في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تكرر سؤال واحد على ألسنة مذيعي القنوات الغربية ومراسليها ليلا ونهارا: "هل تدين حماس؟". في الحقيقة، لم يكن ذلك غريبا عن جوهر الخطاب الإعلامي الغربي رغم ما يُظهره من قشور أخلاقية، فهو يذكّرنا بعمليات نزع الاعتراف في محاكم التفتيش في نهايات القرون الوسطى قديما، وجلسات الاتهام بالشيوعية في الفترة المكارثية في الولايات المتحدة، وغيرها كثير من الأمثلة القديمة والحديثة.
لكن السؤال الجوهري هنا هو: علامَ ندين حماس؟ فإذا كان المعيار هو مستوى العنف وطبيعته، فلا أيسر من عقد مقارنة ستشير نتائجها إلى أن العنف الذي مارسته فصائل المقاومة الفلسطينية جميعا في طوفان الأقصى يختلف تماما وكليا عن ردة الفعل العسكرية الإسرائيلية ولا يكاد يقترب حتى مما قام به جيش الاحتلال وقامت به إسرائيل منذ نشأتها تجاه الفلسطينيين بشكل يوميّ.
تتحدث الغالبية عن الدوافع التي أدت إلى عملية طوفان الأقصى ومآلاتها في إثارة الحرب بالتبعية، حتى حماس ذاتها، عَنوَن مكتبها الإعلامي وثيقته عن المعركة بـ "لماذا طوفان الأقصى؟"، وهو أمر ضروري بالتأكيد لأنه يُشَرعِن العملية وينفي عنها تهم الإدانة. غير أن هناك سؤالا آخر تناولته الوثيقة بعد الإجابة عن السؤال الرئيسي، وهو "كيف كان طوفان الأقصى؟".
يمكن الإجابة عن ذلك السؤال بطريقتين، الأولى هي أن نسترجع أحداث السابع من أكتوبر ونسردها مثلما فعل المكتب الإعلامي في وثيقته ردا على "الادعاءات الإسرائيلية الكاذبة عن المعركة" كما جاء في الوثيقة، مثل اغتصاب المقاتلين الفلسطينيين النساء وذبح الأطفال. هذه الطريقة الأولى تمثل إجابة مباشرة لا لبس فيها، لكنها تتوقف عند حدود تأويل المعركة، تاركة لضمير الفرد حريَّة التأويل كيفما شاء.
لذا يحتاج هذا السؤال إلى طريقة أخرى للإجابة عنه، وهي الطريقة الثانية التي تفكِّر في معنى العملية حقا وفق مسارات متعددة ومتشعبة.
دعونا نرسم مسارا محددا يرتبط بنظريات العنف الثوري في الفلسفة الغربية الحديثة. في هذه الحرب، واجه الفلاسفة الغربيون امتحانا في تحديد مواقفهم، وأخفق فيه رموز مثل سلافوي جيجك ويورغن هابرماس، الذين اتجهوا إلى إدانة العملية وتأييد، ما أسموه، بـ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
بينما أظهر فلاسفة آخرون مواقف مناصرة للفلسطينيين مثل بيان "فلسفة من أجل فلسطين"، الذي وقَّع عليه إيتان باليبار وجوديث بَتلر مع أكثر من 400 أكاديمي، وأدان العنف الإسرائيلي بعبارات أوضح، وطالب بمعالجة كل أشكال اضطهاد الفلسطينيين قبل مُساءلتهم عمَّا يمارسونه من عُنف في مواجهة إسرائيل، لكنه توقَّف عند التضامن السياسي ولم يُعلِن انحيازا صريحا للمقاومة الفلسطينية ذاتها.
إذا استعدنا مواقف الفلاسفة الغربيين البارزين تجاه النضال ضد الاستعمار في القرن العشرين، نجدها أيضا متذبذبة، فبعضها يدَّعي حيادا يساوي بين المُحتل والمقاوم، وبعضها ينحاز إلى الشعوب دون تبني المقاومة العنيفة صراحة، وقليل منها فقط يتضامن مع المقاومة الشعبية دون قيود.
وتنضح كثير من الكتابات الغربية بالجهل تجاه القضايا والنضالات وسياقاتها، وخصوصا النضال الفلسطيني. ونستعرض هنا بعضا من هذه المواقف، ونمضي أبعد من ذلك بالتفكير في المعنى الحقيقي لطوفان الأقصى بالتأمل في طبيعة العنف الثوري أثناء النضال ضد الاستعمار، وحدوده في التيار النقدي للفلسفة الغربية، كما نُسلِّط الضوء على معنى العنف الإبادي الإسرائيلي والغاية السياسية منه.
يُعَد كتاب "معذبو الأرض" من تأليف فرانز فانون، الطبيب النفسي والفيلسوف المارتينيكي الأصل الجزائري النضال، أحد أهم كتب أدبيات النضال ضد الاستعمار. وقد صدر الكتاب باللغة الفرنسية عام 1961 بينما كان مؤلفه يحتضر في أحد مستشفيات الولايات المتحدة حيث توفي وعمره 36 عاما فقط، وصادرته السلطات الفرنسية وحظرته من الأسواق يوم صدوره بسبب مواقفه المناهضة للاستعمار الفرنسي وانضمام كاتبه لجبهة التحرير الوطني الجزائرية.
يقول فانون في الفصل الأول من الكتاب الذي اختار له عنوان "بشأن العنف"، إن "الاستعمار ليس آلة مفكرة، وليس جسما مزودا بعقل، وإنما هو عنف هائج لا يمكن أن يخضع إلا لعنف أقوى"، ومن ثم فإن "محو الاستعمار إنما هو حدث عنيف دائما.. يستهدف تغيير نظام العالم، [أي] هو برنامج لقلب النُظُم قلبا مطلقا". ما يعنيه هذا أن فانون لا يتصالح مطلقا مع منطق الوجود الاستعماري، بل يسعى إلى "إحلال نوع إنساني محل نوع إنساني آخر، إحلالا كليا، كاملا، مطلقا، بلا مراحل انتقال".
لذا أثار صدور الكتاب موجة من ردود الأفعال المتباينة في الغرب ما بين معارض ومؤيد، فقد كانت الفيلسوفة الألمانية حنة أرنت معارضة لآراء فانون في العنف، حتى أنها ألَّفت كتابا صغيرا يحمل عنوان الفصل الأول من كتاب فانون. وبرغم أنها عارضت قرار تقسيم فلسطين وإنشاء الدولة الإسرائيلية، فإن بعض نقادها مثل كاثرين جينس كشفت عن آراء عنصرية تجاه السود عبَّرت عنها حنة أرندت في مواقفها من قضايا الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، كتب الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر مقدمة نقدية لكتاب فانون قال فيها "إن سلاح المقاتل هو إنسانيته. إذ إنه في أول مرحلة من مراحل الثورة يجب عليه أن يَقتل، فهو حين يقتل أوروبيا يضرب عصفورين بحجر واحد، حيث أن الأمر يسفر عن إزالة مُضطَهِد ومُضطَهَد في آن واحد، بحيث يتبقى لدينا رجل ميت ورجل حر يبقى حيا ليشعر بأرضه الوطنية لأول مرة".
بل وانتقد سارتر الأديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو المولود في الجزائر الفرنسية على موقفه الحيادي الداعي للسلم الأهلي بين الجزائريين والفرنسيين أثناء حرب التحرير الجزائرية قائلا، "إن لهم وجها لطيفا هؤلاء الذين لا يحبون العنف: ليسوا ضحايا ولا هم جلادون! لكن دعك من هذا الكلام! إن لم تكونوا ضحايا حين تقوم الحكومة التي رفعتموها بالاستفتاء ويقوم الجيش الذي خدم فيه إخوتكم الصغار بأعمال إبادة للنوع الإنساني بلا تردد وبلا عذاب ضمير، فإنكم جلادون بلا شك".
لكن هذا الموقف الثوري من سارتر تجاه القضية الجزائرية لم يمتد على استقامته إلى القضية الفلسطينية، بل انحرف نحو تأييد وجود دولة إسرائيل الاستيطانية. في مقال لإدوارد سعيد عن سارتر والمثقفين الفرنسيين ومواقفهم من القضية الفلسطينية نشر في "لندن ريفيو أوف بوكس" عام 2000 بعنوان "غدا، يتحدث سارتر!"، يسرد سعيد قصة ذهابه لحضور ندوة عن السلام في الشرق الأوسط نظمها سارتر وسيمون دو بوفوار في باريس عام 1979.
ويذكر سعيد أنه عندما وصل إلى اجتماع الندوة، وجد أنها تناقش أهمية معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل (المُوقَّعة للتو حينها)، والسلام بين إسرائيل والعالم العربي، والمسألة الجوهرية المتعلقة بمستقبل العيش المشترك بين إسرائيل والعرب المحيطين بها.
يُعلّق سعيد: "لم يكن أي من العرب [الحاضرين] سعداء حيال هذا. وشعرت أن قضية الفلسطينيين قد جرى تجاوزها عمدا.. اكتشفتُ شيئا فشيئا أن قدرا كبيرا من المفاوضات كان قد حُسم من قبل كي تتجه الندوة إلى نتيجة معينة، وأي مشاركة من العرب كان قد جرى التلاعب بها وتقليصها". كان سبب حضور سعيد للندوة هو أنه عدَّه إنجازا عظيما إن استطاع حث سارتر على الإدلاء بتصريح مؤازر للفلسطينيين، أثناء فترة زمنية "صاخبة" من حرب الشعب الفلسطيني الدامية مع إسرائيل، على حد وصفه، فقد توسَّم "خيرا في سارتر بسبب موقفه من الجزائر، والذي كان أصعب عليه كونه فرنسيا من أن يكون له موقف منتقد لإسرائيل".
خاب أمل سعيد بشدة لأنه اتضح أن دعم إسرائيل كان موضوع اللقاء الحقيقي، وليس العرب أو الفلسطينيين. ويعزو سعيد بقاء سارتر على "صهيونيته الأصولية" إلى "أسباب لن نعرفها قط". ولم يبق أحد من أولئك المفكرين الذين عرفهم سعيد مؤيدا للفلسطينيين سوى جان جينيه وجيل دولوز الذي أخبره أنه افترق عن فوكو بعدما كانا صديقين حميمين، لخلافهما في القضية الفلسطينية، حيث كان فوكو مؤيدا لإسرائيل، أما دولوز فقد كان في صف الفلسطينيين.
لن يفيدنا كثيرا البحث عن مواقف مؤيدة للعنف المناهض للصهيونية بين الفلاسفة الغربيين اليوم أو الأمس، لكن قد يفيدنا أن نبحث في أفكارهم الفلسفية عن العنف عموما، لعلنا نجد شيئا يساعدنا على التفكير في معنى عملية طوفان الأقصى.
ثمة اختلاف في نوع العنف الواقع في معركة طوفان الأقصى والحرب الإبادية التي تلتها، وهذا الاختلاف كامن في أحد جوانبه في علاقة هذا العنف بالقانون. في مقالة "بحث حول العنف"، تكلَّم الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين عام 1921 عن ثلاثة أنواع من العنف: العنف الحافظ للقانون، والعنف الصانع للقانون، والعنف المدمر للقانون.
وبينما يبدو النوع الأول بديهيا عندما نطبقه على مواقف الدفاع عن النفس أو حماية الدولة لحق عدم الاعتداء على الملكية مثلا، لا يبدو الثاني بالبديهية نفسها. كيف يصنع العنف القانون؟ إنه يصنعه بالممارسات اللاقانونية العنيفة التي تدعي أن هدفها الحفاظ على القانون، ثم تصبح هذه الممارسات بعد اعتياد تكرارها مقننة أو شبه مقننة بطريقة ما. يُعَد هذا النوع من العنف في حد ذاته قانونا خفيا ينتظر إقراره، لكن حتى لو لم يجر إقراره فإنه يساهم في تخليق أوضاع جديدة يمكن البناء عليها لاحقا.
لنأخذ على سبيل المثال العنف الإبادي الواقع على الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، الذي يسعى اليوم لأن يكون قاعدة لوضع دائم جديد شبه قانوني. تدَّعي إسرائيل رغبتها في الحفاظ على القانون عن طريق تحرير محتجزيها لدى فصائل المقاومة بما تمارسه من قصف وقتل واعتقال وحصار وتجويع، لكنها تتجاوز حدود هذه المهمة من أجل تنفيذ نكبة جديدة على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وتمحي هذه النكبة الجديدة الحدود التي خلقتها النكبة القديمة، وترسم حدودا جديدة لإسرائيل وقوتها.
لا يمكن لهذا المحو أن يتحقق إلا بالعنف الصانع للقانون. إن إحدى سمات هذا العنف بالتأكيد هو أنه يفوق العنف الحافظ للقانون حجما بما لا يقاس، وهذا لأنه لا يُمهِّد الطريق لقانون جديد فحسب، بل يخلق الشروط والظروف المواتية كي يصيغ قواعد تناسبه بعد ذلك، وبهذا يصبح عنفا فوق القانون ذاته، تتشكَّل القوانين وفقا له ولا يتغيَّر هو وفقا لها ولمبادئها.
ولذا تصبح سمته الأهم أنه قادر على استدامة نفسه باسم حفظ القانون إلى الأبد، أو إلى أن يوقفه طرف بالفعل المقاوم. وبهذا تصبح إقامة النظم القانونية فعلا عنيفا في حد ذاته، فالدولة التي تحتكر العنف تمرر العنف الذي تراه مناسبا لها مثلما تواجه العنف الذي يهدد قانونها، وفي عنف المستوطنين الصهاينة ضد فلسطينيي الضفة والداخل الإسرائيلي أبلغ مثال.
وماذا عن العنف المدمر للقانون؟ إنه العنف الذي لا يهدف إلى إنشاء نظام قانوني جديد على وجه التحديد، بل يدمر النظام القانوني القائم، وعادة ما يروم تحقيق العدالة بتدمير نظام يراه ظالما ومعيبا، حتى أن بنيامين ذهب إلى القول بأنه ثمة "قتل ثوري للقامعين" من أجل العدالة. لقد فكر بنيامين الشاب، الذي رفض لاحقا الانضمام إلى موجة الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، في الإضراب العام الذي يقلب نظام الحكم بوصفه عنفا مدمرا للقانون.
ولكن هل يمكن أن نفكر في عملية طوفان الأقصى أيضا بوصفها عنفا مدمرا للقانون؟ لا، ليس طبقا لتعريف بنيامين، لأنه كان يفكر في سياق الثورة داخل البلد الواحد، بل إنه بنى أفكاره بُعيد أحداث انتفاضة الرور الألمانية لعام 1920، التي سحقتها الحكومة الألمانية. إذا كان بنيامين لم يفكر بشأن العنف الثوري في البلدان المستعمرة، فما الذي يمكن أن يضيفه تصنيفه إلى معنى طوفان الأقصى؟
بما أن المُستعمرِين لا ينتمون إلى المُستَعمَرين، فإن التمايز بينهما ليس مجرد تمايز بين حاكم ومحكوم، بل تمايز بين مجتمعين لا يجمعهما شيء سوى قمع المُستعمِر للمُجتمع المُستَعمَر. ويمثل العنف المدمر للقانون خروجا تاما عليه من أجل إيقاف العنف الصانع للقانون.
ويتشابه ذلك الطرح مع ما قاله فانون من أن الاستعمار عنف هائج لا يمكن أن يخضع إلا لعنف أقوى، وقوة هذا النوع من العنف الثوري تختلف تماما عن قوة العنف الاستعماري، لأن قوته تتأتى ممن لا نتوقع منهم العنف لأنهم مستضعفون. وإذا كان العنف الصانع للقانون هو قانون الأقوياء، فإنهم يبدون وكأنهم الوحيدون المخول لهم أن يمارسوا العنف. ولكن هذا ليس صحيحا كما يتضح، إذ إن قوة عنف المستضعفين كامنة في نفوسهم وإيمانهم بحقوقهم، وهي قوة تستطيع قلب الموازين فجأة.
لقد أرادت إسرائيل إفزاع العالم بأكاذيب قتل حماس للأطفال واغتصابهم للنساء كي تبرر المجازر والمذابح التي ارتكبتها منذ إعلان الحرب على غزة، لكن الفزع الحقيقي أتى من عامل المفاجأة العنيفة لعملية الطوفان وهجومها على المواقع الإسرائيلية في غلاف غزة، والقدرة الواسعة على أسر كثير من الجنود الإسرائيليين أثناء العملية. فلم يكن لحماس أو فصائل المقاومة الأخرى طائرات تقصف بها المستوطنات قصفا سجاديا كما تفعل إسرائيل في شمال غزة، أو قنابل الفسفور الأبيض المحرمة دوليا التي تلقيها على المدنيين في الملاجئ مثلما فعلت إسرائيل.
كيف كان طوفان الأقصى إذن؟ كان عنفا مدمرا للقانون، لكنه تدمير يطلب العدالة بعد أن عانى الشعب الفلسطيني حصارا طيلة 15 عاما وحروبا متتالية شنت عليه منذ عام 2008 ومؤامرات حيكت لتصفية قضيته على مدار 75 عاما. لذلك يذكرنا طوفان الأقصى بانتفاضات مُشابهة ضد مُحتلين أو حُكام مستبدين مارسوا العنف الصانع للقانون، حتى هبَّت الشعوب لتدميره، على غرار ثورات ما عُرف بالربيع العربي التي ثارت على الظلم والاستبداد.
لقد طالبت حماس في القسم الثالث من الوثيقة التي نشرها مكتبها الإعلامي المجتمع الدولي بإجراء تحقيقات نزيهة "في الجرائم والانتهاكات كافة"، مع اعترافها بحدوث بعض الفوضى بفعل الاختراقات الواسعة في السياج الإسرائيلي والمنظومة الفاصلة بين قطاع غزة والأراضي المُحتلة. من جهة أخرى، لم تلجأ إسرائيل إلى المؤسسات الدولية إلا لشراء الوقت لمواصلة المذابح والحصار ونهب أراضي الضفة الغربية، بل جعلت الولايات المتحدة تقف أمام كل محاولة لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وحرَّضتها على الهجوم على لبنان واليمن وإيران.
العنف ما هو إلا علاقة بين الفعل العنيف والسياق الذي يقع فيه، وهذا لا يعني أن ننفض أيدينا من المسألة كلها ونقول أنها نسبية، بل يعني أننا لا نعترف بجميع أنواع العنف أو نراها بما يكفي، حيث إن قلة مِنا تستطيع رؤية العنف وسياقه كليهما في اللحظة نفسها. وما يهمنا هُنا هو تبيان أنواعه وحدوده وغاياته كي نراه على حقيقته وندرك الفارق بين تنفيذ القانون وتحقيق العدالة.
وفي منشور بعنوان "رسالة إلى المنافقين في أوروبا"، ندد الفيلسوف الإيطالي فرانكو بيراردي عبر حسابه على فيسبوك بمواقف الفلاسفة الأكاديميين الأوروبيين، وبصمتهم إزاء الحرب الإبادية على غزة، وقال إن "إسرائيل انضمت إلى نادي التفوق العرقي حتى تكتسب الحق في تكرار ما فعلناه في السكان الأصليين من شعوب أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا".
لم يكن سجل مواقف أبرز فلاسفة التنوير مثل كانط وجون لوك وستيوارت مِل إزاء وحشية أوروبا مُشرِّفا في زمن الاستعمار القديم، تماما مثل مواقف كثير من فلاسفة ما بعد الحداثة الذين ذكرناهم إزاء همجية إسرائيل، سوى قلة قليلة ترى السياقات التاريخية ودور العنف فيها بوضوح.
العنف الثوري الفلسطيني في طوفان الأقصى يكشف لنا حدود النقد العقلاني الغربي للعنف الاستعماري وعدم قدرة معظم مفكريه على التمييز بين العنف الذي رسَّخ أوضاعا جائرة على مدار عقود، والعُنف المقاوِم الذي يسعى لتدمير الوضع القائم سعيا للعدالة والحرية.
هوامش:
يشير سارتر إلى سلسلة المقالات التي كتبها كامو في خريف عام 1946 وصدرت في كتاب بعنوان "لا ضحايا ولا جلّادون".تقترب الكلمة الأصلية Critique في عنوان مقالة بنيامين من معنى البحث أو التحقيق أكثر من النقد.كانت أفكار بنيامين عن العنف مؤثرة في اليسار الأوروبي، حتى أنه ثبت تأثيرها في جماعة الجيش الأحمر اليسارية المسلحة RAF. للمزيد يرجى مراجعة سلسلة مقالات إرفينغ فولفارت: