تُعدّ القصص القصيرة من أبرز أشكال الأدب التي تعكس التجارب الإنسانية المتنوعة في قالب مختصر ومؤثر، وفي سياق العناية بهذا الفن تأتي الكاتبات الصغيرات اللواتي قدمن رؤية فريدة ومختلفة عن العالم من حولهن. إن قصصهن تُعتبر نافذة على عالم مليء بالتحديات والأحلام، حيث تطرح مسائل الهوية والقدرة على التعبير عن الذات ضمن إطار مجتمعي يتسم أحيانا بالقيود.
تتسم أعمال الكاتبات بالجرأة والإبداع، حيث يسعَين للتعبير عن مشاعرهن وتجاربهن الحياتية بطرق جديدة ومبتكرة. إن سنّهن الصغيرة لا تعني قلة الخبرة، بل غالبا ما تمنحهن منظورا فريدا يمكّنهن من إيصال أفكارهن بوضوح وعمق قادر على لمس قلوب القُرّاء. في هذه القصص، يتم تسليط الضوء على تجارب الفتيات في مجتمعاتهن، ما يجعل أعمالهن تتسم بالصدق والحيوية.
في هذا التقرير، سنستعرض مجموعة من أعمال الكاتبات الواعدات المشاركة في الدورة الرابعة والثلاثين من معرض الدوحة الدولي للكتاب، مع التركيز على أسلوبهن الفريد في السرد ومعالجة القضايا الاجتماعية والنفسية المختلفة التي تواجه الفتيات في مجتمعهن. كما سنتناول أيضا تأثير هذه الكتابات على القُرّاء وكيف تمكنت من فتح حوار حول قضايا لم تكن تُناقش بشكل كاف في الأدب التقليدي.
نبدأ مع الكاتبة دلال سلطان الرميحي (10 سنوات)، كتبت قصة "دبدوب الوسادة"، التي تدور أحداثها حول فتاة كانت ترغب في شراء دمية ولكن والدتها لم تمتلك القدرة على شرائها، فاقترحت على والدتها صناعة دمية من الوسائد القديمة والاستفادة منها بدلا من رميها.
وفي حديث للجزيرة نت قالت دلال إن بدايتها في الكتابة كانت من خلال مشاركتها المدرسية في كتابة القصة القصيرة، وساعدها شغفها وحبها لجمع وقراءة القصص القصيرة على تبلور فكرة كتابة قصة خاصة بها تنشر على نطاق أوسع من المدرسة.
وأكدت دلال على أنها تميل لكتابة القصص الحقيقية وبها عبرة، كما أنها تحب رسم شخصيات طفوليه في قصصها، وأوضحت أنها تواجه أثناء الكتابة تحديات في صياغة الكلمات، ولكن وجود والدتها ودعمها المستمر لها يجعلها تتغلب عليها.
وقالت إن "هدفي من القصة هو الحرص على الاستفادة من الأشياء حولنا وتحويلها من لا مفيد إلى شيء نستفيد منه". و شكرت دلال والديها على دعمهم المستمر لها، وعبرت عن شعورها بالفخر والإنجاز، كما دعت كل من تجد في نفسها الرغبة في الكتابة أن تنطلق ولا تفكر في العقبات والفشل.
الكاتبة مريم علي النملان (13عاما)، كتبت قصة "الغزالات ودولة قطر"، تتحدث فيها عن غزالتين تتحدثان عن التطور الذي ستصل له قطر بحلول عام 2030 بأسلوب شيق وقريب من الطفل. وجاءت فكرة القصة من رغبة الأطفال في فهم جهود الدولة للوصول إلى القمة، وأضافت: أحببت أن أجعل موضوع مؤلفاتي مختصا بدولتي الحبيبة فقصتي الأولى كانت عن إكسبو قطر وتمكين التكنولوجيا والاستدامة وقصتي الثانية عن رؤية قطر.
وعن اختياراتها للشخصيات التي تظهر في قصصها، قالت مريم إنها تختارها دائما من البيئة القطرية، حتى يسهل على الأطفال الغوص في أحداث القصة وتخيلها، في قصتها الأخيرة كانت شخصيتها المها العربي. وعبرت عن التحديات التي تواجهها أثناء الكتابة "في السابق كنت أواجه مشكلة تدقيق أحداث القصة نحويا ولغويا، لكن لكون والدتي خريجة بكالوريوس اللغة العربية فقد ساعدتني في تجاوز ذلك".
وأشارت إلى أنها تسعى دائما لتطوير إمكانياتها الكتابية، وذلك من خلال الإكثار من القراءة، فالقراءة أساس كل تطور وإنجاز، "ولذلك أنا عضو في أغلب المكتبات داخل قطر وخارجها، ومنها مكتبة إثراء السعودية أكبر مكتبة بالشرق الأوسط".
ووجهت مريم نصيحة للصغار الذين يرغبون في أن يصبحوا مؤلفين، "تقدموا وخوضوا هذه التجربة فهي ممتعة وليست صعبة". وأضافت أن شعور الفخر والإنجاز في لذة الوصول يستحق التجربة. وأثنت الكاتبة الصغيرة على دور ودعم المقربين لها، قائله: والداي "بجانبي دائما بكل إنجازاتي داخل قطر وخارجها، لهم الفضل في كل ما أنا عليه الآن". وأشارت إلى أفضل نصيحة تلقتها "عندما نبدأ سنصل".
والجدير بالذكر أن الكاتبة مريم ألفت قصتها الأولى "ريم والروبوت" التي تدعم تطبيق التكنولوجيا في حياتا، وشاركت في معرض الرياض الدولي في نسخته السابقة، وحصلت على جائزة التميز العلمي بالدوحة عام 2024، كما أنها عضو في لجنة حقوق الطفل العربي.
وفي تجربتها الأولى بالكتابة حاورت شيخة علي النملان (9 سنوات)، جدتها عن الحياة السابقة في قطر وكذلك الإنجازات التي حققتها والبصمة العالمية التي تركتها بلادها على جميع الأصعدة الرياضية والثقافية والتعليمية وغيرها في الوقت الحالي، بالإضافة إلى نظرة مستقبلية لما تسعى قطر لتحقيقيه من خلال رؤيتها 2023.
و في حوار مع "الجزيرة نت" قالت الكاتبة شيخة، "جاءت الفكرة من حكايا جدتي الغالية مريم فهي تحب أن تحكي دائما عن طبيعة الحياة في قطر سابقا فأحببت أن ألخص ذلك في قصتي سوالف جدتي مريم". وأضافت أن "قصتي الحالية تتحدث عن السفر عبر الزمن لرؤية تطور قطر في المستقبل والعودة للماضي لرؤية كيف كانت حياة الأجداد".
ولدى الكاتبة شغف بالقراءة وأشارت إلى أنها تحب القراءة لكتاب مختلفين لذلك شاركت في "برنامج العائلة" التابع لمكتبة قطر الوطنية، حيث يتم ارسال مجموعة قصص للمشتركين شهريا، وأضافت "كما أحب أن اكتب في ذات المكتبة، حتى أجد ما احتاجه من الكتب التي تساعدني موجودة حولي وأحب أن أكتب بعد الانتهاء من واجباتي المدرسية".
ويعتبر اختيار عنوان للقصة من أبرز التحديات التي تواجهها شيخة، "كنت آخذ وقتا طويلا لأختار عناوين لقصصي ولكن أختي مريم أصبحت تساعدني في ذلك".
وعن دعم عائلتها قالت شيخة: والدتي حريصة دائما على جعلنا مواطنين فاعلين في وطننا حتى إن كنا أطفالا لابد أن نساهم في ذلك بما يتناسب مع مرحلتنا العمرية، وأبي يحرص على دعمنا والوقوف بجانبنا لتحقيق أحلامنا دوما وصديقاتي دائما يقرأن ما أكتب ويشجعنني.
وتأمل شيخة أن يكون إصدارها القادم عن حب الوطن، وكذلك مواضيع تحث على الترابط الأسري، لأن نهضة الأوطان وصلاحها يبدأ من صلاح الأسرة.
ومن جانبها وجهت الكاتبة شيخة رسالة للأطفال الراغبين في الكتابة: لا شيء سهل في البداية ولكن مع الممارسة يصبح الصعب يسيرا ومستطاعا. وهي تصف شعورها بعد الكتابة بالسعادة وأنها فخورة بالإنجاز الذي حققته وهي في السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية.