آخر الأخبار

أصوات من غزة.. يوميات الحرب وتجارب النار بأقلام كتابها

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

ماذا دوّن الكاتب في يومياته؟ وما الذي نراه نحن ولا تراه عدسة الكاميرا؟ كنت أظن القيامة لحظة، أو يوما، كم هي طويلة!

وثقت كاتبة اليوميات بسمة جلال حكاية طفل غزاوي استبدل قدمه المبتورة بأنبوب صرف، في أكبر مسلخ بشري في العالم، ثم تشرح لنا كيف باستطاعة طفلة تعاني انتفاخا في رأسها بعد أن أصابتها شظية حطمت عظام جمجمتها، وأحدثت تشوها عاما في الرأس، انتظار فرصة تكاد تكون معدومة، عبر مناشدات للعالم في إمكانية السفر للعلاج وإحضار عظام جمجمتها المخزونة في ثلاجة مشفى ناصر الطبي، قبل أن ينتهي الأسبوعان اللذان يمثلان مدة صلاحية العظام.

ثم تنقل الكاتبة ما كان قد كتبه الصحفي مهند قشطة، عن عائلة من 5 أفراد، افترشوا الشارع الترابي أمام باب خيمة في مواصي خان يونس، وأثناء غفوتهم دهست أقدامهم سيارة لا تملك أضواء أو كوابح.

وعلى دراجة مهترئة، يجلس صغيران على حواف حديدها الصدئ، وكأنها على حبال السيرك بالكاد يمسكان بها وبوالدهم الذي بدا وهو يقودها مشيا على قدميه، وكأنه يحمل الأرض معهما خشية السقوط.

وكلما انقلب الليل إلى جحيم، كررت بسمة هذه العبارة "وأنتم تضعون رؤوسكم على الوسائد، وحين تخلدون لنوم هادئ في سرير دافئ، تذكروا أن هناك شعبا كاملا مشردا في الطرقات والخرائب".

مواجهة الموت

"لِمَ قرأت كل هذه الكتب إن كانت ستموت في رأسي عند أقرب شظية أو تحت ركام البيوت؟"، يتساءل الكاتب والمفكر والفيلسوف، ثم يتابع: "لا أحد سيتذكرني، لا أحد يقدر قيمتي، فنحن كلنا في جحيم، رقم ضمن أرقام، وبقايا جسد يتحرك رغم أن لا رأس ولا أطراف فيه، ضمن أشلاء أخرى تعود لأحلام وأمنيات كانت تسكنها؟".

ويتساءل كاتب آخر "لمَ نحر والدي الخراف فداء لأرواحنا إن كنا سنموت بهذا العبث"؟ ويتساءل الكاتب والمختص في الصحة النفسية، الدكتور سعيد محمد الكحلوت "كيف يمر العالم على مشاهد موتنا كأنها مجرد خبر، ثم يواصل حياته ببرود، ينهض إلى قهوته الصباحية، ويتركنا نحن عالقين بين الموت والنوم المؤقت".

إعلان

ويسرد حكاية امرأة سقطت من شاحنة النزوح، فدهستها شاحنة أخرى فور سقوطها على الأرض، ثم يتحدث بمرارة أكثر عن ذل الحروب "النساء يقضين حاجاتهن في الشارع، تحت سيارة أو بجانب حجر".

وفي مواجهة الموت المتكرر، وهو ينزح بصغاره يقول "جربوا أن تواجهوا الموت وجها لوجه، ما أقبح وجهه لو تعلمون حين يطلب بصفاقة أحد أطفالكم ثم يمد يده الضخمة وينتشل أحدهم من أحضانكم، ثم ما يلبث إلا أن يعود كرّة أخرى وأنتم عاجزون عن فعل شيء، أي شيء".

ويخلص الكحلوت إلى إجابة سؤال مفاده: "هل يكبر الإنسان فجأة عمرين فوق عمره؟ نعم حين يفقد أمه، وقد شيعتُها بعد أن أضعتُها ذات نزوح قبيح".

مصدر الصورة الكاتب والروائي يسري الغول: نكتب لننجو بأفكارنا ومعتقداتنا وليس للنجاة بأجسادنا (الجزيرة)

"أن تسأل كيف الحال، يعني أن تشهد على انهيارنا، كأننا كومة من ثلج تحولت بعد ذوبانها السريع إلى فيضان! كأن يطل عليك أحدهم بجناحيه بعد أن بُترا وكأنه لا يزال يستذكر صورته قبل الحرب"!

يقول دوستويفسكي: "إذا أردت أن تعيد إنسانا للحياة، ضع في طريقه إنسانا يحبه، إنسانا يؤمن به، فالعقاقير وحدها لا تكفي".

كيف سيعود شعب غزة للحياة؟ وقد ذهب الذين يحبونهم، فلذات أكبادهم، الأم والأطفال، والأهل، والأحبة، والجيران، والمساكن، والذكريات.

لذلك يرد الكاتب يسري الغول في يومياته: الأرض لن تغفر، إن ما يجري يفوق قدرة العقل على التخيل، فالمفاضلة بين المصابين بات أمرا شبه عادي داخل المشافي، وكذلك في نقلهم من داخل الخيام والبيوت!

وفي رد على قصف استهدف مكانا قريبا جدا منه، يقول "اليوم نجوت ولكن ماذا عن الغد!"، ومن شدة القهر يقول يسري الغول "لولا أنك خائف أن تقول الناس عنك مجنونا، لصرت تصرخ، وتصرخ، وتصرخ: إلى متى يا الله، هل تبصر حالنا؟".

ويقول في مكان آخر: "الحياة هنا تقاس بالصدف، صدفة تنجو، وصدفة تقتل، الجندي الذي يضغط على زر المدفع، أو يسير طائرة في السماء، لا يرى وجهك أو مكانتك الاجتماعية، هو يراك هدفا فقط!".

كما توثق الكاتبة نهيل مهنا حكاية الجوع قائلة "الجوع في غزة ليس مجرد خرافة، كنا نقاتل من أجل ما هو مقدس لدينا، من أجل بحرنا، حدودنا، وجودنا بحد ذاته، الآن نقاتل من أجل قطعة طعام معلب أو كيس دقيق.. نأكل علف الحيوانات لنتجنب الانهيار جوعا واحدا تلو الآخر".

يتعاطف العالم معنا وهو يمسح آثار الطعام عن فمه، وكأنه يخرج لنا لسانه وهو يستعرض صور وفيديوهات الأكلات الشهية على إنستغرام. هل عدد الشيفات "والفود بلوغرز" تضاعف خلال الحرب، أم أن المجاعة هي التي تجعلك تتخيل أن كل شيء متواطئ ضدك؟ "تبدأ حياتك محاولا فهم كل شيء، وتنهيها محاولا النجاة من كل ما فهمت".

وتتحدث نهيل مهنا بسخرية مرة عن أن الحياة بغزة باتت كلعبة تعاونية، "منا ومنكم".. منا الشاي ومنكم الماء، منا ألواح الطاقة ومنكم البطارية وهكذا.

أما الكاتب والشاعر أكرم الصوراني الذي يتحدث غالبا بلهجة شعبية عامية، ممتلئة بالتفاصيل فيكتب "البيت هو الوطن والوطن هو البيت وباقي الخريطة تفاصيل".

وكتب "نزوح الروح" يسرد بمرارة رحيله عن بيته مع عائلته وزوجته أماني، وكأنه يطرح رثاء للبيوت والحارات والأزقة والجدران.

إعلان

ويقول الشاعر عثمان حسين: "لا بأس ولكن، هل سأصحو غدا كعادتي محبطا ومهملا كنبي تراجعت عنه العباد؟".

ثم تطرح الكاتبة بيسان عبد الرحيم أسئلتها، من المخيف جدا أن تصل للحظة لا تخاف فيها من الموت.. من تفاصيل القيامة، "أكفن خوفي.. أضعه أمامي وأجلس".

ولأن لا شيء تبقّى، تبتلع غصتها وتقول: "غادروا… وانسوا طراوة لحمنا تحت كل مدفعية!".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار