خرج البابا فرنسيس في طلبه الأخير أيضًا عن تقاليد أسلافه. لقد اتّضح منذ نحو عامين تقريبًا (آذار/مارس 2023) أنَّ رأس الكنيسة الكاثوليكية ، البابا فرنسيس المتوفى يوم الاثنين في عيد الفصح (21 نيسان/أبريل 2025) عن عمر ناهز 88 عامًا، يريد أن يُدفن بطريقة مختلفة وفي مكان آخر: ليس في كاتدرائية القديس بطرس ومن دون أي احتفال يمكن أن يبدو فخمًا بشكل ما.
لقد كتب البابا فرانسيس في سيرته الذاتية الصادرة تحت عنوان "الأمل" في كانون الثاني/يناير 2025: "عندما يحين الوقت فلن أُدفن في كاتدرائية القديس بطرس، بل في كنيسة سانتا ماريا ماجوري". وأضاف أنَّ الفاتيكان "مكان عمله الأخير على الأرض"، ولكنه ليس مثواه الأبدي.
وسيُنقل - كما تابع فرانسيس الوصف بالتفصيل - إلى كنيسة سانتا ماريا ماجوري وسيُدفن هناك "بجوار ملكة السلام"، أي تمثال مريم العذراء، التي كان يلجأ إليها دائمًا طلبًا للمساعدة خلال توليه منصب الحبر الأعظم والتي احتضنته "أكثر من مائة مرة. لقد تأكدت من أنَّ كل شيء جاهز". وحتى بعد مكوثه 38 يومًا في مستشفى عيادة جيميلي، خاف خلالها الناس في جميع أنحاء العالم على حياة البابا فرانسيس المريض بشدة، واتخذت رحلة عودته إلى الفاتيكان طريقًا غير مباشر. فقد كان يريد على الأقل أن ينتظر للصلاة في سيارته أمام الكنيسة.
كنيسة سانتا ماريا ماجوري في روما - اختاراها البابا فرانسيس مثواه الأخيرصورة من: Christopher Furlong/Getty Imagesوهكذا يصل البابا فرانسيس في رحلته الأخيرة إلى كنيسته الرومانية المفضلة: "سانتا ماريا ماجوري" الواقعة على بعد نحو أربعة كيلومترات عن كنيسة القديس بطرس، وعلى الجانب الآخر من نهر التيبر - في موقع غير بعيد عن محطة القطار الرئيسية ومركز مدينة روما. وهذه الكنيسة التي بُنيت قبل نحو 1600 عام موجودة خارج حدود الفاتيكان. وتقريبًا جميع زوار روما يعرفون هذا المبنى المثير للإعجاب بزخارفه الفسيفسائية، التي تعود جميعها تقريبًا إلى القرن الخامس. وفي هذه الكنيسة، وجد قبل فرانسيس سبعةُ باباوات من القرن الثاني عشر وحتى القرن السادس عشر مثواهم الأخير.
وبالتالي فهو أول بابا لا يُدفن منذ نحو 150 عامًا في كنيسة القديس بطرس. وذلك بعد البابا بيوس التاسع (1846-1878)، الذي دُفن في البداية في كنيسة القديس بطرس، ولكن تلبيةً لرغبته نُقل جثمانه بعد ثلاث سنوات إلى كنيسة سان لورينزو الرومانية خارج الأسوار.
عاش البابا فرانسيس حياة بسيطة قريبا من الناس وكان يفضل ركوب السيارة البسيطة بدل الفارهةصورة من: Remo Casilli/REUTERSوالمميّز بالنسبة لفرانسيس أنَّه لم يحدد في سيرته الذاتية كنيسته المفضلة فقط. بل لقد نأى بنفسه في ذات الوقت عن مراسم الدفن المتبعة في الفاتيكان بحسب ترتيبات منسقة جيدًا وبطريقة "متعجرفة للغاية". وبحسب تعبيره سيكون دفنه أبسط: من دون نعش، ومن دون منصة مزخرفة للتابوت وكذلك من دون مراسم لإغلاق التابوت. وكذلك أوصى بأنَّه يتخلى عن التوابيت الثلاثة المعتادة المصنوعة من خشب السرو والرصاص والبلوط. وأوضح أنَّه يريد أن يدفن "بكرامة، ولكن كأي مسيحي عادي، لأنَّ أسقف روما هو راعٍ وتلميذ وليس شخصًا قويًا في هذا العالم".
وكذلك تميّزت تصرفات فرانسيس في السنين الأخيرة من توليه منصبه، بكيفية إعلانه خلال الأعوام الماضية قرار دفنه بالتدريج وبشكل غير رسمي. وذلك لأنَّه أعلن عن شيء مهم للغاية - ولكن ليس في بيان رسمي صادر عن الفاتيكان أو في خطاب من رئيس الكنيسة. لقد صرّح البابا بذلك في 13 آذار/مارس 2023، وهو في عمر 86 عامًا في واحد من الحوارات الكثيرة التي أجراها قبل الذكرى السنوية العاشرة لانتخابه في منصب البابوية.
وفي حوار مع قناة إر إس إي (RSI) السويسرية، ذكر البابا فرانسيس كسبب لقراره دفنَ سلفه المستقيل، البابا بندكتوس السادس عشر ، الذي توفي في ليلة رأس السنة الجديدة 2022 بعد تسعة أعوام من التقاعد. فقبل وداعه الأخير، فكرت الجهات المسؤولة في الفاتيكان كثيرًا حول كيفية تنظيم جنازة بابا لم يكن يشغل منصبه عندما توفي!
وقال البابا فرنسيس لقناة إر إس إي إنَّه أخذ هذا الحدث كفرصة لتبسيط "مراسم دفن الباباوات المستقبليين، جميع الباباوات". وأضاف أنَّ خبراء الكنيسة أزالوا الآن جميع تلك العناصر "التي لا تتناسب مع الطقوس الدينية". مع أنَّ جنازة البابا بندكتوس السادس عشر كانت منظمة بشكل أبسط، ومن دون التخلي عن الإشارة إلى كرامة بابويته السابقة.
فاجأ البابا فرنسيس الكرادلة بظهوره في يوم أحد الشعانين، قبل تسعة أيام من وفاتهصورة من: Yara Nardi/REUTERSوكل هذا الذي قاله البابا فرانسيس في حوارات منذ عام 2023، تم جمعه حتى خريف عام 2024 ضمن مجموعة قواعد كنسية تحمل العنوان اللاتيني "Ordo Exsequiarum Romani Pontificis" (نظام دفن الباباوات الرومان).
ومن المقرر مثل ذي قبل أن يبقى تابوت البابا فرانسيس في كنيسة القديس بطرس لفترة من الوقت حتى يتمكن المؤمنون من وداعه. وعلى عكس أسلافه، سيبقى تابوته الخشبي مغلقًا. بينما كان تابوت البابا بنديكت السادس عشر موضوعًا على نعش مرتفع، ولم يتم وضعه في التابوت الثلاثي إلا بعد هذا العرض الجنائزي.
وفي حالة آخر ثلاثة باباوات توفوا أثناء توليهم مناصبهم ( يوحنا بولس الثاني في عام 2005، والبابا يوحنا بولس الأول في عام 1978، والبابا بولس السادس في عام 1978)، وكذلك في حالة البابا المستقيل بندكت السادس عشر المتوفى في بداية عام 2023، فقد تم الدفن في اليوم السادس بعد الإعلان عن الوفاة. وسيكون يكون هذا هو تاريخ دفن البابا فرانسيس أيضًا، أي يوم السبت (26 أبريل/ نيسان 2025).
وكذلك حدد البابا فرانسيس أثناء حياته أنَّ رجال الدين العاملين في كنيسة سانتا ماريا ماجوري يجب عليهم أن يهتموا قبل كل شيء بالتقوى المريمية والاعتراف بالخطايا وبالطقوس الدينية. ويجب عليهم أثناء جنازته ترتيل الترانيم الغريغورية وإقامة الصلوات اللاتينية. وعلى الأرجح أنَّ الترانيم الغريغورية عند مثواه الأخير أمر يعجب الرومان.
أعده للعربية: رائد الباش