دمشق – في خطوة غير مسبوقة، عقد الرئيس السوري أحمد الشرع لقاءً في نيويورك خلال زيارته الأخيرة مع ممثلي 40 شركة أميركية وعالمية كبرى، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وذلك عقب رفع العقوبات الأميركية والعالمية المفروضة على دمشق .
وتركز اللقاء على قطاعات الاستهلاك والطاقة والبنية التحتية والخدمات المالية، بمشاركة شركات كبرى مثل "بروكتر آند غامبل" أكبر شركة لصناعة المواد الاستهلاكية في العالم، و"شيفرون" الأميركية للطاقة، و"كاتربيلر" المتخصصة في تصنيع المعدات الثقيلة.
ويُتوقع أن تسهم الاستثمارات في جذب مليارات الدولارات، بما يعزز الاستقرار الاقتصادي، ويوفر فرص عمل واسعة، ويدعم عملية إعادة الإعمار، رغم وجود تحديات مرتبطة بالحوكمة وتوزيع الفوائد.
واستعرض الدكتور سامر الصفدي، عضو التحالف السوري الأميركي، تفاصيل الاجتماع الذي جمع الشرع مع قادة الشركات الأميركية الكبرى ورجال الأعمال خلال قمة "كونكورديا" في نيويورك.
وقال الصفدي في حديث للجزيرة نت إن "اللقاء شهد مشاركة عدد كبير من الرؤساء التنفيذيين لأكثر من 30 إلى 40 شركة مدرجة ضمن قائمة فورتشن 500 -قائمة سنوية تنشر من قبل مجلة فورتشن وتُعنى بتصنيف أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة من حيث إجمالي الإيرادات- وهو ما يعكس أهمية الحدث واهتمام المستثمرين الأميركيين بالسوق السورية".
وبحسب الصفدي، فقد تمحور الاجتماع، الذي جرى على مائدة مستديرة مغلقة استمرت ساعة ونصف، حول فرص الاستثمار الأجنبي في سوريا ، خصوصًا من جانب الشركات الأميركية والغربية.
وأشار إلى أن الشرع أكد خلالها على استعداد سوريا لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، مشددًا على أهمية دور الشركات العالمية في إعادة إعمار البلاد بعد سنوات من الصراع وسوء الإدارة في ظل نظام بشار الأسد المخلوع.
وأوضح الصفدي أن الشرع قدّم رؤية متفائلة، واصفًا سوريا بأنها "الأرض الذهبية" للاستثمار بفضل موقعها الإستراتيجي بين آسيا وأوروبا، إلى جانب مواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية.
وأشار الصفدي إلى أن الرئيس الشرع أكد التزام حكومته بتهيئة بيئة مواتية للمستثمرين الأجانب عبر سياسات جديدة تهدف إلى تسهيل الحركة التجارية، في تحول جذري عن سياسة العزلة التي اتبعها النظام السابق.
وناقش الحضور التحديات الاقتصادية التي تواجه إعادة الإعمار، ومن بينها انهيار البنية التحتية، لكنهم رأوا في ذلك فرصة لدخول شركات كبرى في مجالات الطاقة، المواصلات، والاتصالات.
كما أبدت الشركات اهتمامًا ملحوظًا بالسوق السورية، وإن بقيت هناك تحفظات مرتبطة بالعقوبات الأميركية المجمّدة مؤقتًا حتى 13 نوفمبر/تشرين الثاني بموجب قرار تنفيذي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب .
ووفقًا للصفدي، لم يسفر الاجتماع عن اتفاقيات نهائية، لكنه شهد توقيع مذكرات تفاهم تعبر عن نية الشركات الأميركية دخول السوق السورية. وأكد الصفدي أن هذه الشركات أبدت جدية في الاستثمار طويل الأمد، لكنها تنتظر رفع العقوبات بشكل كامل ودائم من الكونغرس الأميركي .
وأضاف أن هذه الشركات درست الوضع السوري بعناية وتبحث عن شريك موثوق في الحكومة السورية، وهو ما بدا واضحًا من خلال الانطباع الإيجابي الذي خرجت به عن الرئيس الشرع.
ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد السوري تحسنًا كبيرًا مع دخول هذه الشركات، بما يشمل خلق فرص عمل واسعة وزيادة ملموسة في دخل الفرد.
وأشار الصفدي إلى أن السوريين سيلمسون نتائج فور دخول الشركات الكبرى، خصوصًا بعد رفع العقوبات بشكل نهائي، كما أعرب عن تفاؤله بقرب تحقيق هذا الهدف، مدعومًا بجهود الجالية السورية والوفد السوري رفيع المستوى الذي ناقش هذا الملف مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو والرئيس ترامب.
ولفت الصفدي إلى أن الرئيس الشرع أكد خلال الاجتماع أن سوريا تسعى إلى بناء اقتصاد مفتوح يقوم على الشراكات مع الشركات الكبرى، بعيدًا عن الاعتماد على المساعدات أو القروض الدولية، وهو ما يشكل تحولًا واضحًا عن سياسات بعض الدول المجاورة التي تعتمد على الديون أو المساعدات الخارجية.
ومع استمرار الجهود الرامية إلى رفع العقوبات، يُتوقع أن تشهد سوريا نقلة نوعية في حركتها الاقتصادية، بما يعزز الانتعاش ويحسّن حياة المواطن السوري.
وتعليقا على الموضوع قال الباحث في الشؤون الاقتصادية السورية أسامة العبد الله، في حديث "للجزيرة نت" أن قانون قيصر (2019-2020) مثّل عائقًا كبيرًا أمام الاستثمارات، وأدى إلى انكماش اقتصادي بنسبة 80% في بعض القطاعات، ومع رفع العقوبات في يوليو/تموز الماضي، يُتوقع تدفق استثمارات بمليارات الدولارات نحو قطاعي الغذاء والطاقة، بما يعزز الإنتاج المحلي ويوفر آلاف الوظائف.
وأشار إلى أن شركات مثل "بروكتر آند غامبل" و"بيبسي كو" يمكنها خلق ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف وظيفة، و3 آلاف إلى 7 آلاف وظيفة على التوالي، مع برامج تدريبية تستهدف الشباب والعائدين من النزوح.
وفي قطاع السياحة، يُتوقع تحقيق إيرادات تصل إلى 1.5 مليار دولار بحلول 2030 عبر تطوير مواقع مثل تدمر ، فيما يوفر قطاع التعليم 50 ألف فرصة تعليمية عبر إعادة بناء الجامعات، ولضمان توزيع عادل للعوائد، دعا العبد الله إلى اعتماد حوكمة شفافة من خلال صناديق سيادية ومنصات رقمية.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي نصر الضعيف في حديث "للجزيرة نت" إن شركات مثل "شيفرون" و"شل" يمكن أن ترفع الإنتاج النفطي إلى 300 ألف برميل يوميًا بحلول 2030، ما يتيح تصدير الفائض وتقليص الاعتماد على الواردات بنسبة 50%.
وفي قطاع البنية التحتية، اقترح شراكات مع كاتربيلر وبوينغ لتطوير الطرق والمطارات بتمويل من البنك الدولي ، لتحقيق عائد سنوي يقدر بـ 15%.
أما في قطاع الخدمات المالية، فأشار إلى أن دمج سيتي غروب قد يسهم في خفض التضخم بنسبة تتراوح بين 10 و15% خلال 3 سنوات عبر إدخال خدمات مصرفية حديثة وتعزيز الرقابة، على غرار التجربة العراقية.