في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الخرطوم- في خضم الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عامين، تتقوَّض أسس الحياة، ويظهر القطاع الزراعي كأحد أبرز تداعياتها، إذ يواجه شريان حياة ملايين السودانيين -كما يوصف- تحديات كثيرة.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه شريحة واسعة على الزراعة لتأمين معيشتها، تحولت الحقول الخضراء إلى ساحات حرب، والمزارعين إلى نازحين وبعضهم إلى مقاتلين، وسط تساؤلات حول تأثير الحرب على الزراعة في السودان.
واقع مرير لا يصدقه عقل، هكذا يصف المزارع بمشروع الجزيرة القسم الجنوبي عثمان إبراهيم ما آلت إليه أوضاعهم. وقال عثمان إن 85 ألف فدان من جملة 102 ألف فدان، تروى بالطلمبات خرجت من العروة الصيفية للموسم الثالث.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن قوات الدعم السريع كانت قد نهبت ما كان مزروعا وما كان مدَّخرا في المخازن، وهذا دفع الأهالي للنزوح، "وبعد عودتنا في يناير/كانون الثاني الماضي، كنا نأمل في موسم صيفي ناجح لتعويض الخسائر".
وتابع: المزارعون حضروا أراضيهم وزرعوا تقاوي (بذور مستنبتة) "بالدَّين"، لكن بسبب عدم تشغيل قنوات الري، نبتت الزراعة بماء المطر ثم احترقت، وزرعوا مجددا ولكن من دون أمل في الرّي.
وحذَّر عثمان من فشل الموسم الشتوي في حال عدم معالجة تذبذب التيار الكهربائي من محطة مارنجان التحويلية.
من جانبه قال تجمع "مزارعي السودان-القطاع المطري"، إن قوات الدعم السريع نهبت أكثر من 4 آلاف آلة زراعية مختلفة في ولايات النيل الأزرق ، و سنار ، و الجزيرة ، والنيل الأبيض، وجنوب كردفان ، وهذا أدّى إلى شل حركة الإنتاج وألحق ضررا بالغا ب الأمن الغذائي .
وأضاف غريق كمبال، نائب رئيس التجمع، للجزيرة نت أنه رغم بدء الموسم الزراعي في العديد من المناطق، فإنّ النشاط يقتصر على مساحات محدودة وهذا يجعل حجم الإنتاج أقل بكثير من المعتاد، وأوضح أن هذه النكبة تتطلب تدخلا عاجلا وحلولا جذرية من الحكومة لتمكين المزارعين من العودة إلى عملية الإنتاج بشكل كامل.
وطال دمار واسع البنية التحتية والموارد في الولايات المنتجة التي كانت تحت سيطرة الدعم السريع.
وكشفت إدارة الإنتاج الزراعي بوزارة الزراعة والغابات عن تكبُّد القطاع الزراعي في ولايات الجزيرة، وسنار، والنيل الأبيض خسائر مادية هائلة.
وقالت المديرة العامة للإدارة فاطمة يوسف، للجزيرة نت، إن تقديرات الخسائر في مشروع الجزيرة تجاوزت 200 مليون دولار، وحوالي 40 مليون دولار في محطة البحوث الزراعية، وأكثر من 100 مليون دولار في المشاريع والقطاعات الأخرى.
واتهمت وزارة الزراعة الدعم السريع بتدمير كامل للبنية التحتية بهيئات البحوث الزراعية في المناطق التي كانت تحت سيطرتها، وشملت بحسب الوزارة:
وأوضحت المسؤولة فاطمة يوسف، أنه في الموسم الشتوي 2023-2024 دُمّرت المحاصيل بسبب نقص المياه على خلفية تدمير قنوات الري، إضافة إلى منع المزارعين من الحصاد ونهب المحاصيل المخزَّنة في المستودعات والبنوك، بجانب تدمير كامل للموسم الصيفي 2024-2025 في مشروع الجزيرة والسوكي، وجزء من مشروع الرهد الزراعي.
وقالت: حدث دمار كامل للقطاع المطري في ولاية الجزيرة وجزئي في ولاية سنار لنفس المواسم"، وأوضحت أن ذلك يعود لمنع المزارعين من العمل، ونهب مدخلات الإنتاج والآلات، وتكسير قنوات الري، ونهب البنوك ومؤسسات التمويل، ونزوح أعداد كبيرة من المزارعين من مناطقهم.
وتكبد مزارعو الجزيرة خسائر فادحة بعد فشل الزراعة لموسمين متتاليين إبان سيطرة الدعم السريع على الولاية التي استعاد الجيش السوداني السيطرة عليها في يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال تجمع مزارعي الجزيرة والمناقل إن المزارعين فقدوا آلياتهم بجانب نقص الإمكانيات الزراعية وعلى رأسها الأسمدة.
واتهم رئيس التجمع، طارق أحمد، الحكومة بضعف اهتمامها بالزراعة، وعدم تدخل البنك الزراعي لتوفير السماد، بسبب ضعف رأس ماله وعجز المزارعين عن سداد مديونيتهم.
وقال أحمد للجزيرة نت: هناك ضرورة لتقديم دعم كامل لزراعة محصول القمح خلال الموسم الشتوي، وتبلغ المساحة المستهدفة في مشروع الجزيرة 600 ألف فدان (الفدان=4200 متر مربع)، ما يتطلب توفير جميع المدخلات اللازمة.
وأضاف أنه إذا فشل هذا الموسم سيواجه السودان مجاعة ، حسب وصفه.
بالمقابل أكدت وزارة الزراعة الاتحادية، أنها تسعى بالتعاون مع الوزارات الولائية، لتعويض النقص في المساحات الزراعية التي لم يعد من الممكن الوصول إليها، عبر رفع إنتاجية المحاصيل وزيادة المساحات المزروعة في الولايات الآمنة التي لم تُستغل من قبل، خاصة محاصيل "الذرة والدخن" في القضارف، وكسلا ودلتا وطوكر والولاية الشمالية ونهر النيل.
وكشفت الوزارة عن توزيع 10 آلاف طن من التقاوي المجانية لصغار المزارعين، عبر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة " فاو "، إضافة إلى تطبيق تقنيات زراعية مختلفة.
وقالت إدارة الإنتاج الزراعي: إن المساحات المزروعة المرصودة بالولايات والمشاريع الآمنة حوالي 40 مليون فدان، وشملت المحاصيل: الذرة، والدَخن (حبوب أشبه بالبقوليات)، والفول السوداني، والسمسم، والقطن، وحب البطيخ، واللوبيا، والبقوليات، والأعلاف، والخضروات، كما بلغت مساحات الذرة حوالي 17 مليون فدان.
وساهم موسم الأمطار -حسب تأكيد المسؤولة فاطمة يوسف- في استغلال مساحات زراعية واسعة في القطاع المطري بولايات القضارف، وكسلا، و نهر النيل ، و البحر الأحمر .
كما تم استغلال مياه الأمطار لزراعة مشاريع مروية في الجزيرة، والسوكي، وشمال الخرطوم ، والتي لم تحسب ضمن مساحة الـ40 مليون فدان، حيث شهد فيها هذا الموسم (2024-2025) حصاد أكثر من 6.5 أطنان.
وحول مدى تأثر الزراعة في السودان بالحرب، تؤكد إدارة الإنتاج الزراعي بوزارة الزراعة الاتحادية للجزيرة نت، أنها تأثَّرت كباقي القطاعات الأخرى، وتمثل ذلك في:
من جانبها، قالت الصحفية المهتمة بالشأن الزراعي رحاب فريني للجزيرة نت، إن القطاع المروي في السودان كان الأكثر تأثرا، بنسبة تجاوزت 95%، بجانب خروج 5 ولايات في إقليم دارفور عن دائرة الإنتاج لسيطرة الدعم السريع عليها، وأجزاء من إقليم كردفان.