آخر الأخبار

تحديات البقاء.. الهجرة إلى ألمانيا للعمل في الرعاية والتمريض

شارك
تعمل ألمانيا على جذب عاملين في قطاع الرعاية الصحية وخاصة رعاية المسنين من الخارج وتقديم التسهيلات والمغريات لهم للقدوم والبقاء في ألمانياصورة من: Bonninstudio/Westend61/IMAGO

أكثر من 300 ألف شخص غادروا وطنهم في السنوات الأخيرة ويعملون الآن في ألمانيا في رعاية المسنين والمرضى. هذا أمر جيد لألمانيا، ولكن هل هو جيد أيضا للعاملين في مجال الرعاية؟ العديد من الدول تسعى لجذب القوى العاملة في هذا المجال.

يتحدث الباحثون عن "صناعة هجرة" دولية. يؤكد الباحث الجغرافي ستيفان كوردل من جامعة إرلانغن نورنبرغ في مقابلة مع DW أن الهجرة العمالية في قطاع الرعاية أصبحت عالية الاحترافية. تتنافس الجهات الحكومية والخاصة وحتى العيادات الفردية ودور الرعاية على كوادر الرعاية المتخصصة والمتدربين في مهن الرعاية. الأمر يتعلق بمصالح اقتصادية.

ويضيف زميله توبياس فايدنغر أن الأمر يبدو في الحالات القصوى كما يلي: "يرجى من وكالة التوظيف أن توفر لنا خمسة مهاجرين للعام التدريبي المقبل. إذا عاد أحدهم إلى بلده الأصلي فيرجى توفير آخر بدلا منه. لقد طلبنا خمسة لذا نريد خمسة".

أظهرت العيادات على وسائل التواصل الاجتماعي مدى أهمية الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة كجزء من الفريق. بدون الهجرة ستنهار الرعاية في ألمانيا كما، حسب ما توصلت إليه الوكالة الاتحادية للعمل: إذ أن "ما يقرب من ربع العاملين في دور رعاية المسنين يحملون جنسية أخرى".

إذا نظرنا إلى جميع المهن في مجال الرعاية نجد أن كل خامس شخص يأتي من الخارج. والاتجاه آخذ في الازدياد: هناك نقص في العمالة الماهرة والعديد من العاملين في مجال الرعاية يتقاعدون، والبعض الآخر يترك المهنة بسبب عبء العمل الزائد.

خبير الجغرافيا ستيفان كوردل: تتنافس الجهات الحكومية والخاصة وحتى العيادات الفردية ودور الرعاية لجذب كوادر الرعاية المتخصصة والمتدربين في مهن الرعاية من الخارجصورة من: privat

دراسة: كيف حال العاملين في مجال الرعاية من ذوي الأصول المهاجرة في ألمانيا؟

إلى جانب مقدمي الرعاية الجدد من الخارج هناك عمال مهرة في المستشفيات أو في رعاية المسنين يحملون جواز سفر ألماني ولديهم اصول مهاجرة. وهناك لاجئون على سبيل المثال من سوريا أو أوكرانيا. جميعهم يحرصون على رعاية المرضى والمسنين في ألمانيا حتى الآن، لأن الحاجة في المجتمع المتقدم في السن تزداد بشدة. لكن كيف هو حال هؤلاء في ألمانيا؟ هل هم بخير بما يكفي للبقاء؟

قام فريق متعدد التخصصات من الخبراء في جامعة فريدريش ألكسندر في إرلانغن نورنبرغ بدراسة كيفية تحقيق الاستدامة في توظيف مقدمي الرعاية من ذوي الأصول المهاجرة. وقد استطلعوا آراء مقدمي الرعاية والمسؤولين في المستشفيات ومرافق الرعاية والإدارات ومدارس اللغة ومراكز الاستشارة والوكالات.

في دراستهم بعنوان "مشاركة العاملين في مجال الرعاية من ذوي الأصول المهاجرة" يظهر الباحثون بشكل واضح ما هو مهم لرفاهيتهم في مكان العمل في مجال الرعاية، وكذلك في الحياة اليومية خارج نطاق العمل.

جاءت الممرضة الهندية برياراج برابا إلى ألمانيا من خلال برنامج التوظيف الحكومي ”Triple Win“.صورة من: Oliver Dietze/dpa/picture alliance

التوظيف: كتيبات دعائية ملونة.. من يفوز؟

" برلين جميلة، وهايدلبرغ رومانسية". يتم الترويج باستخدام كتيبات دعائية ملونة، كما يذكر الباحث كوردل. لكن ينتهي المطاف بالكثيرين في الريف حيث تختلف الأوضاع تماما عما توحي به الكتيبات. بالنسبة لمقدمي الرعاية غالبا ما يعتمد الأمر على الصدفة في تحديد المؤسسة التي سينضمون إليها ومدى المساعدة التي سيحصلون عليها لبناء حياة جديدة.

هناك برامج حكومية "فوز ثلاثي" لدول مختارة مثل الفلبين والهند وإندونيسيا وتونس. ومن المفترض أن يستفيد الجميع: بلدان المنشأ وألمانيا والأشخاص الذين سيتم توظيفهم بتغطية تكاليف دورات اللغة والرحلات الجوية لهم على سبيل المثال. وهناك علامة جودة حكومية للوكالات الخاصة: "التوظيف العادل في مجال الرعاية في ألمانيا".

بالإضافة إلى ذلك هناك مقدمو خدمات يطلبون أموالا طائلة من العاملين في مجال الرعاية ، كما يروي ستيفان كوردل: "تم دفع 12000 يورو وتم الحصول على قروض وساهمت العائلة في تغطية التكاليف". ويضطر المتضررون إلى العمل في وظيفة إضافية إلى جانب عملهم في مجال الرعاية من أجل سداد الديون. ويجب توضيح هذه المسألة بشكل أفضل.

العمل في مجال رعاية المسنين مرهق ما يدفع البعض إلى تغيير مهنتهم والعمل في مجال آخرصورة من: Tim Wegner/epd-bild/picture alliance

خيبة أمل.. الغسيل بدلا من وضع المحاليل الوريدية

في العديد من البلدان الأصلية لا يتم تعلم الرعاية بشكل أساسي كوظيفة تتطلب تدريبا مثلما هو الحال في ألمانيا، بل من خلال الدراسة الجامعية. من لم يتم إعلامه بشكل صحيح لا يكتشف إلا في ألمانيا أنه يقضي الكثير من الوقت في الرعاية الأساسية مثل غسل المرضى أو تقديم الطعام بدلا من القيام بمهام طبية. في البلدان الأصلية غالبا ما تتولى الأسر أو المساعدون هذه المهام.

وتقول ميان ديفيزا غراو من منظمة PhilNetz e.V للشتات الفلبيني لـ DW إن خيبة الأمل كبيرة عندما لا يُسمح للممرضات والممرضين الفلبينيين الحاصلين على شهادات جامعية في ألمانيا بوضع المحاليل الوريدية أو القثطرة: "لا يستطيعون فهم ذلك: لماذا لا يُسمح لي بفعل ذلك؟"

تعلم اللغة الألمانية.. اللهجات والعبء المزدوج

"يجب أن أتعلم الكثير من اللغة الألمانية في المساء. لذلك لا أملك الوقت الكافي. في عطلة نهاية الأسبوع علينا التحضير للامتحان ودورة اللغة الألمانية. كما أننا نضطر للذهاب إلى دورة اللغة الألمانية يوم الأحد". هكذا تصف متدربة من فيتنام حياتها اليومية في الدراسة. لا يتبقى لها سوى القليل من الوقت لإقامة علاقات اجتماعية. يضاف إلى ذلك الكثير من الإجراءات البيروقراطية. مما يجعل برامج التوجيه والتفهم من قبل الزملاء أكثر أهمية.

يتعلم المتدربون ومقدمو الرعاية اللغة الألمانية في بلدانهم ويحصلون على شهادات اللغة. ولكن غالبا ما يمر وقت طويل قبل دخولهم إلى ألمانيا. وفي بعض مناطق ألمانيا يتحدث الناس لهجات يصعب فهمها. لذا يوصي خبراء جامعة إيراك فون دير إيبر بتقديم دورات لغة محددة أثناء العمل، ويمكن للمؤسسات أن تتواصل مع بعضها البعض على المستوى الإقليمي لتحقيق ذلك.

ألمانيا، فيلشتيدت 2024 ، احتجاج على ترحيل ممرضات كولومبياتصورة من: Sina Schuldt/dpa/picture alliance

نوبة الأمهات والمزيد من وسائل النقل العام

يقول الباحثون إن بعض التغييرات في مجال الرعاية يمكن أن تجعل الحياة أسهل للجميع. فهناك فرق العمل الصباحية التي تصر على أن يتم غسل جميع المرضى بحلول الساعة الثامنة والنصف حتى يتمكن الفريق من أخذ استراحة. إذا كان على ممرضة أن توصل طفلها إلى الحضانة ولا يمكنها الاعتماد على عائلتها لأنها تعيش في الخارج فلا يمكنها أن تبدأ العمل قبل الساعة الثامنة والنصف.

فلماذا لا ندخل نوبة عمل للأمهات أو الآباء تبدأ في وقت متأخر، بحيث يقومون بغسل المرضى في وقت متأخر؟ هذا يساعد أيضا الآباء والأمهات الذين ليسوا من المهاجرين ويسعد المرضى الذين يحبون النوم لوقت متأخر.

يطلق توبياس فايدنغر على ذلك اسم "إزالة العوائق". صحيح أن الأشخاص الذين يأتون إلى ألمانيا من الخارج يعانون أكثر من غيرهم بسبب حواجز اللغة وغياب الشبكة الاجتماعية، ولكن التغييرات ستفيد الجميع. وينطبق ذلك أيضا على توفر عدد كافٍ من الحافلات في المساء بعد انتهاء الدوام المتأخر أو توفر شقق رخيصة بالقرب من أماكن العمل.

التمييز والعنصرية

سأل الباحثون العاملين في مجال الرعاية: "ما النصائح التي تقدمونها لشخص أجنبي يرغب في العمل في مجال الرعاية في ألمانيا؟" أجابت امرأة من غينيا تعيش في ألمانيا منذ أكثر من عشر سنوات وتحمل الجنسية الألمانية: "إنه سيواجه بالتأكيد تجارب عنصرية".

وهذا ليس حالة فردية، كما تثبت الدراسة. فقد بذلت المستشفيات ودور الرعاية جهودا لتوعية الموظفين. أما بالنسبة للمرضى وأقاربهم فلم يكن هناك أي توعية تقريبا. يقول فايدنغر: "إذا قال الشخص الذي يتلقى الرعاية إنه لا يريد أن يتلقى الرعاية من شخص أسود، فسيكون الأمر صعبا".

يوجد تمييز ضد الأقليات في جميع مجالات الحياة كما تظهر دراسات أخرى: في الدوائرالحكومية ووسائل النقل العام وفي الشوارع وسوق الإسكان.

يقول ستيفان كوردل: إن شعور العاملين في مجال الرعاية بالراحة يعتمد على المجتمع بأسره. "تؤثر تجارب التمييز والعنصرية على قرار البقاء أو مغادرة المؤسسة، أو مكان الإقامة أو حتى مغادرة ألمانيا مرة أخرى". كما أعرب العاملون الفلبينيون في مجال الرعاية عن قلقهم بشأن الشعبوية اليمينية و حزب البديل من أجل ألمانيا ، حسب تقرير ديفيزا غراو. قال البعض: "سأجرب. إذا لم ينجح الأمر سأذهب إلى مكان آخر". كندا على سبيل المثال تجذبهم بشدة.

يحذر الخبراء من أنه بدون العاملين ذوي الأجانب في مجال الرعاية سينهار هذا القطاع ألمانياصورة من: Friso Gentsch/dpa/picture alliance

البقاء في ألمانيا أم الرحيل؟

يريد الناس أن يتم قبولهم وأن يستقروا، وهذا ما توثقه الدراسة: "سأبقى حيث تعيش عائلتي في رفاهية. حيث لا أتعرض للتنمر ولدي أصدقاء".

ينصح العلماء من جامعة إرلانغن نورنبرغ بزيادة التواصل بين صناع القرار السياسي والوسطاء ومؤسسات الرعاية، خاصة مع الأشخاص الذين هاجروا أنفسهم. هذا ما ترغب فيه المنظمات الفلبينية أيضا كما تقول ميان ديفيزا غراو: "يتحدثون كثيرا عن العمالة الماهرة التي يتم توظيفها، لكنهم لا يتحدثون معهم".

يقول الباحث فايدنغر إن الكثيرين يدركون اليوم الحاجة إلى ثقافة الترحيب. "ما زالت تنقصنا ثقافة البقاء"، ويضيف بأن "تحقيق المشاركة والاندماج وبقاء المهاجرين هو ماراثون طويل". الهدف هو "خلق ظروف عمل ومعيشة جذابة على المدى الطويل في ضوء الخصائص المميزة للمهاجرين. عندئذ يمكنني خلق ظروف عمل ومعيشة جذابة للجميع".

أعده للعربية: م.أ.م

تحرير: عارف جابو

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار