في دولةٍ تمتلك احتياطات نفطية ضخمة تتجاوز 48 مليار برميل، تبرز الطاقة الشمسية في ليبيا اليوم كخيار إستراتيجي لا يقتصر على كونه مكمّلًا أو بديلًا ثانويًا، بل كأحد أعمدة المستقبل الطاقي للبلاد. فمع أكثر من 3500 ساعة شمسية سنويًا، تحتضن ليبيا رصيدًا طاقيًا فريدًا، إذ تشير تقديرات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي والوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن الطاقة الشمسية تمتلك البلاد القدرة على توليد طاقة تعادل 6 أضعاف الإنتاج النفطي الحالي.
في خطوة عملية على طريق استثمار هذا المورد، تم تدشين أول محطة للطاقة الشمسية مطلع يوليو/تموز الماضي في مدينة الكفرة (جنوب البلاد) بقدرة إنتاجية تبلغ 1.14 ميغاواط، لتلبي احتياجات كهربائية تتراوح بين 400 و500 منزل.
وبحسب تصريح المدير العام لشركة "إنفنتي ليبيا" عمر المحيريق -للجزيرة نت- فإن هذه المحطة ستوفر نحو 545 ألفا و500 لتر من الوقود، مع تقليل الانبعاثات الكربونية بما يقرب من 1300 طن سنويًا.
وفي إطار التوسع المستقبلي لمشروعات الطاقة الشمسية، تشير تقديرات الشركة ذاتها -للجزيرة نت- إلى أن مشروعًا بقدرة 100 ميغاواط قادر على توفير نحو 75 مليون لتر من الوقود سنويًا، وإنتاج 294 ألفا و400 ميغاواط/ساعة من الكهرباء، فضلًا عن إيجاد ما بين 1000 و1200 فرصة عمل مباشرة. ويؤكد المحيريق أن هذه الأرقام تعكس الإمكانات الإستراتيجية للطاقة الشمسية في إعادة تشكيل معادلة الاقتصاد والطاقة بليبيا.
أمام هذه المعطيات، يبرز التساؤل: هل تملك ليبيا القدرة على التحول نحو الطاقة النظيفة؟ وما انعكاسات هذا التحول؟ وكيف يمكن تجاوز التحديات التنظيمية والسياسية؟ وما طبيعة الدور المتوقع لكل من القطاعين العام والخاص في دفع عجلة التحول وتسريع وتيرته؟
عبد الله الزائدي الباحث والمحاضر في مجال الطاقة المتجددة جامعة لوڤن البلجيكية أوضح -للجزيرة نت- أن ليبيا تمتلك واحدًا من أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم، حيث تتراوح ساعات السطوع بين 3500 و3700 ساعة سنويًا، مما يجعلها من الناحية التقنية قريبة جدًا من التحول إلى الطاقة الشمسية. لكنه يشير إلى أن هذا التحول لا يزال في مراحله الأولى، مرجعًا ذلك إلى محدودية مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء الوطني، وغياب المشاريع الكبرى التي تربط الإنتاج الشمسي بالشبكة العامة حتى الآن.
يرى الزائدي أن التحدي الأكبر لا يكمن في وفرة الموارد الطبيعية، وإنما في غياب إستراتيجية وطنية شاملة للتخطيط، وضعف البنية التحتية، وغياب الحوافز الاستثمارية، بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في الطلب على الكهرباء بفعل التوسع العمراني، وهو ما ضاعف الضغط على الشبكة وعمّق فجوة الإنتاج والاستهلاك.
وعن إمكانية إحلال الطاقة الشمسية محل إيرادات النفط، أوضح الزائدي أن الطاقة الشمسية قد تكون بديلًا إستراتيجيًا على المدى البعيد، لكن ليس بالمعنى الحرفي لإحلالها محل إيرادات النفط بالكامل، مشددًا على أن النفط والغاز سيظلان سلعتين تصديريتين أساسيتين لجلب العملة الصعبة.
وأكد أن الطاقة الشمسية يمكنها تحرير كميات كبيرة من النفط والغاز المستخدمين محليًا لتوليد الكهرباء أو تغطية الدعم، بحيث تُصدَّر بدلًا من استهلاكها داخليًا، مما يجعلها أداة لتعزيز الإيرادات النفطية وتقليل تقلبات الاقتصاد.
وأشار الزائدي إلى أن محطات التوليد في ليبيا تعتمد بدرجة كبيرة على الديزل والغاز، مما يعني أن استبدال 20-30% من إنتاج الكهرباء الحالي بمصادر شمسية يمكن أن يوفر مليارات الدولارات سنويًا، ويزيد الكميات المتاحة للتصدير.
لكنه شدد على أن ذلك مشروط بعدة إصلاحات، أبرزها تعديل سياسة الدعم تدريجيًا، وتسعير الكهرباء بشكل واقعي مع حماية الفئات محدودة الدخل، وتهيئة إطار تنظيمي شفاف يضمن عقود شراء طويلة الأجل للمستثمرين، وربط المشاريع بالشبكة العامة ضمن خطط توسع واضحة تأخذ النمو السكاني والعمراني في الحسبان، إضافة لمعالجة ظاهرة تهريب الوقود المدعوم التي قد تقوّض الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع.
من جانبها، قالت مروى العرفي رئيس مجلس إدارة شركة "الطاقة الذكية" إن ليبيا تمتلك إمكانات هائلة لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وأوضحت -للجزيرة نت- أن إنشاء توربينتي رياح في منطقة الجبل الأخضر سيكون كافيًا لتغطية احتياجات المنطقة الشرقية من مدينة المرج حتى الحدود مع مصر.
وأضافت أن ليبيا تستعد لإطلاق أكبر محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة النظيفة بهدف تصديرها إلى أوروبا عبر اليونان، وذلك من خلال محطتي المخيلي وطبرق (شرقي البلاد) بالإضافة إلى محطة أخرى بالجنوب.
وشددت مروى العرفي على ضرورة إصدار تشريعات واضحة ومنظمة لدعم هذا القطاع، مؤكدةً أهمية التعاون الفعّال مع الشركة العامة للكهرباء ووزارة الطاقات المتجددة.
وأشارت إلى أن شركتها تعمل منذ 7 سنوات على تشغيل محطات للطاقة الشمسية المستقلة التي تخدم المواطنين في مواجهة الانقطاعات المتكررة للكهرباء، لافتة إلى وجود فائض في الإنتاج على شبكات المواطنين لا يتم استغلاله حاليًا، ومقترحةً توظيف هذا الفائض أو بيعه للدولة لتشغيل المرافق العامة.
بدورها، أفادت شركة "الحماية للأعمال الكهربائية والطاقة المتجددة" -المتخصصة في بيع وتركيب ألواح الطاقة الشمسية- أن الإقبال على المنظومات الشمسية في المنطقة الشرقية، ولا سيما مدينة بنغازي، يشهد نموًا سنويًا متواصلًا، مع ارتفاع ملحوظ خلال العام الجاري.
وأوضحت -للجزيرة نت- أن سعر اللوح الشمسي بقدرة 550 واط (وهي القدرة الأكثر تداولًا حاليًا) يتراوح بين 750 و1000 دينار ليبي (أي ما يعادل نحو 139 إلى 185 دولارًا بالسعر الرسمي) وفقًا للجودة والعلامة التجارية.
وفي تقييمه لسوق الطاقة الشمسية في ليبيا، أكد الزائدي أنه واعد لكنه يفتقر إلى بيئة استثمارية مستقرة، موصيًا بعدة خطوات، أبرزها: