في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يوم الأحد قبل الماضي، كان متحف اللوفر الأيقوني في العاصمة الفرنسية مسرحا لعملية سرقة سريعة، اختفت خلالها 8 قطع من المجوهرات الثمينة التي تعود إلى العصر النابليوني من طابقه الثاني.
شملت المسروقات تاجا يعود لمجموعة مجوهرات الملكة ماري آملي والملكة هورتنس، وعقدا من الزمرد استخدمته الإمبراطورة ماري لويز، ودبوسا كبيرا (بروش) يخص الإمبراطورة أوجيني، وغيرها من النفائس المماثلة.
تناقلت وسائل الإعلام الدولية نبأ السرقة بدراما متوقعة، فعلى سبيل المثال، صدحت شبكة "سي إن إن" (CNN) بعنوانها "سرقة مجوهرات تاريخية في ‘كارثة وطنية’ لفرنسا"، ومضى المقال ليذكر أن أحد التيجان المنهوبة "يحتوي على 24 ياقوتة سيلانية و1083 ماسة يمكن فصلها وارتداؤها كدبابيس (بروشات)، وفقا لمتحف اللوفر".
يكاد هذا اللطم المثير للشفقة أن يذكّرنا بـ"كارثة وطنية" معاصرة أخرى في باريس، ألا وهي حريق كاتدرائية نوتردام في أبريل/نيسان 2019، الذي فطر قلوب السياسيين في جميع أنحاء العالم، في حين ظلوا غير متأثرين على ما يبدو بأحداث أكثر مأساوية بمقاييس موضوعية، مثل المذابح الإسرائيلية المتكررة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
والآن بعد أن شهدنا عامين كاملين من الإبادة الجماعية الشاملة في غزة، برعاية الجيش الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة، يبدو أن فقدان كل ذلك الياقوت والماس قد لا يكون في نهاية المطاف "كارثيا" إلى هذا الحد على الأقل، كما تعلمون، في ما يتعلق بالحالة العامة للإنسانية ومستقبل الكوكب.
في الواقع، قد يجد الكثيرون منا أنفسهم يشجعون اللصوص، إلى حد ما، ولو كان ذلك مجرد "إصبع احتجاج" رمزي يُرفع في وجه عالم قائم على عدم مساواة فاحش وأولويات في غير محلها.
للتوضيح، يُعد متحف اللوفر ومؤسسات الفن النخبوية المماثلة له رموزا للظلم التاريخي، لكونها تعمل كمستودعات للكنوز التي جمعها الملوك الذين بنوا ثرواتهم على حساب الطبقات العاملة، ناهيك عن القطع الأثرية الثقافية والآثار المسروقة من الممتلكات الاستعمارية السابقة وغيرها من ميادين السطوة الإمبراطورية.
في كتابها "إنهاء استعمار المتاحف" (Decolonize Museums)، تشير المنسقة والباحثة شمريت لي إلى أن "حتى مصطلح ‘loot’ (نهب) المشتق من الكلمة الهندية ‘lut’، والتي تعني ‘ممتلكات مسروقة’، قد تم الاستيلاء عليه وإدخاله إلى اللغة الإنجليزية نتيجة للسيطرة البريطانية على الهند".
وفي معرض تعليقها على كيفية عرض المتحف البريطاني في لندن "تقليديا للمنحوتات المنهوبة من الهند وبرونزيات بنين"، المملكة الواقعة في غرب إفريقيا (الواقعة الآن بنيجيريا) والتي غزتها بريطانيا عام 1897 وضمتها لاحقا إلى الإمبراطورية البريطانية، تلاحظ شمريت لي أن "متحف اللوفر الفرنسي أنشأ صالات عرض في أوائل القرن الـ19 خصيصا لإيواء العديد من القطع التي استولى عليها نابليون وحاشيته من مصر".
تكتب لي أنه في الوقت الحاضر، "من المستحيل أن تجد متحفا غربيا لا يحتفظ بقدر ما من المواد الثقافية من أفريقيا أو آسيا أو أوقيانوسيا أو أميركا الأصلية"، وهو إرث من الاستعمار العنيف والاستغلالي الذي لا تزال تداعياته تؤثر على حياة الشعوب الأصلية والسود في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، فإن "المتحف، بجدرانه وأضوائه البيضاء، يساعد في فقدان الذاكرة التاريخي، ويوهم الزوار بأن هذا العنف موجود فقط في الماضي".
"المتحف، بجدرانه وأضوائه البيضاء، يساعد في فقدان الذاكرة التاريخي، ويوهم الزوار بأن هذا العنف (الاستعماري) موجود فقط في الماضي"
وهنا جرى تقديم لصوص مجوهرات يوم الأحد، وكأنهم يتقمصون دور "روبن هود"، لكن لسوء الحظ، فإن هذا النوع من إضفاء الطابع الرومانسي قاصر، إذ الأغلب أن "الروبن هوديين" المزعومين لم يقوموا بهذه الحركة المثيرة كبيان سياسي ثقافي ضد فقدان الذاكرة التاريخي، بل لمجرد تحقيق مكاسب مالية عبر بيع الكنوز المنهوبة لأثرياء آخرين متخصصين في فن الاقتصاد القائم على الاستغلال.
في مقالها الأخير حول السرقة، تؤكد إميلين سميث -وهي محاضرة في علم الجريمة بجامعة غلاسكو في أسكتلندا- أن المجوهرات المسروقة هي "نتاج تاريخ طويل من الاستخراج الاستعماري"، حيث تم تعدين الأحجار الكريمة المنهوبة في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، وهي مناطق "تعرضت للاستغلال المنهجي لمواردها الثقافية والطبيعية لإثراء البلاطات والإمبراطوريات الأوروبية".
على حد تعبير سميث، فإن "المواقع الاستعمارية الفرنسية والشبكات الأوروبية الأوسع نطاقا كانت توجه هذه الموارد القيمة إلى البلاطات الملكية وكبار هواة الجمع"، كل ذلك جرى بالاستناد لإرث العبودية القديمة.
ومن بين القطع الموجهة تمثال من القرن الـ19 نحته الفنان المستعبد في البلاط أكاتي إيكبليكندو من مملكة داهومي -وهي مستعمرة فرنسية سابقة- في جمهورية بنين الحالية (والتي لا ينبغي الخلط بينها وبين مملكة بنين التي استولت عليها بريطانيا)، والتي تشير سميث إلى أن "بنين طالبت باستعادته مرارا وتكرارا ولكنه لا يزال معروضا في جناح الجلسات (Pavillon des Sessions) باللوفر".
مرة أخرى، إذن، ليس من الصعب أن نرى لماذا قد نميل نظريا، نحن المهتمون بالعدالة العالمية، إلى النظر بعين الرضا إلى الخسارة المادية التي لحقت باللوفر يوم الأحد.
ولكن في نهاية المطاف، لا تستحق هذه السرقة كل هذا القدر من الرومانسية. كما أنها لا تستحق تصنيفها كـ"كارثة وطنية" أو دولية، وحقيقة أن هناك أناسا يصورونها على هذا النحو هي في حد ذاتها كارثة.
المصدر:
الجزيرة