آخر الأخبار

كيف خسر سوريون قيمة مدخراتهم في قطاع الإسكان التعاوني؟

شارك

سجل أداء قطاع الإسكان التعاوني في سوريا تراجعا كبيرا، أثرت نتائجه السلبية على شريحة واسعة، كانت تعلق الآمال عليه من أجل امتلاك سكن بسعر مقبول، يناسب دخلها، مقابل ارتفاع أسعار شقق قطاع الإسكان الخاص.

فإلى جانب محدودية برامجه، التي كثيرا ما أسفرت عن نتائج دون التوقعات، شهد القطاع في الفترة بين عامي 2003 و2024، بحسب تقارير حكومية، تجاوزات قانونية، ومخالفات إدارية، وفسادا ماليا، ومحسوبيات، أدت في مجملها إلى حل الاتحاد العام للتعاون السكني وهي الجهة المشرفة على عمل الجمعيات التعاونية السكنية في ديسمبر/كانون الأول 2019، ونقل مسؤولية الإشراف على الجمعيات السكنية إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان.

وأرجعت الوزارة سبب الخطوة إلى ترهل أداء القطاع وازدياد حجم أخطائه، وما نتج عن ذلك من مشكلات وقضايا تحقق فيها محاكم مختصة ولجان تفتيش حكومية.

ومع أنها دفعت برسائل مطمئنة تؤكد حفاظها على حقوق المكتتبين، فإن حالة من عدم اليقين انتشرت بعد أن كشفت في مطالعة أمام مجلس الشعب السوري -سابقا- عن وجود فساد كبير داخل جمعيات امتنعت عن تزويد الوزارة بالبيانات الحقيقية والدقيقة حول طريقة تمويل مشروعاتها، وأعداد المنتسبين إليها، وحجم الأموال التي بحوزتها.

وتشير تقارير رسمية إلى وجود نحو 3248 جمعية سكنية تم إشهارها، ينتسب إليها نحو مليون مكتتب. بلغت مدفوعاتهم، بحسب بيانات سابقة للاتحاد العام للتعاون السكني، 65.3 مليار ليرة في حلب، و41.4 مليار ليرة في ريف دمشق، و37 مليار ليرة في حمص، ومليار ليرة بقية المحافظات.

فيما بلغت قيمة الأراضي المشتراة 25.6 مليار ليرة في دمشق، 6.3 مليارات ليرة ريف دمشق، و1.2 مليار ليرة في حلب.

ورأى الخبير في الشأن العقاري أسعد الدلاتي أن الإجراءات التي اتخذت لتصويب مسار القطاع خلال فترة الحرب لم تمكنه من اعتماد الشفافية ، وبقي عرضة لانتقادات وشكاوى عديدة، تناولت ترهل أدائه، وزيادة حجم أخطائه.

إعلان

وأوضح للجزيرة نت أن حل نحو 200 جمعية، ودمج قسم منها، ووضع بعضها الآخر تحت المراقبة، كشف عن خلل عميق، لم تتمكن الحكومات السابقة من تداركه، مع أن النظام السابق منذ عام 2006 -عندما أوقف تأسيس أو إشهار جمعيات جديدة- أقر عدم التزام عدد كبير منها بالضوابط والأنظمة المعمول بها، مما أفقدها دورها، ومهامها، وغايتها التنموية كقطاع رديف للدولة في تنفيذ خطط الإسكان العامة.

مصدر الصورة تجربة الإسكان الاجتماعي والتعاونيات السكنية عانت منذ انطلاقها من ضعف استجابتها لضغوط أزمة السكن (الصحافة السورية)

ضعف وبطء وسوء تنفيذ

ينظر إلى قطاع الإسكان التعاوني كجزء من التوجه الاشتراكي للاقتصاد السوري أثناء سيطرة حزب البعث على السلطة بسوريا في السنوات السابقة.

وقد اعتمدت الجمعيات التعاونية السكنية لسنوات طويلة -وفق دراسة مشتركة للباحثين (مازن عزي) و(وجيه حداد)- في مشاريعها على شراء أراض من الدولة جاهزة للبناء وبأسعار زهيدة. علاوة على حصولها على حوافز تشجيعية مثل سهولة الحصول على تراخيص البناء، وشراء مواد الإعمار الرئيسية -من مؤسسات حكومية- بأسعار أقل من السوق.

وأشارت الدراسة، التي نشرها موقع تقرير سوريا، إلى أن تجربة الإسكان الاجتماعي والتعاونيات السكنية عانت منذ انطلاقها من ضعف استجابتها لضغوط أزمة السكن، وغياب الرؤية والتوجهات بعيدة المدى، وعدم ربط سياسات الإسكان بمؤشرات النمو السكاني، والتغيرات الديموغرافية، والتخطيط العمراني.

كما اتسمت التجربة بالبطء وسوء تنفيذ المشاريع، وارتفاع رسوم تطوير المنتج النهائي، وتعدد التشريعات القانونية وتشابكها، وهيمنة السلطة، مما وضع القطاع تحت تأثير ضغوط دفعت القائمين عليه للاعتماد على حلول مرتجلة، وعشوائية، أسهمت في تفاقم أزمة السكن، وحرمان غالبية الأفراد -ذوي الدخل المحدود- من فرصة امتلاك منزل.

ويرى الباحثان أن متوسط العجز السكني السنوي خلال العقد، الذي سبق الصراع في عام 2011، قدر بنحو 130 ألف وحدة سكنية، ويمثل هذا العجز الفجوة السنوية بين الطلب على المساكن والمعروض من الوحدات السكنية المنجزة.

وتُظهر بيانات رسمية أنه حتى في أكثر السنوات إنتاجية، وتحديدا بين عامي 2005 و2010، لم يلبِّ قطاع الإسكان الاجتماعي، الذي ينفذه القطاع العام، وقطاع الإسكان التعاوني، الذي تنفذه التعاونيات، أكثر من 20% من الطلب السنوي على المساكن في سوريا.

في حين حددت الخطة الخمسية الـ11 في الفترة من 2015-2011، وهي آخر خطة تعتمد، مساهمات الإسكان التعاوني والاجتماعي في قطاع الإسكان على النحو الآتي:


* %10 مساهمة القطاع الحكومي.
* %12 مساهمة القطاع التعاوني.

وذكرت أن الطلب الناتج عن النمو السكاني يقدر بنحو 550 ألف مسكن.

بيد أن تقارير صحفية محلية رأت أن إعلان الخطة في وقت كانت فيه طائرات النظام المخلوع وصواريخه تقصف أحياء سكنية وتدمر آلاف العمارات، حوّل بند مساهمة قطاع الإسكان بنوعيه الحكومي والتعاوني إلى حبر على الورق، حيث أصيب القطاعان بشلل تام، وفقدا القدرات اللازمة لتحقيق النسب المحددة، باستثناء جمعيات قليلة كانت لا تزال فاعلة، إلى جانب ما شهده محيط العاصمة، وبعض المدن الهادئة، من بناء وحدات سكنية تجارية، أنجزها القطاع الخاص.

إعلان

ووصف الخبير الدلاتي -في حديثه للجزيرة نت- المكتتبين في ضوء هذه الأوضاع بضحايا خطط حكومية فاشلة، وتأثيرات حرب خطفت أهم أحلامهم، وهو الحصول على سكن مناسب.

مصدر الصورة قطاع الإسكان التعاوني يواجه اليوم أزمات مركبة (الجزيرة نت)

4 وحدات سكنية خلال 20 عاما

لا تخفي المتقاعدة فاطمة (61 عاما) خوفها مما آلت إليه أوضاع الجمعيات ومن بينها الجمعية التي اكتتبت فيها منذ عام 2003 (حيث لم نشهد سوى تنفيذ 3 أو 4 وحدات سكنية فقط، من أصل أكثر من 400 وحدة مقررة).

وأوضحت -في حديثها للجزيرة نت- أن إدارة الجمعية كانت تطلب مبالغ كبيرة بين فترة وأخرى، كان يتم تسديدها بموجب إيصالات رسمية عن طريق المصرف العقاري، بلغ مجموعها نحو 7 ملايين ليرة تقريبا. وتابعت "حين سددت المبالغ المطلوبة -مثل غيري- كانت قيمة الدولار تتراوح بين 45-90 ليرة، لكن بعد مضي 20 عاما على اكتتابي، أصبح سعره يتراوح بين 10 إلى 11 ألف ليرة، مما أفقد المبلغ قيمته. ومع ذلك لم يتم إنجاز أو تسليم أي شقة من المشروع على الأعضاء المسجلين".

خسارة مزدوجة

وفي سياق متصل، أكد الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن قطاع الإسكان التعاوني يواجه اليوم أزمات مركبة تتمثل في:


* الانهيار الحاد في قيمة الليرة السورية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف البناء إلى مستويات غير مسبوقة.
* التأخر الكبير في إنجاز المشاريع، الأمر الذي ضاعف من كلفتها النهائية.
* انتشار الفساد الإداري في بعض الجمعيات وسوء إدارة الأموال المودعة.
* تآكل مدخرات المكتتبين، ومعظمهم من ذوي الدخل المحدود، بحيث أصبحوا أمام خيارين أحلاهما مر: إما الاستمرار في دفع أقساط تفوق طاقتهم بكثير، أو الانسحاب وخسارة القيمة الحقيقية لمدخراتهم، وهو ما يعني خسارة مزدوجة تتمثل في فقدان المسكن وضياع رأس المال.

ونوه إلى أن المسؤولية عن هذه الخسائر تتوزعها عدة أطراف، بدءا من الإدارات السابقة للجمعيات التي فشلت في الالتزام بالجداول الزمنية وأهدرت الموارد، مرورا بالجهات الرقابية الحكومية التي قصّرت في المتابعة والتدخل المبكر لمعالجة التعثر، وصولا إلى السياسات النقدية والاقتصادية التي لم توفر أدوات حماية لمدخرات المواطنين من التضخم وانهيار العملة.

هل تصلح الحكومة ما أفسده النظام المخلوع؟

عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، شكلت الحكومة الجديدة لجنة لدراسة واقع الجمعيات التعاونية السكنية، في مختلف المحافظات السورية، بهدف التحقق من الشكاوى المقدمة من المكتتبين بشأن ملفات الفساد خلال الفترات السابقة.

وأعلن وزير الأشغال العامة والإسكان مصطفى عبد الرزاق، مؤخرا، أن اللجنة أنهت أعمالها، واتخذت عدة إجراءات جوهرية، من بينها التنسيق مع مصرف سوريا المركزي، لتحرير حسابات الجمعيات السكنية في جميع المصارف، باستثناء بعض الجمعيات التي لا تزال تخضع لدراسة دقيقة، حفاظا على حقوق المكتتبين وضمان عدم التلاعب بأموالها.

وأوضح الوزير أن اللجنة عملت بشكل مكثف للتحقق من الشكاوى المقدمة، بالتعاون مع جهات حكومية مختصة، وأن إجراءات قانونية سيتم اتخاذها بحق الجمعيات الوهمية والمخالفة، ومحاسبة جميع المتورطين في الفساد المالي والإداري، في إطار حملة مكافحة الفساد التي تنتهجها الوزارة لضبط القطاع السكني، وضمان إعادة الثقة في قطاع التعاون السكني وتحقيق العدالة للمكتتبين.

وكشف عبد الرزاق أن اللجنة أوصت بإعادة هيكلة مديريات التعاون السكني في المحافظات، وتعزيز كوادرها البشرية لتمكينها من أداء مهامها بفعالية، إضافة إلى تأسيس مكتب شكاوى خاص بالمكتتبين يرتبط مباشرة بالوزارة، ليكون منصة رسمية لتلقي الشكاوى ومكافحة الغش والتجاوزات.

مصدر الصورة ينظر إلى قطاع الإسكان التعاوني كجزء من التوجه الاشتراكي للاقتصاد السوري خلال النظام السابق (الجزيرة نت)

خطة تمويل عقاري ونماذج تحتاج إلى سوق منظم

من جهة ثانية، علق الخبير الاقتصادي والمصرفي قوشجي على إعلان البنك المركزي، عن خطة جديدة للتمويل العقاري، مستوحاة من النماذج المطبقة في الدانمارك وكندا ، تقوم على إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم السوق العقاري، وتأسيس صندوق ضمان لحماية المقترضين والمستثمرين، بقوله: إن مثل هذه النماذج، تعتمد في بيئاتها الأصلية على سوق عقاري منظم وشفاف، ومؤسسات تمويل قوية، وضمانات حكومية أو شبه حكومية، لكن ثمة عقبات جوهرية تواجهها في السياق السوري، من أبرزها:

إعلان

* ضعف البنية المؤسسية والرقابية.
* غياب سوق عقاري موثق ومنظم بالكامل.
* محدودية قدرة ذوي الدخل المحدود على تحمل أقساط طويلة الأجل حتى في ظل الفوائد المنخفضة.
* عدم استقرار سعر الصرف، مما يهدد استدامة أي نموذج تمويلي مستورد ما لم يخضع لتعديلات جوهرية تراعي الواقع المحلي.

ورغم ذلك، يمكن لقطاع الإسكان التعاوني -وفق قوشجي- أن يستفيد من هذه النماذج إذا ما جرى إعادة هيكلة الجمعيات المتعثرة، وحل الإدارات الفاسدة، وتعيين مجالس مؤقتة ذات كفاءة، مع إدماج هذه الجمعيات في منظومة التمويل العقاري الجديدة ومنحها أولوية في الحصول على القروض المضمونة.

كما يمكن أن يسهم تخصيص برامج دعم حكومي لذوي الدخل المحدود -إعانات، قروض بدون فائدة- بحسب رأيه في تعزيز قدرة هذه الفئة للحصول على سكن، إلى جانب إدخال نظام السكن الإيجاري المنظم كخيار بديل للتملك، لتخفيف الضغط على الطلب.

وتتطلب المعالجة الجذرية للأزمة حزمة من الإصلاحات، تشمل وفق رؤية الباحث:


* تعديل التشريعات الناظمة للتعاون السكني بما يضمن الشفافية والمساءلة.
* حماية المدخرات من خلال ربط الأقساط بمؤشر أسعار أو بعملة مستقرة.
* تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لإشراك شركات التطوير العقاري المحلية والدولية في تنفيذ المشاريع.
* تنويع أنماط السكن، عبر إدخال مشاريع الإيجار طويل الأجل، والسكن الاجتماعي المدعوم، إضافة إلى رقمنة القطاع من خلال إنشاء منصة إلكترونية موحدة لتوثيق العقود ومتابعة مراحل الإنجاز وضمان حقوق المكتتبين.
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار