تحتضن الجزائر طيلة هذا الأسبوع النسخة الرابعة لمعرض التجارة البينية الأفريقية (من الرابع إلى العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري)، بمشاركة وفود من 140 دولة وأكثر من ألفي شركة من أفريقيا وخارجها، من بينها نحو 200 مؤسسة جزائرية، مع ترقّب حوالي 35 ألف زائر مهني وإبرام اتفاقيات تجارية واستثمارية تتجاوز قيمتها 44 مليار دولار.
وشهد المعرض وسيشهد -حسب وكالة الأنباء الرسمية- انطلاق منتدى التجارة والاستثمار في أفريقيا (من الخامس إلى السابع من سبتمبر/أيلول الجاري) والصالون الأفريقي للسيارات (من الخامس إلى العاشر من سبتمبر/أيلول)، علاوة على الملتقى الأفريقي للإبداع "كانكس" (من الخامس إلى العاشر من سبتمبر/أيلول).
كما ستعرف فعاليات التظاهرة التجارية لقاءات أعمال ثنائية، إلى جانب القطب الأفريقي للبحث والابتكار وبرنامج الاتحاد الأفريقي للمؤسسات الناشئة.
وفي السياق، يعتبر البروفيسور عبد القادر برّيش، خبير التنمية وحوكمة السياسات الاقتصادية، أن "الحدث ليس مجرد معرض، بل منصة إستراتيجية لإعادة صياغة معادلات التكامل الاقتصادي القاري، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية "زليكاف" (ZLECAf)، في انسجام مع أجندة أفريقيا 2063″.
وقال في تصريح لـ"الجزيرة نت" إن المبادلات التجارية البينية في أفريقيا تظل ضعيفة (15%) مقارنة بأوروبا وآسيا (أكثر من 60%)، مؤكدا السعي لرفعها إلى مستوى 30% بحلول 2030 يمكن أن يضيف أكثر من 70 مليار دولار سنويا للناتج القاري.
ولذلك، فإنّ "المعرض يمثل فضاء عمليا لإزالة الحواجز، وتوسيع الوصول إلى سوق تضم 1.4 مليار نسمة، بناتج إجمالي يفوق 3.4 تريليونات دولار".
كما يفتح المجال أمام جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي بلغت نحو 80 مليار دولار في 2023، مع إمكانية إعادة توجيهها نحو قطاعات واعدة، مثل الصناعات الغذائية (300 مليار دولار سنويا)، الأدوية (45 مليار دولار في 2024)، والطاقات المتجددة (أفريقيا تمتلك 60% من أفضل المواقع الشمسية)، يضيف الخبير برّيش.
وبفضل تلاقي المزايا التنافسية بين اقتصادات رائدة، على غرار نيجيريا، وجنوب أفريقيا، و مصر والجزائر، يمكن بناء سلاسل قيمة إقليمية في مجالات الزراعة التحويلية، الصناعات التحويلية والطاقة، على حد تعبيره.
ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي عمر هارون، إنه في ظل فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية مرتفعة على دولة أفريقية، وصلت لـ50% على بعضها، بات الأفارقة اليوم أمام حتمية التعامل البيني، والذي لم يتجاوز مستوى 15% خلال 2024، بمبلغ وصل إلى 220 مليار دولار، وهو رقم ضئيل مقارنة بديموغرافيا بلغت 1.4 مليار نسمة.
وأوضح الأكاديمي عمر هارون، في تصريح للجزيرة نت "أن فرصة الرفع من التجارة البينية زادت بين الأفارقة، كون المستعمر التقليدي خرج من دول أفريقية كثيرة، وهو ما سرّع من تدهور عديد الاقتصاديات الأوروبية، إذ باتت تترنح أمام أزمات عصفت بالنمو الاقتصادي التاريخي".
وبهذا الصدد، أكد المتحدث أن السلع الجزائرية تملك أفضلية تنافسية كبيرة من ناحية إنتاج بتكلفة منخفضة، نظرا لتوفر اليد العاملة المؤهلة والموارد الأولية، بالإضافة للدعم الحكومي في مجال النقل بقيمة 50%.
ومن جانبه، يعتقد البروفيسور عبد الرحمن عيّة، عضو مديرية البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، أنّ الجزائر يمكنها، من خلال المتعاملين الاقتصاديين، تحقيق شراكات مهمّة خارج قطاع المحروقات مع النظراء الأفارقة، خاصة في مجال صناعة المواد الغذائية، إذ نجحت مؤخرا صادراتها نحو الدول الأفريقية.
أما القطاع الثاني فهو مواد البناء، ذلك أن عددا كبيرا من الشركات الجزائريّة الصغيرة تنشط به، وكذلك في ظل حركية تهيئة البنى التحتية في القارّة الأفريقية، ما يفتح الآفاق أمام المؤسسات الجزائرية لتنفيذ الأشغال الكبرى، علما أن الجزائر تصدّر كميات كبيرة من الأسمنت إلى دول أفريقية، يمكن أن تصل من حيث القيمة إلى مليار دولار، وقد تتجاوز صادرات الحديد 3 مليارات دولار عند الانطلاق الكلي في استغلال منجم غار جبيلات.
ومن الممكن كذلك، وفق ما يضيف الخبير عبد الرحمن عيّة، تحقيق شراكة كبيرة في مجال النقل، على اعتبار أن الجزائر تستعدّ للانتهاء من أشغال ميناء الحمدانية، والذي يعتبر حلقة وصل مع الدول الأوروبية، خاصة الجنوبية منها، وعدد كبير من الدول الآسيوية، بما فيها الصين ، وكذلك الدول الأفريقية، خاصة جنوب الصحراء.
وأشار الخبير أيضا إلى المنتجات التكنولوجية الرقمية، والتي تقدم خدمات كبيره لقطاعات إستراتيجية، على غرار الزراعة والتجارة والمالية.
كما وقف المتحدث عند التعاملات المهمة للجزائر في مجال الطاقة مع دول أفريقية عربية، مثل تونس وليبيا ومصر، إذ يمكن تطويرها، باعتبار قطاع المحروقات الركيزة الأساسية في الاقتصاد الجزائري.
ومن المتوقع كذلك أن تكون هناك شراكة مرتبطة بمشروع "أنبوب الغاز العابر للصحراء"، إذ يحتاج إلى شركات لتهيئة الأراضي وأخرى للاتصال وتأمين المكالمات والاتصالات بالإنترنت، وكذلك النقل بمختلف أنواعه، ومؤسسات الأشغال العمومية، وكل هذا يفتح آفاقا واعدة للتوظيف، على حد قوله.
ويمكن أن يشمل التبادل أيضا مجال التعليم العالي، وفق المتحدث، لأنّ هناك عددا كبيرا من الطلبة الأفارقة يدرسون في مختلف الجامعات الجزائرية، موازاة مع حركية انتقال الأشخاص في إطار منطقة التجارة الحرة الأفريقية، وهو ما سيمكّن الإطارات الجزائرية من التدريس في الجامعات الأفريقية.
ومن بين النماذج الصناعية الطموحة التي تحدثت إليها "الجزيرة نت"، خلال زيارتها لأجنحة الصالون، مجمع "كوندور" الجزائري، المتخصص في إنتاج الأجهزة الكهرومنزلية.
وكشف نائب المدير العام للشركة، محمد صالح دعاس، أن "كوندور" تشارك في تظاهرة "2025 IATF " بعرض كل علاماتها في الجزائر من المنتجات الكهرومنزلية والإلكترونية الموجهة للتصدير، سواء نحو الأسواق العالمية أو الإفريقية.
وأكد دعاس لـ"الجزيرة نت" أنّ المعرض يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لشركته، لأنه سيمكنها من إيجاد أسواق جديدة، وشركاء جدد، بحكم التوافد الكبير للزوار والمتعاملين الاقتصاديين الأفريقيين.
وأوضح أنّ حجم صادرات "كوندور" خلال السنوات الأخيرة يتجاوز 50% من صادرات الجزائر فيما يخص الأجهزة الكهرومنزلية والإلكترونية.
وأعلن ممثل المؤسسة عن تنظيم حفل خاص، مع نهاية المعرض، لتوقيع اتفاقيات شراكة مهمة جدا، لبيع منتجات "كوندور" في أفريقيا لسنة 2026، وفي مقدمتها الأسواق المصرية والليبية والتونسية والموريتانية، والسنغاليّة، إضافة إلى سوق ساحل العاج.