تشير تقارير متطابقة صدرت عن صحيفتي كالكاليست وذي ماركر الاقتصاديتين إلى أن سوق العقارات الإسرائيلي يعيش واحدة من أسوأ أزماته التاريخية، مع انهيار في المبيعات وارتفاع غير مسبوق في عدد الشقق الجديدة غير المباعة، خاصة في تل أبيب ، وسط غياب حلول حكومية حقيقية.
وحسب صحيفة ذي ماركر، فإن مخزون الشقق غير المباعة وصل إلى 80,930 وحدة حتى نهاية مايو/أيار 2025، وهو رقم قياسي يعكس زيادة بنسبة 21.1% خلال عام واحد فقط.
وأكدت "كالكاليست" الرقم ذاته، مشيرة إلى أن السوق يعيش حالة "ركود صامت لا يمكن تجاهله"، فيما تُظهر البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي أن هذه الأرقام تمثل أعلى مستوى تاريخي منذ بدء توثيق المؤشر.
وتربط ذي ماركر بين هذا الانهيار وبين قرار بنك إسرائيل بتقييد قروض المقاولين، مما أدّى إلى تقليص صفقات الدفع المؤجل.
وتشير إلى أن شركات مثل جيندي لجأت إلى تقديم خصومات علنية بدلا من تمويل ميسر، بينما تُحمّل المشترين أعباء التضخم منذ لحظة توقيع العقد.
كما أن الركود السعري دفع بالعديد من المشترين إلى تأجيل قرارات الشراء، في انتظار مزيد من الانخفاض، ما عزّز التجميد في السوق وأبعد المستثمرين.
وتضيف كالكاليست أن السوق المستعملة أصبحت تمثل 62.5% من المبيعات الكلية، في مؤشر واضح على فقدان الثقة بالمشاريع الجديدة .
أما على مستوى المبيعات، فقد شهد السوق هبوطا حادا، إذ تراجعت مبيعات الشقق الجديدة في مايو/أيار بنسبة 37.9%، مقارنة بالشهر ذاته من عام 2024، لتصل إلى 2,430 شقة فقط، في حين بلغت نسبة التراجع مقارنة بالشهر السابق 3.1%.
ووصفت "ذي ماركر" هذه الأرقام بأنها "انهيار فعلي في أحد أكثر القطاعات حساسية في الاقتصاد الإسرائيلي".
كما سجّلت أوفكيم أعلى عدد من المبيعات خلال الربع الأخير بـ532 شقة، رغم تراجعها بنسبة 21.3%، في حين انهارت مبيعات تل أبيب إلى 461 وحدة فقط، بانخفاض تجاوز 50% عن الربع السابق.
وتقول كالكاليست إن السوق بات "عاجزا عن ترجمة الحاجة السكنية إلى حركة بيع حقيقية"، رغم تشريد آلاف العائلات في أعقاب الحرب الأخيرة.
وخلال الفترة بين مارس/آذار ومايو/أيار 2025، تم بيع 21,800 شقة فقط في عموم البلاد، ما يمثل تراجعا بنسبة 23.4% مقارنة بالربع السابق، و12.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حسب كالكاليست.
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن "السوق يعاني ركودا صامتا، لا يمكن تجاهله بعد الآن".
ووفق حسابات كالكاليست، ارتفع عدد "أشهر العرض"، أي الوقت المتوقع لتصريف المخزون الحالي، إلى 30.1 شهرا، مقارنة بـ27.8 شهرا فقط في نهاية مارس/آذار، ما يعني أن السوق في حالة اختناق حاد من حيث التوازن بين العرض والطلب.
وأبدى روني بريك، رئيس اتحاد المقاولين في إسرائيل، انتقاده لطريقة حساب البيانات، مشيرا إلى أن الأرقام "مضللة" لأنها تشمل آلاف الشقق التي لم يبدأ بناؤها فعليا بعد، بل تم تسجيلها كمخزون لمجرد تسوير الموقع، ومع ذلك، يعترف بريك بأن "المبيعات شبه متوقفة، والبناء في أزمة حقيقية".
ويضيف "زمن البناء وصل إلى أعلى مستوياته في التاريخ الحديث، بسبب النقص الحاد في العمالة، وهو أمر لم تتمكن الدولة من معالجته رغم مرور سنوات على تفاقم الأزمة".
ويؤكد بريك أن هذه الأزمة "مرشحة للتصاعد" في ظل عدم وضوح الجدول الزمني لانطلاق آلاف المشاريع المجمدة، والتي لم تعد قادرة على اجتذاب المشترين أو جذب تمويل جديد.
المفارقة الأشد، حسب كالكاليست، أن موجة النزوح الداخلي نتيجة الحرب الأخيرة التي دارت بين إسرائيل و إيران ، والتي تسببت بتشريد آلاف العائلات لم تنعكس بارتفاع في الطلب.
بل إن السوق بقي مشلولا، فيما يعجز القطاع عن تحويل هذه الحاجة الطارئة إلى عمليات بيع ملموسة، حسب الصحيفة.
وتخلص كالكاليست إلى أن التباطؤ لا يرتبط فقط بالمشترين، بل بالبنية التنظيمية الكاملة، فلا توجد مؤشرات على تحفيز حكومي حقيقي لحلحلة أزمة التصاريح أو تسهيل دخول عمال البناء الأجانب، فيما يواجه المقاولون تكاليف تمويل متصاعدة وشروط قروض خانقة.
وتشير الصحيفة إلى أن نسبة الشقق المستعملة ضمن المبيعات الكلية بلغت 62.5%، وهي نسبة تدل على "فقدان الثقة بالسوق الأولية"، وفق تعبيرها.
وفي مايو/أيار وحده، بيعت 4,390 شقة مستعملة، ما يشكّل انخفاضا بـ3.4% مقارنة بالفترة نفسها في العام الماضي، رغم تسجيل ارتفاع بنسبة 8.0% مقارنة بأبريل/نيسان 2025.
وتُظهر المعطيات أن السوق في حالة جمود واضحة، رغم الحاجة السكنية المتزايدة، خصوصا في أعقاب العملية العسكرية الأخيرة التي خلّفت آلاف العائلات دون مأوى، فيما يبقى المخزون غير المبيع في تصاعد، والبناء في أدنى وتيرة له، والمبيعات تواصل الانخفاض.
وفي ظل غياب محفزات اقتصادية أو تدخلات تنظيمية جريئة، تتساءل كالكاليست: "هل نحن أمام انفجار وشيك في السوق أم إن الركود سيصبح هو القاعدة الجديدة في قطاع الإسكان الإسرائيلي؟".