آخر الأخبار

كتاب "عربية القرآن": منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النصوص القرآنية

شارك

في إصدار جديد يعد من الإضافات البارزة في ميدان تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، يقدم الدكتور خالد شحو والأستاذ ناصر إسليم كتابا مدرسيا بعنوان "عربية القرآن- الغواص في لغة القرآن"، عملا أكاديميا صدر في مجلدين، الأول مخصص للمستويين الابتدائي والمتوسط، والثاني للمستوى المتوسط والمتقدم، ويهدف إلى إعادة تعريف الطريقة التي يتعلم بها الطالب اللغة العربية من خلال القرآن الكريم، لا كمجرد نص ديني، بل كبنية لغوية ثرية يمكنها أن تفتح أمام المتعلم أبواب الفهم والتعبير والتأمل الحضاري.

وينطلق المؤلفان من قناعة عميقة بأن من أراد إتقان العربية بحق، لا يمكنه تجاوز القرآن الكريم بوصفه المصدر الأعلى لفصاحتها وثرائها. فاللغة في هذا السياق ليست فقط موضوعا للتعليم بل وسيلة لاكتساب ملكة لغوية متجذرة تمكن المتعلم من خوض تجربة لغوية متكاملة، تربط بين مهارات اللغة جميعها من قراءة واستماع وكتابة وتحدث، وبين التفاعل مع ثقافة النص القرآني وروحه.

ولا تقتصر الرؤية التعليمية للكتاب على تقديم اللغة بوصفها نظاما نحويا أو قاموسيا، بل تطرح كل وحدة دراسية كمفتاح لرحلة تفاعلية مع معاني القرآن وتراكيبه وصوره البلاغية.

يتميز هذا المؤلف بأنه يتجاوز الطرق التقليدية التي غلبت على مناهج تعليم "عربية القرآن"، والتي تتراوح بين 3 نماذج رئيسية: أولها المقاربة الآلية التي تفرغ النص من معانيه الحية وتحصره في تمارين نمطية لا تتيح للطالب ربط اللغة بسياقها الواقعي، وثانيها المقاربة التفسيرية التي تجعل المتعلم يتعامل مع معاني القرآن من خلال لغة وسيطة، مما يحرمه من التفاعل المباشر مع الأصل العربي للنص، وثالثها المقاربة التهويلية التي تقدم النص القرآني منذ البداية على أنه معقد وصعب، مما يؤدي إلى إرباك المتعلم وتثبيط همته. ومن خلال تجاوز هذه المقاربات، يقدم "عربية القرآن" طريقا مختلفا يجعل من اللغة القرآنية مسارا مفتوحا للفهم والتطبيق، حيث يندمج النص في حياة الطالب وتجاربه الخاصة.

إعلان

في جانب المنهجية، يطرح الكتاب مقاربة شمولية تسعى إلى تنمية المهارات اللغوية الأساسية من خلال تمارين تطبيقية تتداخل فيها البلاغة مع النحو، والقراءة مع التعبير، في مسار يحاكي اللغة كما تتجلى في سياقات حية متكاملة.

ولا يقتصر الكتاب على النصوص الدينية فحسب، بل يستحضر نصوصا من الحديث الشريف، ومن الشعر العربي الكلاسيكي، والحكم والأمثال، ويفعلها من خلال تمارين تنقل المتعلم من التلقي السلبي إلى الفعل والمشاركة. كما يشجع المتعلم على التأمل في الجماليات اللغوية، واستنباط المعاني من السياق، واكتساب الثقة الكافية للتعامل مع نصوص قرآنية جديدة لم يتعرض لها مسبقا.

ومن السمات اللافتة في هذا الكتاب استثماره الذكي في الوسائط التكنولوجية الحديثة، حيث تم تزويد صفحاته برموز "كيو آر" (QR) تتيح للمتعلمين الوصول إلى مواد سمعية وبصرية مرافقة، تتضمن نماذج صوتية لتلاوة الآيات، وشرح قواعد التجويد، وتقديم أنشطة تفاعلية تعتمد على الاستماع الدقيق والتكرار النطقي. وتعد هذه الخاصية دعما مهما لتهيئة الأذن اللغوية للمتعلم وتعويده على الإيقاع الداخلي للنص القرآني، بما يحمله من موسيقى لغوية وتراكيب إيقاعية فريدة. وهذا يجعل تجربة التعلم أكثر حيوية وشمولا، حيث لا ينحصر الطالب في القراءة الصامتة أو الفهم البصري فقط، بل يصبح جزءا من تجربة لغوية متعددة الحواس.

فهو أكثر من مجرد كتاب دراسي، إذ يقدم "عربية القرآن" مشروعا منهجيا يعيد تموضع المتعلم كمستكشف مستقل للنص. يعلمه كيف يقرأ القرآن لا بالحفظ أو التقليد، بل بالتأمل والتحليل والبحث عن البنية الداخلية للمعنى. فالغاية هنا ليست فقط إتقان مجموعة من الآيات، بل اكتساب أدوات التفاعل مع نصوص جديدة، والتعامل مع اللغة العربية بوصفها أداة فهم حضاري وروحي. ومن هنا، فإن الكتاب يتجاوز كونه وسيلة تعليمية تقليدية ليصبح بمثابة مفتاح لفهم النص القرآني بعيون لغوية جديدة.

الكتاب موجه لفئات متنوعة تشمل طلاب المدارس الثانوية والجامعات، والمهتمين بتعلم العربية لأغراض دينية وثقافية، ومعلمي العربية الذين يسعون إلى تجديد طرائقهم وتقديم محتوى جذاب قائم على معايير تربوية حديثة مثل تلك التي تعتمدها مؤسسة "أكتفل" (ACTFL). كما يخاطب الباحثين عن منهج لغوي حديث يتعامل مع القرآن الكريم كنص تربوي وثقافي في آن واحد، لا كنص مغلق متعال أو معقد.

وبينما يتجه كثير من جهد تعليم اللغات نحو الرقمية والتفكيك الوظيفي للنصوص، يعيد الكتاب الاعتبار إلى "النص الكامل" كمدخل لتعليم العربية، ويعيد الوصل بين اللغة بوصفها نظاما، والثقافة بوصفها حياة، والقرآن بوصفه المعين الأعمق للعربية المعاصرة. ومن هنا، لا يقدم "عربية القرآن" فقط مادة تعليمية بل أيضا دعوة تربوية وفكرية لإعادة استكشاف العربية من خلال أقدس نصوصها، وأغناها لغويا وتعبيريا.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار