آخر الأخبار

حيدر التميمي عن الاستشراق والترجمة في فهم الفكر العقدي الإسلامي

شارك

يمثل علم الكلام أحد أعمدة الفكر الإسلامي، الذي انشغل منذ قرون بقضايا العقيدة والتوحيد والصفات والنبوة. وقد حظي باهتمام واسع، ليس فقط لدى علماء المسلمين، بل أيضا عند المستشرقين الذين رأوا في هذا العلم بوابة لفهم البنية الفكرية والدينية للعقل الإسلامي.

وفي هذا السياق، برزت جهود عدد من المستشرقين الذين تصدوا لتحقيق كتب كلامية تراثية أو ترجموا بعضها إلى اللغات الأوروبية، مما فتح أفقا واسعا للنقاش حول طبيعة مقاربتهم، وصدق مناهجهم.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 جدل واسع في إيران حول تعديل قانون المهر المؤجل
* list 2 of 2 جغرافيون مجتمعون في فرنسا يناقشون ترامب و"إعادة كتابة الجغرافيا" end of list

نقترب هنا من هذا الموضوع المعقد الذي يتقاطع فيه النقد الأكاديمي مع الحساسية الدينية والتراثية، ونسعى إلى تسليط الضوء على واقع نشر المصادر الكلامية الكلاسيكية في الغرب، ومدى تأثير ترجمات المستشرقين في تلقي هذه النصوص، فضلا عن مناقشة جهود التحقيق العلمية العربية في مقابل النشر الغربي.

في حوار للجزيرة نت مع الباحث العراقي الدكتور حيدر قاسم مطر التميمي، الحاصل على الدكتوراه في التاريخ والفكر الإسلامي والاستشراق من جامعة بغداد (2015م)، ورئيس الأبحاث في قسم الدراسات التاريخية في مؤسسة بيت الحكمة العلمية، نستوضح بعض هذه القضايا.

ومن أبرز مؤلفات الدكتور حيدر:


* بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الإسلامي (2011م).
* علم الكلام الإسلامي في دراسات المستشرقين الألمان (2018م).
* مدرسة الاستشراق الهولندية ودورها في حفظ التراث الإسلامي (2022م).

وعن اهتمام المستشرقين بالشرق، يقول التميمي: "إن دواعي متابعة هذه الدراسة وتلك الأبحاث ضمن هذه العلوم لم تنتف أبدا، بل على العكس من ذلك؛ فالحاجة إليها ما زالت قائمة بقدر تنامي تمثلات الشرق العربي الإسلامي في الإصدارات الاستشراقية".

ويضيف التميمي: "لطالما اتجهت أعمال المستشرقين إلى التعرف على علم الكلام في مضمونه الذاتي وقرائنه التاريخية والحضارية، وإلى معالم المذاهب الكلامية للفرق الإسلامية".

إعلان

وعن جهود المستشرقين في فهرسة المخطوطات، يشير الأكاديمي العراقي إلى أن: "الجهود التي بذلت إلى زماننا المعاصر لم ترتق إلى المستوى الذي يليق بتراث نهبه الغرب وتفرغ لدراسته مئات الباحثين والمحققين".

وحول فكرة إنشاء مركز لأبحاث الاستشراق في الدوحة، يعلق التميمي قائلا: "أجد أن دولة قطر، بما تحتله من مكانة أكاديمية ونهضة علمية، هي المحل الأنسب لتأخذ زمام المبادرة في إنشاء مركز دراسات يُعنَى بالدراسات الاستشراقية".
37827284ححح
ويؤكد: "إنني على يقين أن هذا المشروع سيكون له اليد الطولى في ترصين البحث الأكاديمي ضمن هذا المجال المعرفي الحيوي".

فإلى الحوار:

مصدر الصورة المستشرقون ساهموا بترجمة وتحقيق نصوص علم الكلام الإسلامي، مما أثر في النقاشات الغربية حول العقيدة والفكر الإسلامي في سياق تاريخي وفلسفي (الجزيرة)
*

هل ما زال الشرق اليوم يمثل سردية كبرى في الخطاب الاستشراقي؟

لعل إجابتنا هنا تأتي متوافقة مع السؤال الذي طالما طرح في المحافل الأكاديمية التي عُنيت بدراسة الظاهرة الاستشراقية عموما، والمتمثل في ماهية الجدوى من متابعة الأبحاث في الاستشراق ودراسته، في الوقت الذي تعالت فيه بعض أصوات المستشرقين ودارسي الاستشراق، وما فتئت تؤكد نهاية هذا الحقل المعرفي المخصوص من المعرفة في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

والواقع أن دواعي متابعة هذه الدراسة وتلك الأبحاث ضمن هذه العلوم لم تنتف أبدا، بل على العكس من ذلك؛ فالحاجة إليها ما زالت قائمة بقدر تنامي تمثلات الشرق العربي الإسلامي في الإصدارات الاستشراقية التي ما زالت تتوالى إلى حد اليوم، مشكّلة بذلك التعرف الغربي الإنشائي إلى هذا الشرق أو خطابه عنه، الأمر الذي يستدعي ضرورة إعمال النظر النقدي في تاريخ الرؤية الغربية خلف مكوناته الناظمة لها وفي ثوابتها، وكذلك في أسس منهج إنتاجها وآلياته المختلفة.


*

هل لك أن تحدثنا عن نشأة علم الكلام الإسلامي باختصار؟

تبلورت النواة الأولى لعلم الكلام في فضاء بعض الاستفهامات، وما اكتنفها من جدل وتأمل في مدلولات بعض الآيات القرآنية المتشابهة، التي تتحدث عن الذات والصفات والقضاء والقدر. ثم اتسع بالتدريج مجال هذه الأسئلة والتأملات، فشملت مسائل أخرى تجاوزت قضية الألوهية والصفات إلى الإمامة، فور التحاق النبي الكريم ﷺ بالرفيق الأعلى.

إذ لم يبدأ تطور علم الكلام الإسلامي، على غرار الفقه، إلا بعد وفاة النبي ﷺ؛ فطوال مدة حياته، كان يتلقى إيحاءات معصومة من الخطأ لحل كافة مسائل الإيمان أو العرف التي قد تنشأ، مما يدعم القول بعدم تشكل أي نظام لعلم الكلام أو حتى مجرد التفكير فيه.

في هذا الفضاء الثقافي تشكل علم الكلام، وصار واحدا من الإبداعات المعرفية للحضارة الإسلامية. وقد انخرط في دراسته وتدريسه والتأليف فيه عدد كبير من العلماء المسلمين منذ نهاية القرن الهجري الأول/ السابع الميلادي، وبلغ ذلك ذروته في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي.

وصار تنوع الأقوال في علم الكلام هو الأساس لوجود الفرق والاتجاهات المختلفة في الإسلام؛ فميلاد أية فرقة، ونموها، وتأثيرها في مسار الحياة الإسلامية، بات يتوقف على بنائها آراء وتصورات مستدلة في القضايا العقائدية. ولهذا عملت الفرق التي ظهرت، ببواعث سياسية، على صياغة فهم عقائدي خاص بها، وشددت على أفكار محددة استندت إليها بوصفها مرجعية في سلوكها السياسي.

إعلان

أما الجماعات التي أخفقت في تكوين منظومة عقدية تصدر عنها مواقفها السياسية، فإنها انطفأت باكرا، وإن خطف وهجها الأبصار عند ظهورها.


*

ما هي المدارس الاستشراقية الأوروبية التي عُنيت عناية خاصة بالتراث العربي الإسلامي في مجال علم الكلام الإسلامي؟

بحث المستشرقون في علم الكلام الإسلامي منذ نشأته وتاريخه، مرورا بأطواره، وتناولوا العوامل التي ساعدت على تكوينه، ومنها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي. ولم تقتصر أعمال المستشرقين على التأليف والكتابة، بل تنوعت إلى عدد من الأشكال، منها التدريس الجامعي الذي لا تكاد تخلو جامعة منه.

وقد يوجد في بعض الجامعات الغربية تخصصات متنوعة تُعنَى بالدراسات الإسلامية، منها ما يتناول دراسة اللغة العربية، ومنها ما يختص بدراسة تاريخ وحضارة الإسلام. وتضم هذه الجامعات مكتبات مليئة بالمصادر والمراجع العربية والإسلامية، إذ تقوم بتأهيل الدارسين ليواصلوا العمل في المجال الاستشراقي.

ولعل من أبرز المدارس الاستشراقية التي عُنيت بدراسة علم الكلام الإسلامي المدرسة الألمانية والفرنسية، لما تميز به هذا المجال المعرفي من تقارب مع الفكر الفلسفي، الذي اشتهرت به هاتان المدرستان عن باقي مدارس الفكر الغربية عموما.

مصدر الصورة تبرز جهود المستشرقين الألمان في علم الكلام الإسلامي كنافذة لفهم الفكر الديني الإسلامي (الجزيرة)
*

جال المستشرقون الألمان بقاع العالمين العربي والإسلامي طوال عقود، ما هو الدور الذي أداه هؤلاء المستشرقون في المنطقة؟ وهل كانت لديهم تحيزات أو خلفيات سياسية معينة؟

نتفق هنا مع ادعاء إدوارد سعيد (1935 – 2003م) بأنه لم يكن لألمانيا "اهتمام قومي طويل ومستدام بالشرق"، وبهذا فليس لها استشراق من النوع ذي الدوافع السياسية. وهو بهذا القول يلغي ألمانيا والدراسات العلمية الألمانية من استكشافه لرابطة السلطة/ المعرفة التي منحت الشرعية والديمومة لمشروع الإمبراطورية الاستعمارية الأوروبية.

ذلك أن الاستشراق الألماني لطالما كان مهتما بالدراسة المهنية للنصوص، لا بممارسة السلطة الاستعمارية. وبما أن الدراسات الاستشراقية الألمانية كانت تفتقر إلى "الاهتمام الوطني" المباشر، فإنها كانت بعيدة عن الممارسة والإدارة الاستعمارية.


*

هل يمكنك أن تحدثنا عن الطرائق والسبل التي وصلت بها المخطوطات والوثائق والكتب المختلفة من العالمين العربي والإسلامي إلى أوروبا؟

عاشت الدول العربية في حقب تاريخية كثيرة أوضاعا سياسية صعبة تراجعت فيها قيمة الفكر، ولم تتمكن من المحافظة على تراثها ووثائقه النادرة، ففقدت كنوزا معرفية كثيرة. وكما يذكر كوركيس عواد (1908 – 1992) فإن عدد المخطوطات العربية التي كُتبت في القرون الخمسة الأولى للهجرة فقط "لا تدخل تحت الحصر، فهي من الكثرة والتنوع بحيث يتعذر على الباحثين من أبناء عصرنا أن يلموا بأسمائها جميعا". وكان جل هذه المخطوطات محفوظا في خزائن الكتب في المساجد والمدارس ودور العلم وقصور الخلفاء وأعيان الناس، لكن ما سلم منها لم يتعد بضع مئات فقط.

وتزخر قوائم الكتب القديمة بعناوين كتب لم يعثر على أصولها، وهو ما يشير إلى قدر المفقود من المخطوطات العربية. لكن الأوروبيين وغيرهم من المستشرقين، ممن فتنوا بحضارة الشرق، حرصوا على جمع المخطوطات العربية في فترات مختلفة من التاريخ، مما أدى إلى تناثر المخطوطات العربية في مكتبات العالم، فتوزعت أصول الحضارة العربية في عدة دول.

وبوسعنا هنا حصر إسهامات المستشرقين في خدمة المخطوط العربي ضمن خمس مجالات، هي في النهاية المجالات المهمة التي يمكن أن يخدم التراث من خلالها، وهي على الترتيب الآتي:


* البحث عن المخطوطات، والرحلة إليها، وجمعها، ونقلها، وحفظها، وصيانتها.
* فهرسة المخطوطات، وتوثيقها وضبطها ورقيا (وعائيا أو بيبليوغرافيا)، وربما تكشيفها وتلخيصها.
* تحقيق كتب التراث العربي – الإسلامي.
* الدراسات والأبحاث حول التراث، مع العناية بالمعاجم.
* ترجمة التراث العربي الإسلامي إلى اللغات الأجنبية المختلفة.
إعلان

*

ما أكثر النصوص الكلامية التي حظيت باهتمام استشراقي؟ ولماذا في رأيكم؟

لطالما اتجهت أعمال المستشرقين إلى التعرف على علم الكلام في مضمونه الذاتي وقرائنه التاريخية والحضارية، وإلى معالم المذاهب الكلامية للفرق الإسلامية، مثل المعتزلة والأشاعرة والإسماعيلية والإمامية والإباضية من الخوارج.

واتجه الاهتمام كذلك إلى دراسة كبريات القضايا الكلامية، مثل البحث في الصفات الإلهية، وفي نظرية التكليف، وفي منزلة العقل عند المتكلمين. في حين اهتمت بعض الدراسات بالتعرف على أهم الأعلام من المتكلمين من مختلف المذاهب. كما اتجه الاهتمام إلى الكشف عن المؤثرات الثقافية في أنساق المتكلمين.


*

ما أبرز النتاجات العلمية الخاصة بعلم الكلام الإسلامي بالنسبة للمستشرقين؟

كان للأشعري اهتمام خاص عند المستشرقين باعتباره المؤسس للمذهب الأشعري، الذي يعد الأكثر انتشارا في عهد الدولة العثمانية، فكثرت كتاباتهم عنه.

من ذلك مثلا: شبيتا الذي كتب كتابا بعنوان تاريخ أبي الحسن الأشعري ومذهبه، وكذلك هوتسما الذي ألف العقيدة الإسلامية والأشعري. وكتب تومسون عن الأشعري في صحيفة العالم الإسلامي. كما كتب الأب اللار مشكلة الصفات الإلهية في عقيدة الأشعري وهجاء الأشعري.

وكتب برد نشفيبج المعتزلة والأشعرية في بغداد. كما كتب فان ميهرين عن الأشعري، وحقق كتاب تبيين كذب المفتري لابن عساكر. كذلك حقق كتاب مقالات الإسلاميين للأشعري كل من رودولف اشتروطمن، وهلموت ريتير. وحقق الأب مكارثي كتاب اللمع للأشعري.

مصدر الصورة المدرسة الألمانية والفرنسية حققت تقدما في دراسة علم الكلام الإسلامي، بينما اهتمت المدرسة الهولندية بحفظ التراث العربي والإسلامي وتقديمه للعالم بشكل علمي، بعيدا عن التحيزات (الجزيرة)
*

هل ما زال هناك اهتمام للمستشرقين بمصادر علم الكلام ومخطوطاته، خصوصا العقيدة الإسلامية؟ وكذلك التخصص في القضايا الكلامية؟

اهتم المستشرقون بالتراث العربي والإسلامي، وانشغلوا بالبحث فيه والتنقيح والتحقيق في مخطوطاته وحفظه ونقده. وقد أولوا علم الكلام نصيبا وافرا وجهدا واضحا، فأخذوا بدراسته والجد في معرفة نشأته وأبرز مسائله وتنوع مذاهبه.

وكان لكثير منهم مآرب سياسية أو دينية، كما كان لفريق منهم حب للتعلم والدراسة والبحث الموضوعي البعيد عن العداء والرغبة في الهدم والتشويه.

وفي دراسة أجراها عبد العظيم الديب بعنوان المستشرقون والتراث، بين فيها أن نسبة المنشور من جملة المنشورات الاستشراقية التراثية أخذ فيها التصوف وعلم الكلام والفلسفة ما يقارب 43%، في حين أن التاريخ والتراجم لم تتجاوز 30%، أما باقي العلوم مثل الفقه والتفسير والأدب والبلاغة فبلغت 4.3% فقط.


*

بالنسبة إلى الإسلام والعالم العربي المعاصر، ما الذي استجد في الدراسات الاستشراقية المتعلقة بالإسلام والعالم العربي؟

عُنيت الجامعات الغربية بفتح أقسام علمية تُعنَى بشؤون الشرق وثقافته، وأصبحت مراكز الفكر تتجه أكثر لدراسة قضايا الشرق الأوسط والفكر الإسلامي.

وقد استطاع خبراء الدراسات الشرقية أن يتبوّؤوا مكانة أساسية في المشهد الثقافي والإعلامي بالولايات المتحدة -على وجه الخصوص- بعد أحداث سبتمبر 2001 وما تبعها من أحداث عنف تبنتها جماعات تدعي أن لها مرجعية إسلامية.

كما اضطلعت مراكز الفكر من خلال خبرائها بوظائف أخرى، من قبيل توفير المعلومات والمعطيات الضرورية، وتحليل الوقائع والمستجدات، ودراسة الواقع وفهمه، واستشراف تداعياته في المستقبل القريب والبعيد، وضبط الأولويات، واقتراح السيناريوهات المحتملة، وتقديم حلول وبدائل، وتحديد التكلفة والحاجيات والمكاسب المنتظرة.


*

ماذا عن جهود المستشرقين في فهرسة المخطوطات؟ هل كانت علمية محضة، خالية من التحيزات الاستشراقية، أم تداخلت مع أهداف أيديولوجية؟

إن الجهود التي بذلت إلى زماننا المعاصر لم ترتق إلى المستوى الذي يليق بتراث نهبه الغرب وتفرغ لدراسته مئات الباحثين والمحققين؛ بحثا وتحقيقا وتنقيبا في كل ما يتعلق بالتراث العربي والإسلامي؛ ليتمكنوا من جعل مضامين هذا التراث مادة مرجعية دسمة بين أيدي الباحثين ومراكز الدراسات والمؤسسات التعليمية العالية، ويتم استثماره في المجالات العلمية والتنموية والحضارية وغيرها من المجالات، في خدمة البلدان والمجتمعات الغربية التي طالما ادعت التطور والتقدم والرقي والحضارة، إلى جانب فهمهم لواقع بلداننا ومجتمعاتنا وتراثنا، كي تكون لقمة يسهل تناولها برضا وتعاون أهلها وأصحابها.

إعلان

*

هل بالإمكان ذكر أسماء بعض المستشرقين ونتاجهم؟

أول المخطوطات التي نشير إليها هنا، كتاب "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" لمؤلفه ابن المرتضى أحمد بن يحيى الزيدي المعتزلي (763-840هـ/1362-1437م)، الذي نشره المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد Sir Thomas Walker Arnold (1864-1930م) في لايبزيغ Leipzig سنة (1316هـ/1902م)، معتمدا على نسخة المخطوط المحفوظة في مكتبة برلين تحت رقم (230)، من مجموعة (جلازر) اليمنية.

ولابن المرتضى أيضا، كتاب (طبقات المعتزلة)، الذي عُنيت بتحقيقه المستشرقة الألمانية سوسنه ديفلد فيلزر Susanne Diwald-Wilzer (1922-1989م)، ضمن سلسلة النشرات الإسلامية الصادرة عن جمعية المستشرقين الألمانية، بإدارة كل من: هيلموت ريتر وألبرت ديتريش، وبإخراج المطبعة الكاثوليكية ببيروت سنة 1380هـ/1961م، وعن دار النشر: فرانز شتاينر / فيسبادن Franz Steiner Verlag GMBH., Wiesbaden.

ولأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (159-255هـ/775-868م) رسالة بعنوان: "في الرد على النصارى"، كانت محط عناية المستشرق يوشع فنكل ( J. Finkel) الذي حققها ونشرها في البدء عن الدار السلفية في القاهرة سنة 1926.

كذلك فقد نال كتاب "الانتصار والرد على ابن الروندي الملحد" نصيبه من اهتمام المستشرقين، وهو من تأليف الخياط المعتزلي أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان (توفي بعد سنة 300هـ/912م)، قام بتحقيقه مع وضع مقدمة مطولة باللغة العربية المستشرق السويدي هينريك نيبرج، أستاذ الدراسات السامية في جامعة أوبسالا ( Uppsala Universit)، ناشرا إياه عن دار الكتب المصرية سنة 1925م.

وللقاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسي الزيدي (169-246هـ/785-860م). كتاب في "الرد على الزنديق اللعين ابن المقفع"، نشره وترجمه إلى الإيطالية المستشرق الإيطالي مايكل آنجلو غويدي (Michelangelo Guidi) ) 1886 – 1945(، أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية في الجامعة الملكية في روما (Regia Università di Roma)، سنة 1927، تحت عنوان: "الصراع بين الإسلام والمانوية".

من أبرز إنجازات المدرسة الفرنسية، ما حققه المستشرق ليون برشيه (Léon Bercher) (1889-1955)، مدير معهد الدراسات العليا بتونس، بنشر وترجمة مخطوط كتاب "الرسالة" لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني (310-386هـ/922-996م)، أحد أبرز علماء المذهب المالكي في بلاد المغرب العربي.

ويُعدّ كتاب "المجموع في المحيط بالتكليف" أحد أبرز مؤلفات القاضي عبد الجبار المعتزلي (359-415هـ/969-1025م) العقائدية، فبرغم كل ما قيل وكتب عن هذا المؤلف الضخم، فإن العناية الفائقة التي أولاها إياه مجموعة من المستشرقين والمؤسسات البحثية الغربية تعد دلالة واضحة على تميزه والمكانة الخاصة التي احتلها بين مصادر العقيدة والكلام الإسلامية.

إذ صدر الجزءان الأول والثاني من الكتاب بتحقيق وعناية المستشرق اليسوعي جين يوسف هوبن -1973 ( Jean Joseph Houben) )1904- 1973( ومراجعة واستدراك الفرنسي دانييل جيماريه (Danyāl Gīmārīh)، عضو جمعية النقوش والآداب الجميلة في باريس (Académie des inscriptions et belles-lettres)، الأول عن المطبعة الكاثوليكية ببيروت سنة 1965، والثاني عن دار المشرق ببيروت سنة 1981.


*

كيف تقيمون الترجمات الغربية لأعمال المتكلمين مثل الجويني والغزالي والشهرستاني؟

كما هو معروف، إن الترجمات الأولى لنصوص علم الكلام الإسلامي إلى اللغات الغربية قام بها الأكاديميون، ونشرت في إطار دراسات الاستشراق التخصصية، أي أن الترجمة من العربية -ضمن هذا المجال- كانت مقصورة على الأساتذة الجامعيين، وليس على المترجمين أو الأدباء كما هو الحال في الفروع الأخرى.

وبالفعل، تبدو الترجمات القليلة الأولى لمخطوطات ونصوص علم الكلام الإسلامي التي قام بها المستشرقون الأوربيون وكأنها أبحاث علمية أكثر منها كونها أعمالا أدبية بكل معنى الكلمة. وهناك من يقول إن الهم الأساسي لهؤلاء المترجمين -أو بالأحرى المستشرقين الأوائل- كان إظهار معارفهم الرفيعة المستوى، من خلال الحواشي والشروح في أسفل الصفحات المترجمة، عوضا عن الاهتمام بكيفية ترجمة النص وإيصاله إلى القارئ العادي بسلاسة.

ومع بداية عصر النهضة (Renaissance)، ازداد الاهتمام بالشرق عامة، وأسهمت مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية في دفع الدراسات الاستشراقية في الدول الأوروبية، كي تنمو لتشكل منظومة معرفية تسعى لخدمة الغرب في سعيه الدؤوب لتحقيق أهدافه التي تنوعت وتعددت اتجاه بلدان المشرق.

وللمكانة المهمة لكتاب "الملل والنحل" لأبي الفتح الشهرستاني، لكونه يمثل موسوعة جامعة وموجزة لمختلف المقالات والملل والأهواء والنحل، فقد عُني المستشرقون بدراسته والبحث فيه، وكذلك ترجمته إلى لغاتهم.

ومن أبرز ترجمات الكتاب تلك التي قام بها المستشرق الألماني ثيودور هاربروكر (Theodor Haarbrücker)، (1818-1880)، ونشرها باللغة الألمانية سنة 1850، وقد حققه من قبل المستشرق البريطاني ويليام كيورتن، تحت عنوان " Book of religious and philosophical sects" ، ونشره بجزأين خلال السنوات (1842-1846).

ومنذ نهاية عشرينيات القرن الماضي بدأ اهتمام المستشرق الإسباني أسين بلاثيوس بأبي حامد الغزالي، أحد مؤسسي المدرسة الأشعرية في علم الكلام. ففي البدء، عمد إلى ترجمة كتاب "الاقتصاد في الاعتقاد"، تحت عنوان ": El justo medio en la creencia. Compendio teologia dogmatica de Algazel"، سنة 1929.

ليبدأ منتصف عقد الثلاثينيات بدراسة موسعة أخرى حول الغزالي وكتابه "إحياء علوم الدين"، تحت عنوان: "روحانية الغزالي في التفسير المسيحي"، معلنا أن عمله هذا كان محصورا بالتفسير ووجهة النظر المسيحية الاستشراقية عن هذا المتكلم والصوفي المسلم، مركزا على موضوعات الممارسة الروحية من كتاب الإحياء. في الجزء الأخير من هذه الموسوعة، يقدم أسين مختارات من أعمال الغزالي (21 عنوانا) يحللها بإيجاز بعدما يترجمها للإسبانية.

ومن المستشرقين الآخرين الذين عُنوا بدراسة وترجمة مؤلفات أبي حامد الغزالي، الألماني فرانز اشميلدرز، الذي ضمّن كتابه المعنون بـ"بحث في المدارس الفلسفية عند العرب.. وخصوصا مذهب الغزالي"، نص كتاب "المنقذ من الضلال" وترجمته إلى الفرنسية.

كما ترجم المستشرق الإنجليزي مونتغمري وات كتاب الغزالي الشهير "المنقذ من الضلال"، ولكن هذه المرة إلى اللغة الإنجليزية، وكتب له مقدمة بعنوان: "الإيمان والممارسة عند الغزالي" (The faith and practice of al-Ghazali).

وكذلك المجري إغناتس غولدتسيهر، الذي عمد إلى تقديم نشرته القيمة لفصول من كتاب "المستظهري" في الرد على الباطنية للغزالي، التي يتحدث في مقدمتها عن فكرة "الاجتهاد" و"التقليد"، مميطا اللثام عن النزاع الذي كان على أشده في العصر الذي بلغت فيه الدعوة الفاطمية والإسماعيلية أوج عزها، في مقابل رجال وعلماء مذهب أهل السنة، بعد أن تناوله الغزالي بالإصلاح.

لماذا ركز المستشرقون على الاهتمام باللغة العربية بشكل خاص على حساب اللغات الأخرى في الشرق عموما؟

لقد اهتم المستشرقون مبكرا بدراسة اللغة العربية ولهجاتها لأسباب ودوافع عديدة ومختلفة، ترتبط بخلفيات البلدان والمدارس التي ينتمون إليها.

فقد قدم المستشرقون إلى العالم العربي للبحث في أحواله وثقافته منذ القرن التاسع عشر، وكانت (جهودهم) في معظمها أعمالا متواضعة تقوم على جمع المادة ودراستها بطريقة تقليدية، لكنها لم تلبث حتى تطورت واشتد عمودها بفضل تقدم الدراسات اللغوية المعاصرة في الغرب واستفادتها من الاختراعات الحديثة.

فقد اهتم العديد من المستشرقين بالجانب اللغوي في دراستهم لمجتمعات العالم الشرقي، باعتبار أن اللغة هي الجسر الذي يربط المستشرق بالمجتمع، ولا سبيل للتعرف على تراث وثقافة العالم العربي دون التمكن من لغته ولهجاته، بحيث لم يكتف علماء الاستشراق في أوروبا بدراسة اللغة العربية وادخار كتبها، لكنهم انصرفوا منذ عهد اختراع الطباعة إلى الشيء الكثير من تواريخ بلاد العرب وجغرافيتها وتراجم رجالها وأصول شعوبها.

وكانت الاتجاهات الأساسية لاهتمام المستشرقين باللغة العربية تتميز بعدة خصائص يمكن إجمالها في التركيز على النصوص التراثية بقصد فهمها واستخلاص القواعد منها، والاعتماد على الكتب العربية النحوية والصرفية والمعجمية.

لذا كانت بداية جهودهم في القرن الماضي تنصب على تحقيق كتب التراث بشكل عام. وكان شغفهم هذا يرجع إلى سببين أساسيين: الأول، حين انتشر الإسلام خارج الجزيرة العربية، فاحتاج أبناء الشعوب غير العربية (الموالي) إلى إتقان اللغة العربية، لكونها لغة الدين والدولة والحضارة، حتى برعوا فيها؛ والثاني، من خلال دراستها من قبل الغربيين واهتمامهم بتعلمها لأسباب شتى، منها ما هو ديني، سياسي، وعلمي، في إطار الحركات الاستشراقية.

مصدر الصورة المؤتمر الدولي للاستشراق في نسخته الأولى بالدوحة (الصحافة القطرية)
*

كيف تقيم مشاركتك في المؤتمر الدولي للاستشراق بالعاصمة القطرية الدوحة؟ وهل تشجع على إنشاء مركز لبحوث الاستشراق بالدوحة؟

مثل هذا المؤتمر -بالنسبة لنا- منصة فكرية وأكاديمية تجمع المستشرقين والمفكرين والباحثين، لبحث واقع الدراسات الاستشراقية وتطورها، ومواقفها التاريخية والمعاصرة من قضايا العصر، فضلا عن تفاعلات الشرق والغرب عبر التاريخ.

حيث شارك فيه نخبة من القامات العلمية العربية والغربية، كما أشرف عليه نخبة تمثلت في اللجنة العلمية. أما بالنسبة لمشاركتنا في هذا المؤتمر، التي حملنا خلالها اسم مؤسسة بيت الحكمة كأحد مراكز الفكر العربية المشاركة فيه، فقد حاولنا من خلالها بيان كيف أن لجميع العلوم والظواهر الفكرية تاريخها الذي يشهد على حركتها ونموها وتأثرها وتطورها وتحولاتها المهمة.

ولا يخرج الاستشراق عن دائرة هذه القاعدة المنهجية، فإن البحث في تاريخه ومراحل تطوره من شأنه أن يكشف اللثام عن طبيعة الرؤى والمناهج التي تتبناها وتتبعها مدارسه الجديدة اليوم.

نعم، أجد أن دولة قطر، بما تحتله من مكانة أكاديمية ونهضة علمية، هي المحل الأنسب ليأخذ زمام المبادرة لإنشاء مركز دراسات يُعنى بالدراسات الاستشراقية، خصوصا وأننا على اطلاع كبير بمراكز الأبحاث القائمة الآن في دولة قطر، وخصوصا تلك التي تتبع وتنبع عن مؤسسات الدولة الرسمية، وما حققته من تقدم واضح في مجال البحث العلمي.

وبالتالي، فإنني على يقين أن هذا المشروع سيكون له اليد الطولى في ترصين البحث الأكاديمي ضمن هذا المجال المعرفي الحيوي، الذي بالإمكان له الاستعانة بالخبرات والطاقات الأكاديمية الجادة من تلك المتخصصة في هذا المجال، سواء من خلال الكفاءات الموجودة داخل دولة قطر أم من خارجها من مختلف الدول العربية، الذين سيكونون بالتأكيد عونا لرفد نشاطات هذا المركز بالأفكار والرؤى التي من شأنها الارتقاء بواقع هذا المجال الحيوي من مجالات البحث العلمي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار