آخر الأخبار

في قلب بيروت.. التياترو الكبير شاهد على ويلات الحرب الأهلية

شارك
التياترو الكبير في وسط بيروت شاهد صامت على الحرب الأهلية وينتظر من يعيد إلىه الحياة وينسيه ما شهده من ويلات خلال الحربصورة من: Khaldoun Zeineddine/DW

الذكرى الخمسون للحرب الأهلية التي شهدها لبنان، بدت أكثر من مجرد محطة لـ " تنذكر وما تنعاد"، كما يتردد بالشعار الشعبي اللبناني الشائع سنوياً؛ ففي الواقع اليوم ثمة ما يبقي هواجس لدى اللبنانيين من "حرب الآخرين" على أرضهم، ومن اضطرابات داخلية تعرقل التعافي الواعد بعد انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية و تشكيل حكومة جديدة .

وفي قلب بيروت معلم صامت شاهد على حرب لبنان. يوماً ما قبل الحرب استقبل " التياترو الكبير " عمالقة الغناء والتمثيل كأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وصباح، واحتضن أمسيات شعرية بينها أمسية لبشارة الخوري الملقب بـ"الأخطل الصغير".

تاريخ "التياترو" يعود إلى أواخر العشرينيات من القرن الماضي. تحول من مستودع للزوارق إلى مسرح كبير بمبادرة فردية من اللبناني جاك ثابت، وتصميم المهندس يوسف بك أفتيموس، أحد أهم كبار المعماريين مطلع القرن الــ20. صمم المسرح بشكل يخدم عروض فرق الأوبرا الآتية من أوروبا. تميز ببهو فسيح ومقصورات فخمة، وغرف فسيحة للممثلين.

بدأت العروض فيه عام 1929 وتحول عام 1950 من مسرح إلى صالة سينما، قبل أن يصبح مع اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975 مسرحاً للمقاتلين، وهو مسيج اليوم بالإسمنت منعاً لدخول أحد إليه.

"كان التياترو في شبابنا منارة" يقول أبو جورج لـ DW عربية، ويضيف "كان يمثل لجيلنا ذاكرة بيروت ما قبل الحرب". وتتداخل صور التياترو مع صور المآسي في مخيلة "أبناء جيل الحرب" كما يوصفون.

خاتشيك يستذكر في حديثه لـ DW عربية يوميات الحرب وخطوط التماس : "أذكر يوم انكتب لنا عمر جديد جراء سقوط صاروخ سوري على مبنى كنا نحتمي فيه ولم ينفجر. كان في المبنى 400 شخص. نجونا بأعجوبة. كما أذكر يوم استلقينا على الأرض لأكثر من ساعتين خوفاً من الرصاص والقذائف المتساقطة قربنا عندما اندلعت حرب الإلغاء. كل أملي ألا تتكرر تلك المشاهد المأساوية".

محمد ابن الستة وأربعين عاماً يستعيد فرحة والده وهو يحكي عن الفنانين في التياترو، ويتذكر توازياً مخاوفه يوم كان ينتظر والده الباحث عن الخبز ولقمة العيش زمن الحرب… إلى أن استفاق يوماً على الخبر المشؤوم... "خسرت والدي" .

لا يزال خاتشيك يتذكر الحرب الأهلية ويوم نكتب له عمر جديد جراء سقوط صاروخ سوري على مبنى كان يحتمي فيه مع نحو 400 شخص ولم ينفجر الصاروخصورة من: Khaldoun Zeineddine/DW

من يمكن أن يعيد الحياة إلى "التياترو"؟

طرحت DW عربية هذا السؤال على الصحافي اللبناني، ابن بيروت، محمود فقيه، فقال إن المسؤولية هي مسؤولية وزارة الثقافة، على اعتبار أن "النشاط الثقافي في البلاد عامل محفز أساسي في بناء الدولة والمواطن". واضاف "الفصائل المسلحة التي حكمت لبنان بعد وقف نيران الحرب طمست كل معالم بيروت الثقافية وأهمها التياترو الكبير وقصر البيكاديللي. اليوم نحن بحاجة إلى حراك ثقافي جامع بدعم من الحكومة لإعادة الحياة إلى هذا الصرح الذي سيبلغ المئة من العمر بعد عامين…. واستعادة التياترو قد تكون قصة رأي عام ليعود إلى دوره كأحد أهم دور الأوبرا في العالم".

خرق "التياترو" صمته بعد الحرب عام 1997 حين قدم المخرج المسرحي الفرنسي جيل زافيل عرضاً بعنوان "تحية إلى التياترو الكبير" بالاشتراك مع ممثلين لبنانيين، محاولاً تحفيز الجمهور اللبناني على استعادة دوره الثقافي. أما المرة الثانية فكانت عام 1999 حين قدم المخرج المسرحي الفرنسي اللبناني نبيل الأظن مسرحية غير معروفة للشاعر جورج شحادة بعنوان "لوعة حب"، في الذكرى العاشرة لوفاة شحادة وحضرها سياسيون ودبلوماسيون وفنانون.

