في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لطالما كان للمستشرقين الأوروبيين دور مؤثر في فهم وتوثيق تاريخ وثقافة الشعوب الأفريقية، والتي غالبا ما شابها تحيزات استشراقية تركز على تصوير أفريقيا من زاوية تابعة للغرب. وفي هذا الحوار الخاص، مع البروفيسور كَبَا عمران، تفتح الجزيرة نت، نافذة على تاريخ معقّد ومتشابك بين الغرب الاستعماري وغرب أفريقيا، من خلال عدسة الاستشراق وأبعاده الثقافية والتعليمية والدينية.
والبروفيسور عمران، من جمهورية غينيا غرب أفريقيا، وُلِد عام 1968م، في آبدجان، في كوت ديفورا، يشغل منصب، عميد كلية الآداب وعلوم اللغة، ومدير برامج دكتوراه اللغة والحضارة العربية بجامعة الجنرال لانسانا كونتي، كوناكري، جمهورية غينيا.
نستكشف مع الباحث الغيني البارز في شؤون الهوية الأفريقية والعلاقات الثقافية بين أفريقيا والعالم العربي، بدايات الاستشراق الأوروبي في غرب القارة الأفريقية، وكيف تحوّل من مجرّد فضول أكاديمي إلى أداة سياسية وأيديولوجية استُخدمت في محاربة الإسلام، وتهميش اللغة العربية، التي كانت لقرون لغة علم وتعليم وثقافة في هذه المنطقة.
يرصد البروفيسور عمران، من خلال هذا الحوار، الأدوار التي لعبها المستشرقون في إعادة تشكيل الوعي الأفريقي بما يتماشى مع مصالح القوى الاستعمارية، ويقول: "كانت أهداف تقارير هؤلاء المستشرقين ومخططاتهم بعيدة المدى لتحقيق جميع أهدافهم القريبة والبعيدة، منها: السيطرة الكاملة على غرب القارة، سيطرة عسكرية، تليها سيطرة تعليمية بفتح مدارسها الفرنسية والإنجليزية، ثم يليها تنصير المناطق الوثنية، ثم مواجهة المناطق ذات الغالبية المسلمة".
ويتحدث عن مشاريع المستشرقين البحثية والتعليمية في إقصاء اللغة العربية من المنظومة التعليمية، إذ يؤكد: "تمّ توظيف بعض المستشرقين خصيصا لمواجهة التعليم العربي الإسلامي في غرب القارة السمراء"، وعن محاولة المستشرقين فصل المجتمعات الأفريقية عن تراثها الديني والثقافي المرتبط بالإسلام.
إذ يشير إلى أنهم "لما أخفقوا في قضائهم على الدين الإسلامي نصّروا الجماعات الوثنية، ومن والاهم من المسلمين واغترّوا بثقافتهم الأوروبية"، ويوضح بأن الأوروبيين "شوّهوا إسلامهم وأضلّوهم بالتغريب وسلخوهم من الاعتزاز بالإسلام إلى الاعتزاز بالحداثة الأوروبية".
ويؤكد البروفيسور كَبَا عمران في حديثه، أنّ تركيز المستشرقين على التعليم العربي كان يهدف إلى "عرقلة تقدم التعليم العربي لكي يتقدم التعليم الفرنسي بكل سهولة"، فإلى الحوار:
View this post on Instagram
ظهرت بدايات الاستشراق في منطقة الغرب الأفريقي مع الاستعمار الأوروبي الذي خطّط إلى توظيف بعض المستشرقين المكتشفين لأغراض كثيرة خلال القرن الـ18 والـ19 الميلاديين. لأنّ إدارة الاستعمار بقيت على سواحل المحيط لأطلسي تتعامل مع المحليين بتجارة النخاسة، ولم تتجرّأ أن تتوغل داخل المدن، لذا فضّلت أن ترسل عيونا لها من المستشرقين الذين وقّعوا على اتفاقيات مسبقة قبل القيام برحلات ضحّوا بحياتهم لتحقيقها، لأن كثيرا منهم لقوا منيتهم فيها، واختفوا الآخرون فلم يعثر على آثارهم من شيء.
وبعد أن وقفت إدارة الاستعمار على حقيقة ما في داخل القارة من ثروات ومن خواطر، وما لها من شعوب وديانات، استعدت أن ترسل إليها جنودا لتحقيق سيطرتها الكاملة. وبعد الوقوف على تقارير هؤلاء المستشرقين وضعوا مخططات بعيدة المدى لتحقيق جميع أهدافهم القريبة والبعيدة، منها: السيطرة الكاملة: سيطرة عسكرية، تليها سيطرة تعليمية بفتح مدارسها الفرنسية والإنجليزية، ثم يليها تنصير المناطق الوثنية، ثم مواجهة المناطق ذات الغالبية المسلمة. ويمكن تحديد هذه البدايات بالقرن الـ17، واستمر الوضع على ذلك إلى منتصف القرن الـ19، الذي يعد عصر المقاومة الدموية ضد الاحتلال الأجنبي للمنطقة.
نعم، تمّ توظيف بعض المستشرقين خصيصا لمواجهة التعليم العربي الإسلامي في غرب القارة السمراء، منهم البريطاني مونغو بارك، وبول مارتي. وذلك بعد ظهور خطورة المقاومة التعليمية الإسلامية ومقاومة الزعماء المسلمين في المنطقة: إنَّ الجبهة التي تصدّت للثقافة الأوروبية هي جبهة تكون من العلماء المستعربين والزعماء الصوفيين والمتعلمين بخلاف جبهة الملوك الوثنيين الذين كانوا معجبين بهم، في الوقت الذي يكفّرهم المسلمون ويلعنونهم، ويقولون إنهم أصحاب جهنم اعتمادا على أوصافهم السيئة الواردة في القرآن الكريم.
أما مقاومة الزعماء المسلمين فظهرت في جميع أقطار غرب أفريقيا: الشيخ مابا جخو، والملك لاتجو جوب في السنغال، والشيخ محمد الأمين درامي في مالي، والحاج عمر تال والإمام ساموري توري في غينيا، وغيرهم. الأمر الذي جعل المستعمرين يندفعون إلى معرفة هذه الجماعة الإسلامية في أفريقيا، لذا استطاع المستشرق "رينيه كايي" أن يعبر غرب القارة السمراء من شمالها المغربي إلى غربها وراء الصحراء، فعرف خلال ذلك امتداد الإسلام ورسوخه في الجماعات الإسلامية.
لأنّ أكثر الزعماء المقاومين للاحتلال الأجنبي من الشيوخ الصوفيين، لذا وجّهوا بعض المستشرقين لدراسة الزوايا الصوفية لمعرفة الأسباب العقدية لكراهية الاحتلال ولمعرفة نوايا بعض الشيوخ الصوفيين الذين اشتهروا بشعبيتهم وجماعتهم.
والجدير بالذكر أنّ هؤلاء الشيوخ كانوا محل ارتياب شديد، يتهمهم المستعمرون أنهم يبثون كراهية "الرجل الأبيض" في نفوس المواطنين، ويذكرون في مواعظهم أنّ "توباب الأوروبيين" (توباب Toubabou: لفظة محلية ومعناها الرجل الأبيض)، أسباب جميع الانحرافات الخلقية وتفشّي انحلال الأخلاق: خمر، ورقص، ودعارة، ونخاسة…، بل هم حزب الشيطان الرجيم.
الدوافع الاستعمارية هي أهمّ دوافع المستشرقين لمعرفة الثروات المعدنية والزراعية والحيوانية، ولمعرفة مدى تجذّر الإسلام في المناطق المحتلة، لكي يعرفوا مدى إمكانيات تنصير المناطق الوثنية ومراقبة المناطق الإسلامية. كما بيّنت سابقا أنّ أهداف المستعمرين مخططة بإستراتيجية متوالية: الاستعمار العسكري السياسي، ثم الاستعمار الاقتصادي، ثم الاستعمار الثقافي التعليمي، ثم الاستعمار الديني، وينتهي كل ذلك إلى "استعمار سياسي كامل" كي يتحقق مشروع "جمهورية فرنسا ما وراء البحار" وقد تحقّق هذا المشروع مع "مايوت" (Mayotte) ومارتينك وغويانا الفرنسية.
لذا جاء الجنرال الفرنسي، شارل ديغول (1890-1970م)، بمشروع الاستفتاء خلال أواخر الخمسينيات من القرن الـ20، لتختار الدول الأفريقية الانضمام إلى مشروع جمهورية فرنسا ما وراء البحار أو الاستقلال التام، فاختارت غينيا الاستقلال التام في استفتاء 28 أغسطس/آب 1958 خلال انتخابات وطنية، فخرجت فرنسا من غينيا بجميع أدواتها وإداراتها ورجالها الإداريين وأساتذتها فبقيت غينيا يتيمة أو أرملة بدون أي معونة فقال الرئيس أحمد سيكو توري: "نفضل الحرية في الفقر على العبودية في الغنى".
الموضوعات التي ركّز عليها المستشرقون هي معرفة الجماعات القبلية العرقية ولهجاتها اللغوية، ومواطن الثروات المعدنية (كالذهب مثلا)، ومعرفة أديانهم الوثنية أو الإسلامية. وتدفعهم نتيجة ذلك كله إلى وضع مخطّطات إستراتيجية للاستفادة من أحوال تلكم المناطق.
ويمكن تصنيف هؤلاء المستشرقين إلى أصناف: من اهتموا بجميع ما يتعلق بالمنطقة من ثروات معدنية وحيوانية وزراعية، ومن أخبار عن الممالك والجماعات، ومن مجموعات لغوية ودينية، ومن مناطق سلمية وذات خطورة على الاحتلال الأجنبي. لذا خلّف كل مستشرق دراسات إخبارية عن مشاهداته ولقاءاته الميدانية، وما جمع من تراث عربي إسلامي.
أوّل ما يركزون عليه هو أخبار السلطة المحلية السياسية للقضاء عليها، ثم البيئة الاجتماعية لإثبات وجودهم المحلي. وبعد ذلك يولون اهتمامهم بالدين فينصّرون الجماعات الوثنية ويتعاملون بسكان المناطق الإسلامية بالمبادلات التجارية: الرقيق والقطن والذهب والمحصولات الزراعية.
لا اهتمام لهم بالتاريخ الأفريقي القديم، ولكن عنايتهم بوضعية الأفارقة في مناطقهم أكبر، ثم يصفون بمشاهداتهم كل ما تقع عليه عيونهم من أخبار بيئية، وهي ما زالت موجودة في "الأراشيف الوطنية" لمعظم بلدان غرب أفريقيا.
فلما أخفقوا في قضائهم على الدين الإسلامي نصّروا الجماعات الوثنية، وأما من والاهم من المسلمين واغترّوا بثقافتهم الأوروبية فإن الأوروبيين شوّهوا إسلامهم وأضلّوهم بالتغريب وسلخوهم من الاعتزاز بالإسلام إلى الاعتزاز بالحداثة الأوروبية.
بعد تمكّن المستعمرين من الغلبة العسكرية اتّجهوا إلى الاستعمار الثقافي، فوجدوه في ذلك صعوبة منكرة في المناطق ذات الأغلبية الإسلامية، لذا اتّخذوا قرارات صارمة لوضع عراقيل أمام المؤسسات التعليمية العربية، ومن هنا تم توظيف بعض المستشرقين لدراسة المراكز العلمية والزوايا الصوفية.
لم يكن هناك اهتمام بالغ؛ فرأوا أن التركيز على التعليم الغربي سيجعلهم يعرقلون تقدم التعليم العربي لكي يتقدم التعليم الفرنسي بكل سهولة. ثم اهتموا بمخرجات المدارس الفرنسية أو الإنجليزية لتوظيفهم في إداراتهم الاستعمارية، وهم الذين خلّفوهم في إدارات الحكومات الأفريقية، فانقلب فضل المجتمع الأفريقي رأسا على عقب، فصار الفضل لخريجي التعليم الأوروبي أكبر وأعظم من مكانة المتعلمين المستعربين في المجتمعات الأفريقية. وما زال الوضع على ذلك مستمرا إلى يومنا هذا.
كان هذا الاهتمام مؤسَّسا على هذين الغرضين: لمعرفة طبيعة المجتمعات لأغراض اقتصادية وسياسية، ولفهم مدى رسوخ الإسلام في المناطق التي يحتمل منها اندلاع الثورات الشعبية ضدّ الوجود الأجنبي. وساعدهم على فهم طبيعة المجتمعات هؤلاء الأفارقة الذين استعبدوهم وكانوا عملاء لهم.
أضف إلى ذلك بعض الأمراء الأفارقة الذين يتاجرون في النخاسة مع المستعمرين، وكان المستشرقون يجعلون هؤلاء الأمراء وأولئك الأفارقة المستعبدين وساطة لهم لمعرفة طبيعة المجتمعات الأفريقية.
أَمَّا الغرض الثاني لفهم دور الإسلام في رسوخ الكراهية المحلية لدى السكان المسلمين، فهو أنهم كانوا بحاجة ماسة إلى معرفة الأسباب العقدية والأحوال الدينية التي تدفع هؤلاء المسلمين إلى التصدي أمام الثقافة الأوروبية.
استسلمت المجتمعات الإسلامية لهذه النظرة الاستشراقية تحت الرقابة الاستعمارية العسكرية، بل يمكن أن نعدّ هؤلاء المستشرقين جواسيس وعيون المستعمرين المحتلين. والجدير بالذكر أنّ كثيرا من سواد المجتمع لم يفقهوا خطورة هؤلاء المستشرقين، بل لم يعرفوا إذا كانوا يقومون بدراسات حول مناطقهم، غير أن بعض العلماء تنبّهوا إلى أعمالهم الاستشراقية، واستشرفوا مخاطر جمة منهم، لذا تخوّفوا منهم فحذّروا ذويهم من اقترابهم، ولكنهم اضطروا لاستقبالهم تحت رقابة الإدارة الاستعمارية.
لذا واجهتهم جبهات المقاومة المسلّحة كما ذكرنا آنفا، وتصدّت جبهات سلمية أخرى لعناية بالغة بالتعليم العربي الإسلامي مضادا للتعليم العلماني الأوروبي، وقد أخفق أولئك الزعماء المسلحون فقبض عليهم أو قتلوا أو نفوا، ولكن جبهات التعليم العربي الإسلامي نجح جلّ زعمائها في إنشاء المدارس والزوايا، التي تحوّلت إلى مدارس نظامية حديثة، فتطور التعليم العربي في بعض البلدان إلى دراسات جامعية فتخطى مرحلة الليسانس إلى مرحلتي الماجستير والدكتوراه.
رغم ما وراء كتاباتهم من نوايا سيئة إلا أنّ بعضها تعدّ مؤلفات رائدة عن تاريخ المنطقة، لأنها وصفت بأوصاف مشاهدة العيون، وعُرفت جغرافية الجماعات اللغوية وتحركاتها في المنطقة، ومختلف الممالك المحلية.
واستطاع هؤلاء المستشرقون أن يصوّروا هؤلاء الشيوخ بالصور الشمسية التي يستفيد منها الباحثون الأفارقة الآن: فصور الحاج مالك سي في السنغال، وكران سنكن في غينيا، من أعمال بول مارتي الذي أفرد لمعظم دول أفريقيا الغربية دراسة الإسلام فيها. أضف إلى ذلك أنّ كتاباتهم تعدّ باكورة دراسات حديثة عن المنطقة إبان عصر عويص، كما يستفيد الباحثون من منهجياتهم في كتابة التاريخ الأفريقي والحديث عن المجموعات اللغوية.
نعم، يمكن أن نقول إن موضوعيتهم لم تبلغ درجتها 100%، ولكنها تتراوح ما بين 70% و80% إلى حدّ بعيد. وخاصة عند "موريس ديلافوس" (Maurice Delafosse) الذي عُني باللغات الأفريقية وجذورها ولهجاتها، وفيسان مونتيل الذي له كتاب "الإسلام الأسود".
ومهما يكن من أمر، فإنّ أي كتاب يقرؤه الباحث ينبغي أن يتأمل فيه بقراءة نقدية: إذا أصاب المؤلف فيأخذ منه مزيدا من الحق، وإذا وقف على انحرافات فكرية فيعلن عنها ليتخوّف منهم القراء اللاحقون.
هناك دراسات غربية حديثة حول الإسلام في أفريقيا وحول اللغات المحلية وحول التقاليد البيئية في أفريقيا، وذلك في الأطاريح الجامعية، أو في مقالاتهم العلمية المنشورة في الدوريات العلمية الجامعية أو في أبحاث المراكز الدراسية.
ونجد اتجاها جديدا من الموضوعية لدى الباحثين الأفريقيين الأوروبيين، الذين ظلوا متخصصين بدراسات أفريقيّة، منهم سياسيون توظفهم الحكومات الأوروبية، ومنهم صحافيون توظفهم القنوات الدولية، ومنهم اقتصاديون توظفهم مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومنهم رياضيون توظفهم وكالات النوادي الرياضية الدولية، ومنهم جامعيون توظفهم المراكز البحثية الجامعية بأوروبا.
هناك حوار علمي حقيقي على صعيد المؤتمرات والندوات العلمية، وبين الطلبة الأفارقة وبين بعض المستشرقين الذين يشرفون عليهم في أطروحاتهم الجامعية.
وفي كل شهر يتم تنظيم لقاءات علمية كثيرة في أفريقيا وفي أوروبا: ندوات علمية في الجامعات، ومؤتمرات دولية تنظمها مختلف الوزارات، وطاولات ثقافية تشرف عليها منظمات ثقافية دولية، ودورات تدريبية تقوم بها مؤسسات إقليمية وعالمية.
هذه هي الأصعدة التي تتم فيها محاورات علمية حقيقية بين المثقفين الأفارقة والباحثين الأوروبيين المتخصصين في الشؤون الأفريقية.
ما زال اهتمام المستشرقين بالبحث عن الإسلام مستمرا، لأنهم يريدون أن يحققوا العولمة الثقافية في المجتمعات الأفريقية، والثقافة الإسلامية هي التي تتصدى لهم.
فنجد منظمات دولية في أفريقيا، بعضها من فروع أجهزة الأمم المتحدة: كـ"اليونيسيف" (UNICEF)، و"يونسكو" (UNESCO)، و"بنود" (PNUD)، و"أوئم" (OIM)، وبعضها منظمات علمانية أو يهودية كمنظمة "بلان" (PLAN)، وكلها تستعين بالباحثين الأوروبيين المتخصصين في الشؤون الأفريقية لتحقيق أهدافهم التربوية والتثقيفية والبحثية.
قضية "تعليم اللغة العربية وسوق العمل" من أهم المعضلات والتحديات الاجتماعية في أفريقيا. وكون اللغات الأوروبية لغات رسمية لمعظم البلدان الأفريقية يعدّ من التحديات التي تواجه تطوّر اللغة العربية في القارة السمراء. أضف إلى ذلك أنّ التراث الإسلامي العربي الأفريقي في خطر كبير إذا لم تنقذها أيدي المنظمات الإسلامية الدولية.
وهناك تحديات أخرى للبحث العلمي في أفريقيا: إذ إن معظم المشاريع العلمية والبحثية في العالم العربي لا يهتمون بإحياء التراث الإسلامي الأفريقي ولا بإنتاج علماء المنطقة، ولا بنشر أطاريح الباحثين الأفارقة بخلاف إنتاجات الباحثين الأفارقة في اللغات الأوروبية ولهم جوائز تشجيعية قيمة.
وكذلك الإعلام العربي لا يعنى بأفريقيا ولا بالتراث الإسلامي فيها ولا بالمثقفين الأفارقة المستعربين بخلاف وسائل الإعلام الغربي الذي يتّخذ من الأفارقة الصحافيين من يمثلهم، ومن يستجوبونه في قضايا أفريقية.
كان هذا المؤتمر مبادرة طيبة من المنظمين، ويعد منصة جديدة لدى الباحثين، وفرصة طيبة للمشاهدين. ويمكن القول إنه كان فرصة لنتحدث عن الاستشراق الأفريقي أمام جمهور لم يكن له سابق العلم به، وأن تنشر نتيجة هذا البحث على صعيد دولي لأول مرة.
ولا شك أنّ العالم العربي سيعرف أنّ لهم إخوة في أفريقيا حريصين على لغة الضاد، وقد ضحّوا بحياتهم لنشر هذه اللغة التي تشدُّ أواصر الوحدة والتضامن بين إخوة هذه الأمة الإسلامية.