في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يبدأ الكرنفال في تمام الساعة 11:11 صباحًا حتى ليلة كرنفال النساء: حيث يعلن بشكل خاص في منطقة راينلاند - ومناطق أخرى - عشرات الآلاف من الأشخاص المتنكرين بأزياء ملونة عن بدء كرنفال الشوارع. وشعار الكرنفال في مدينة كولونيا لهذا العام هو "كرنفال - عندما تزدهر الأحلام مرة أخرى". وهذا الشعار يذكِّر من الناحية البصرية كثيرًا بعصر قوة الزهور في الستينيات والسبعينيات، والذي يرمز إلى "السلام والحب والسعادة". وفي زمن تميّزه أزمة عالمية، يتمنى الكثير من الناس عالمًا يسوده السلام والراحة والهدوء.
"الكرنفال يمنح الناس في الأوقات الصعبة شعورًا بالراحة والفرح والمشاركة، وكذلك القليل من الأمل"، كما يقول كريستوف كوكيلكورن، رئيس لجنة مهرجان كرنفال كولونيا: "نحن نريد دعوة الناس إلى الغوص معنا في عالم أحلام الكرنفال واللهو قليلًا - وربما من أجل جعل العالم الحقيقي أفضل قليلًا بعد 'الاستيقاظ‘".
ما تزال المواكب حتى يومنا هذا جزءًا من الكرنفال الرسمي بأزياء رسمية موحدة منذ نحو 200 عامصورة من: Christoph Hardt/Geisler-Fotopress/picture allianceلقد كان الناس في مدينة كولونيا يأخذون استراحة من الحياة اليومية منذ ألفي عام - وهنا يكمن أحد جذور الكرنفال الحالي. وفي ذلك الوقت، كان يطلق على كولونيا اسم "كولونيا كلاوديا آرا أغريبينينزيوم". وفي هذه المدينة التي أسسها الرومان، وفي كل مكان آخر من الإمبراطورية الرومانية، كان الناس يحتفلون بمهرجان ساتورناليا تكريمًا للإله الروماني زحل. وكانوا يشربون ويرقصون كثيرًا، ولتسلية الجميع كان الأغنياء يستبدلون ثيابهم الفاخرة بسترات عبيدهم البسيطة ويقومون حتى بخدمتهم. وكان يسمح للعبيد غير الأحرار بالتعبير عن انتقاداتهم القاسية لأسيادهم. وكان العالم القديم ينقلب في تلك الأيام رأسًا على عقب.
وكان يوجد أيضًا موكب استعراض بعربة سفينة، كان يطلق عليها في اللاتينية اسم "Carrus navyis" - يبدو إلى حد كبير مثل كلمة كرنفال. وكان أهالي كولونيا يتنكرون ويرافقون بالطبول والمزامير والخشخيشات العربات المزينة بشكل رائع.
وبينما كانت الإمبراطورية الرومانية تحتفل بعيد زحل خلال شهر كانون أول/ديسمبر، كانت القبائل الجرمانية تحتفل بمهرجان وثني في الربيع. وكان يرتدي فيه الجرمانيون أقنعة مخيفة ويقومون بأصوات صاخبة من خلال قرع الطبول والأجراس لطرد شياطين الشتاء. وهنا يكمن الجذر الثاني للكرنفال: هذه العادة ما تزال حية حتى اليوم في ليلة الكرنفال بجنوب ألمانيا (قبل بدء الصيام الكبير).
الغزاة الأوروبيون نقلوا الكرنفال إلى أمريكا الجنوبية، حيث تطور شكله الخاص - كما هي الحال هنا في ريو دي جانيروصورة من: Buda Mendes/Getty Imagesوعندما جعل الإمبراطور قسطنطين المسيحية دين الدولة في عام 343، انتهى عهد مهرجان ساتورناليا. وكانت أيضًا احتفالات الجرمانيين الوثنية شوكة في عين الكنيسة. ولكن بما أن الناس كانوا لا يريدون منعهم من الاحتفال، أُعيد تفسير المهرجان: إذ لم يعد لطرد الأرواح الشريرة، بل لطرد الشيطان - أسوأ عدو للمسيحية. وحُدِّد التاريخ تابعًا لطقوس السنة الكنسية. حيث يجب في الفترة بين أربعاء الرماد وسبت النور التقليل من الطعام والابتعاد عن اللحم. وقبل فترة الصيام الطويلة هذه، التي تسبق عيد الفصح، كان يسمح بالاحتفال والمرح. ومن هنا جاء اسم "كرنفال" - باللاتينية "carne vale" أي وداع اللحم.
وهكذا ترسخ الكرنفال كمهرجان ديني وانتشر بشكل خاص في المناطق الكاثوليكية - وليس في أوروبا فقط: فقد نجح الغزاة القادمون من إسبانيا والبرتغال في حمل الكرنفال معهم إلى منطقة الكاريبي والأمريكتين الوسطى والجنوبية. وفي ريو دي جانيرو يحتفل كل عام عشرات الآلاف بمواكب ضخمة تجوب الشوارع على أنغام السامبا. ولكن هذه قصة أخرى.
وبالعودة إلى العالم القديم: على الرغم من أنَّ الكرنفال أصبح الآن تحت إشراف الكنيسة، لكن الكهنة والأساقفة ظلوا ينظرون إلى هذا اللهو والتهريج بعين الريبة الشك. ومع ذلك فقد تسامحوا مع تقليد الناس الطقوس الكنيسة بسخرية، وحتى انتخابهم "بابا مجنون" كان يركب إلى الكنيسة على ظهر حمار.
موكب الكرنفال في جنوب ألمانيا - كما يظهر هنا في الصورة في ليلة الكرنفال السوابية - يذكر بالعديد من طقوس طرد الشياطين الجرمانية القديمةصورة من: Heiner Heine/imageBROKER/picture allianceوتحديد كيفية الاحتفال بمهرجان الكرنفال لم يكن من اختصاص الكنيسة وحدها، بل كان يشاركها في ذلك أيضًا أهالي المدينة البارزون. ومن ذلك غناء العمال الحرفيين أغاني ساخرة في الساحات العامة وأمام الفنادق، أو سير المهرجين والكوميديين عبر الشوارع. أما الطبقة العليا، فقد كانت تحتفل على طريقتها الخاصة: فقد كان مثلًا أمير كولونيا كليمنس أغسطس يقيم حفلًا تنكريًا صاخبًا في كل عام لرجال الكنيسة وللطبقة العليا في المدينة.
وعندما احتل نابليون وجنوده منطقة راينلاند ومدينة الحفلات كولونيا، كانوا متشككين تجاه هذا الشعب المجنون ومنعوا الكرنفال مؤقتًا. ولم يكن ذلك سهلًا، لأنَّ المهرجين لم يعدوا يحتفلون في الشوارع، بل لقد واصلوا احتفالاتهم داخل الحانات.
وفي عام 1815، جاء البروسيون إلى كولونيا وعادت المدينة إلى الحكم الألماني. وسمح البروسيون بهذا اللهو، الذي كان بحسب شهود عيان معاصرين يخرج عن السيطرة بشكل متزايد: فقد "انتشر الفسق والفجور في الكرنفال. وكان الناس يعبثون كثيرًا أثناء ارتدائهم الأقنعة التنكرية، التي كان الكثير منها فاسقة غير أخلاقية وغير لائقة".
لوحة من عام 1907 تصور مهرجان زحل الرومانيصورة من: akg-images/picture allianceولم يعد مواطنو كولونيا المؤثرون يريدون قبول ذلك. وفي عام 1823 أسسوا "لجنة تنظيم الكرنفال" وابتكروا شخصية "بطل الكرنفال"، الذي كان يجب أن يعيد "هذا العبث الوضيع على أساس طبيعته النبيلة" إلى المسار المطلوب وأن يتغلب على جميع المشكلات - وأن يبدأ في موكب انتصاره عبر شوارع كولونيا.
وفي وقت لاحق، تحول بطل الكرنفال إلى أمير الكرنفال. ومنذ عام 1883، صارت تسير إلى جانبه عذراء كولونيا، التي ترمز إلى مدينة كولونيا الحرة، التي لم تخضع لأية قوة أجنبية. ويؤدي دور عذراء كولونيا رجل، وذلك لأنَّ نوادي الكرنفال كانت - وما تزال في أغلب الأحيان - بحسب الأعراف والتقاليد مجتمعات ذكورية. ويوجد مزارع يحمل مَدْرَسًا كرمز لمناعة وقوة مدينة كولونيا. ويتشارك هذا "الثلاثي" الحكم خلال الكرنفال على مهرجي المدينة. وتختلف التفاصيل في أماكن أخرى عما هي عليه في منطقة راينلاند، ولكن يوحدها جميعها افتتاحها موسم الكرنفال بتاريخ 11/11 في الساعة 11:11 صباحًا، ثم يبدأ كرنفال الشوارع في ليلة كرنفال النساء - أيضًا في الساعة 11:11.
وهذا التاريخ غير التقريبي هو رقم متكرر، ورقم مهرجين، كما كان يُقال في العصور الوسطى. وفي ذلك الحين، كانت تبدأ في 11 تشرين ثاني/نوفمبر، في يوم القديس سانت مارتن، فترة صيام تستمر حتى عيد الميلاد، وكان الناس يريدون قبلها الاحتفال بشكل مناسب. وكذلك يرمز الرقم أحد عشر إلى المساواة بين جميع المهرجين. وأخيرًا وليس آخرًا، يوجد له تفسير مسيحي: الأحد عشر أكثر من العشرة أصابع بواحد، وأقل من الرسل الاثني عشر بواحد، أي أنَّ لا شيء ناقص ولا شيء كامل - مع نفحة من الخطيئة.
المهرجون ينتقدون منذ عدة أعوام تعامل الكنيسة مع قضايا الاعتداء الجنسي - كما يظهر هنا في الصورة في موكب يوم اثنين الورود بمدينة دوسلدورفصورة من: Martin Gerten/dpa/picture allianceوالسؤال هل يجوز ارتكاب أخطاء في فصل السنة الخامس، كما يسمى موسم الكرنفال أيضًا؟. والمهرجون على الأقل يتفقون كما كانت الحال لدى الرومان القدماء على شيء واحد: أنَّهم يستطيعون تجاوز الحدود وانتقاد السلطة، سواء كان ذلك في خطاب الكرنفال - حيث يصعد شخص ما على المسرح ويقول للسياسيين رأيه، أو في العربات خلال موكب يوم اثنين الورود، أو في اختيار كل فرد زيه التنكري: هنا أيضًا يمكن التعبير عن الاحتجاج، مثلًا من خلال التنكر بملابس مثل كرة أرضية ساخنة أو حوت أموال استغلالي.
ومع ذلك يوجد منذ بضعة أعوام سؤال معلق عن كون بعض الأزياء عنصرية ومهينة لثقافات أخرى - مثلًا من خلال تلوين الوجه باللون الأسود. ومن غير المتوقع حظر ذلك. لأنَّ فرض هذا الحظر لن يكون ممكنًا في مدن يحتفل فيها عشرات الآلاف من الناس. ولكن من الواضح بالنسبة للجنة مهرجان كولونيا أنَّ: "كرنفال كولونيا يرمز لقيم معينة، منها حرية المهرجين وكذلك التسامح والاحترام والتنوع. ولذلك يجب على كل مهرج في الكرنفال أن يسأل نفسه إن كان زيه التنكري يمكن أن يكون مسيئًا للآخرين. وعندئذ سيجد بديلًا جيدًا، لأنَّ الخيال لا توجد له حدود في الكرنفال".
أعده للعربية: رائد الباش