محمود فقيه يعلق على ذلك قائلاً: إن العامة قد لا تذكر شيئاً عن محاولات إحياء التياترو، ويتساءل: لماذا

الصحفي اللبناني محمود فقيه يرى أن أي جهة دولية يمكن أن تساهم في ترميم وإحياء التياترو الكبير وهو متفائل بعودة النشاط الثقافي اللاحزبي إلى بيروت صورة من: Khaldoun Zeineddine/DW

أهمل وأقفلت أبوابه بالإسمنت والزجاج المكسور؟ ويرى أنه "يمكن لأي جهة دولية أن تشارك في ترميم التياترو الكبير، واليوم مع تسلم الوزير غسان سلامة وزارة الثقافة وهو صاحب جهود سابقة في إحياء التياترو الكبير يمكن التماس بصيص من الأمل في عودة النشاط الثقافي إلى الاراضي اللبنانية، نشاطاً وطنياً وليس حزبياً وطائفياً كما كان سائداً في ممالك الأحزاب اللبنانية الحاكمة".

في السابق كانت هناك محاولات لترميم التياترو الكبير وإعادة افتتاحه أمام الجمهور بإشراف وزارة الثقافة، بمبادرة من الوزير سلامة، وفنانين مثل الممثلة المسرحية المعروفة نضال الأشقر والمخرج الراحل نبيل الأظن، لكن المحاولات باءت بالفشل لكون التياترو مملوكاً لشركة خاصة. وفي 2011 أعلنت شركة "سوليدير" المالكة والمشغلة لوسط بيروت أنها تريد تحويل المبنى إلى "بوتيك أوتيل"، لكنه بقي على حاله مهملاً متروكاً للزمن ومسيجاً مع لافتات حوله كتب عليها "ممنوع الدخول".

التياترو الكبير يعاني من الإهمال وتمت إحاطته بسواتر حجرية لمنع الدخول إليهصورة من: Khaldoun Zeineddine/DW

إجماع على رفض عودة الحرب

بمناسبة مرور خمسين عاماً على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ، أعلنت مجموعة "النهار" الإعلامية بالتعاون مع "الدولية للمعلومات" نتائج استطلاع للرأي (حصلت DW على نسخة منه) يرصد نظرة اللبنانيين إلى ماضي الحرب وتطلعاتهم إلى مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. أُجري الاستطلاع بين 25 آذار / مارس و2 نيسان/ أبريل 2025، وشمل عينة تمثيلية من 1200 مواطن ومواطنة من مختلف المناطق اللبنانية.

في توصيف الحرب التي اندلعت في 13 نيسان / أبريل 1975، اعتبر 40.7 بالمئة من اللبنانيين أنها كانت حرباً أهلية لبنانية، بينما رأى 38.5 بالمئة أنها "حرب الآخرين على أرضنا"، و8.8 بالمئة اعتبروها حرباً لتوطين الفلسطينيين. أما مصادر المعلومات عن الحرب فأتت أولاً من الأهل والأصدقاء بنسبة 81.9 بالمئة، تليها وسائل الإعلام 44.8 بالمئة، ثم التجربة الشخصية 28.3 بالمئة والكتب والمراجع 13.4 بالمئة.

انقسمت آراء المستطلعين بخصوص القلق من عودة الحرب. فقد أعرب 48.3 بالمئة عن عدم قلقهم (منهم 32.5 بالمئة غير قلقين إطلاقاً)، بينما عبّر 51.7 بالمئة عن قلقهم بدرجات متفاوتة (منهم 25.8 بالمئة قلقين جداً). هذا وأفاد 42.5 بالمئة من المستطلعين بأن الحرب تسببت لهم أو لعائلاتهم بأضرار مباشرة، منها: مقتل أو إصابة قريب (23.7 بالمئة)، أضرار بالممتلكات (19.9 بالمئة)، أو تهجير أفراد من الأسرة (19.5 بالمئة).

وشهدت بيروت موجة واسعة غير مسبوقة من الاحتفالات والمناسبات والندوات إحياء لذكرى الحرب. ومواقف سجلت لأركان الدولة والقيادات السياسية والدينية من منطلق إجماع اللبنانيين على رفض العودة إلى أي من حقبات الحروب الداخلية أو الخارجية في لبنان وعليه.

اليوم كل ما يتمناه اللبناني هو تأكيد شعار: "تنذكر وما تنعاد". أن تبقى الحرب ذكرى، ولا تستعاد فصولها بصورة مواجهات داخلية أو حرب الآخرين على أرض لبنان، أو "حرب مساندة". فهذا هو التحدي. وأن يعود "التياترو" إلى سابق عهده فهذا تحد آخر وصفحة تستحق أن تفتح مع العهد الجديد، برأي أهل الفكر والثقافة.

DW المصدر: DW
شارك

حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار