقرير موسع لوكالة بلومبيرغ.
وتعمل الصين على أن تصبح مركزا عالميا لحفظ احتياطيات الذهب السيادية، من خلال دعوة البنوك المركزية الأجنبية لتخزين ذهبها في الصين، في خطوة تهدف إلى تعزيز نفوذها المالي وإضعاف هيمنة النظام المالي الأميركي.
ويروج بنك الشعبي الصيني لهذه المبادرة عبر بورصة شنغهاي للذهب، في إطار رؤية إستراتيجية لبناء نظام مالي عالمي أكثر توازنا وأقل خضوعا لتقلبات الأسواق الغربية.
ويرى محللون، وفق بلومبيرغ، أن هذه الخطوة قد تمهد الطريق لتحول الصين إلى مركز رئيسي لتسعير وتداول الذهب عالميا.
الهنود من أكثر شعوب العالم شراء واكتنازا للذهب الذي يدخل في النسيج الاجتماعي والروحي للشعب الهندي ويدمج الذهب في الهند بين الادخار، والمكانة الاجتماعية، والاستقرار النفسي للأسر.
وسجّلت حيازات الأسر الهندية من المعدن النفيس قفزة غير مسبوقة بلغت قيمتها نحو 3.8 تريليونات دولار، مدفوعة بارتفاع الأسعار العالمية إلى مستويات قياسية هذا العام.
ووفقا لوكالة بلومبيرغ، فإن هذا الارتفاع يعكس ما وصفه اقتصاديون في مورغان ستانلي بأنه "تأثير الثروة الإيجابي"، بعد أن تضاعفت القيمة السوقية للذهب الذي تمتلكه الأسر الهندية والمقدّر بـ34 ألفا و600 طن، لتصبح هذه الأصول المتراكمة عبر الأجيال مصدر دعم قوي لميزانيات العائلات وللبلاد في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي اضطرابات مالية وجيوسياسية متزايدة.
وأوضحت بلومبيرغ أن ارتفاع الذهب بأكثر من 50% منذ بداية العام إلى ما فوق 4 آلاف دولار للأونصة شكل أكبر مكسب منذ عام 1979، مما جعل الهند، ثاني أكبر مستهلك عالمي للذهب بعد الصين، على أعتاب طفرة مالية غير مسبوقة.
تشهد البنوك المركزية منذ عام 2022 إقبالا غير مسبوق على شراء الذهب، في ظل مساعي العديد من الدول لتنويع احتياطياتها بعيدا عن الدولار.
وحسب تقرير لشركة الاستشارات العالمية (ميتالز فوكاس)، تجاوزت المشتريات الصافية السنوية من الذهب التي تقوم بها البنوك المركزية حاجز الألف طن متري سنويا منذ عام 2022، في حين تتوقع الشركة أن تبلغ نحو 900 طن خلال عام 2025، أي ما يعادل ضعف المتوسط السنوي البالغ 457 طنا المسجل في الفترة ما بين 2016 و2021.
يعكس هذا الارتفاع الكبير في الطلب تحولا إستراتيجيا لدى الدول النامية التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على الدولار، لا سيما بعد أن أدت العقوبات الغربية إلى تجميد قرابة نصف احتياطيات روسيا الرسمية من العملات الأجنبية عام 2022، مما دفع العديد من الدول إلى البحث عن أصول أكثر أمانا واستقلالية.
ووفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي، فإن الأرقام الرسمية المقدمة إلى صندوق النقد الدولي لا تمثل سوى 34% فقط من إجمالي تقديرات الطلب الفعلي على الذهب من قبل البنوك المركزية في عام 2024، مما يشير إلى أن جزءا كبيرا من المشتريات يتم بعيدا عن القنوات التقليدية.
كما أظهرت البيانات أن البنوك المركزية ساهمت بنحو 23% من إجمالي الطلب العالمي على الذهب خلال الفترة 2022–2025، وهي نسبة تضاعفت مقارنة بمتوسط مساهمتها خلال العقد الثاني من القرن الـ21، مما يؤكد دورها المتزايد في إعادة تشكيل خريطة سوق الذهب العالمي، وفق رويترز.
لا يشهد الذهب طلبا كبيرا من البنوك المركزية فحسب، بل أصبح أيضا محل اهتمام كبير كمخزن للقيمة للمستثمرين المؤسسيين والأفراد، يأتي جزء كبير من هذا الطلب من "صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب".
ففي هذا العام، سجلت تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب رقما قياسيا جديدا بلغ 47 مليار دولار، إذ يسعى المستثمرون إلى ملاذ آمن وسط حالة من عدم اليقين بشأن التجارة والأوضاع الجيوسياسية على نطاق أوسع، وقد ساهم هذا التدفق في تحفيز سعر الذهب، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي زيادة الطلب، وفقا لمنصة ديفير للاستثمار.
وأظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أن صناديق الاستثمار المتداولة العالمية المدعومة بالذهب سجلت أكبر تدفق شهري لها في سبتمبر/أيلول، مما أدى إلى أقوى ربع سنوي على الإطلاق بقيمة 26 مليار دولار.
وتصدر مستثمرو أميركا الشمالية التدفقات خلال معظم الربع، إذ بلغ 16.1 مليار دولار، وهو أكبر ربع سنوي على الإطلاق، كما شهدت الصناديق الأوروبية عمليات شراء مكثفة، مسجلة ثاني أقوى ربع سنوي في المنطقة (8.2 مليارات دولار).
وفي نهاية الربع الثالث، بلغ إجمالي الأصول المُدارة لصناديق الاستثمار المتداولة في الذهب العالمية 472 مليار دولار (بزيادة قدرها 23% على أساس ربع سنوي)، مسجلا بذلك مستوى قياسيا جديدا.
وارتفعت حيازات الصناديق بنسبة 6% على أساس ربع سنوي لتصل إلى 3838 طنا، أي أقل بنسبة 2% فقط من ذروتها البالغة 3929 طنا، المسجلة في الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ويتوقع المحللون أن تستمر تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب خلال بقية العام وتستمر حتى عام 2026، مما قد يؤدي إلى ارتفاعات وقمم أخرى للذهب في العام المقبل.
في الوقت الذي تحطم فيه أسعار الذهب الأرقام القياسية، تشهد شركات تعدين الذهب نموا هائلا في الأرباح، نظرا لاستقرار تكاليف الإنتاج نسبيا في حين ترتفع أسعار المعدن الأصفر بشدة، مما يُولد هوامش ربح غير متوقعة تُترجم كل دولار إضافي في أسعار الذهب إلى ربح صافٍ، وفقا لمنصة (إنفستينغ).
ومن أبرز شركات التعدين العالمية التي حققت مرابح هائلة غولد هافن ريسورسز، وأنغلو غولد أشانتي وإكوينوكس غولد وغيرها.
تمنح هذه الشركات تمويلا مسبقا لشركات التعدين مقابل نسبة مئوية يحصل عليها المستثمر من قيمة أو كمية المعدن المنتج من منجم معين، أو الحق في شراء كميات من الذهب في المستقبل بسعر ثابت.
ويُبرز تقرير "يو إس غلوبال إيتي أفس" (US Global ETFs) أن شركات رويالتي وستريمنغ (Royalty & Streaming) أصبحت من أكبر الرابحين من موجة ارتفاع أسعار الذهب، فهذه الشركات تمول المناجم مقابل الحصول على نسبة من الإنتاج المستقبلي من دون تحمل تكاليف التشغيل أو المخاطر اليومية، مما يجعل أرباحها ترتفع تلقائيا مع صعود الأسعار بينما تبقى نفقاتها ثابتة نسبيا.
ويمنحها هذا النموذج تدفقات نقدية مستقرة وتنويعا جغرافيا واسعا، لتصبح بديلا منخفض المخاطر عن شركات التعدين التقليدية.
ومن أبرز المستفيدين من هذا الاتجاه شركات مثل فرانكو/نيفادا ورويال غولد وساندستورم غولد وغيرها، وهي كيانات تمتلك عقودا متعددة في مناجم حول العالم وتستفيد مباشرة من ارتفاع الأسعار دون الانخراط في التشغيل الميداني.
ويخلص التقرير إلى أن هذه الشركات تمثل اليوم الوجه الحديث للاستثمار في الذهب، إذ تجمع بين ربحية المعدن الأصفر واستقرار العائدات، مما يجعلها خيارا جذابا للراغبين في الاستفادة من ارتفاع الذهب دون الدخول في تعقيدات أو مخاطر التعدين المباشر.
يبدو أن البيتكوين يشارك الذهب لحظته التاريخية، ويُعد من أبرز المستفيدين من موجة ارتفاع أسعار المعدن النفيس.
ومع صعود الذهب إلى مستويات قياسية، تشهد العملات المشفرة كذلك ارتفاعات، إذ سجّل البيتكوين هذا الأسبوع مستوى قياسيا جديدا، في أداء يعبر عما كان يروج له أنصاره منذ سنوات طويلة بأنه أصل للتحوط وحفظ القيمة في أوقات الاضطراب المالي وفقا لمنصة "ياهو فاينانس".
ورغم غياب سوابق تاريخية واضحة يمكن القياس عليها بدقة، فإن البيتكوين تسلك اليوم مسار الذهب ذاته، باعتباره ملاذا آمنا في مواجهة التقلبات الاقتصادية وفقا لـ"دويتشه بنك" وتستمد هذه الصفة قوتها من ندرة البيتكوين، إذ يبلغ إجمالي معروضه الأقصى 21 مليون وحدة فقط لا يمكن تجاوزها، تماما كما أن كمية الذهب في العالم محدودة بطبيعتها.
وتمنح هذه الندرة البيتكوين حصانة نسبية ضد التضخم ، بخلاف العملات الورقية التي يمكن للبنوك المركزية إصدار المزيد منها بلا قيود، وهو ما يجعل البيتكوين، شأنه شأن الذهب، يُنظر إليه اليوم بوصفه مخزنا للقيمة في الاقتصاد الرقمي الحديث.
وتجاوزت عملة البيتكوين، ذروتها في أغسطس/آب لتصل إلى مستوى قياسي مرتفع في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، لتواصل مكاسبها لتصل إلى 126 ألفا و223 دولارا للمرة الأولى، وفق وكالة رويترز.
واجتذبت صناديق الاستثمار المتداولة التي تتبع الأصول المشفرة تدفقات قياسية بلغت 5.95 مليارات دولار على مستوى العالم الأسبوع الماضي، حيث ساعد الطلب القوي على الأصول الرقمية في دفع البيتكوين إلى أعلى مستوى على الإطلاق.